نبض أرقام
08:13 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

صناعة الحروب .. كيف تحقق شركات السلاح أرباحها المليارية؟

2017/08/26 أرقام - خاص

على الرغم من الجهود المبذولة من أجل محاولة إظهارها بصورة أفضل، إلا أن الحرب العالمية الأولى لم تكن أبداً حرباً مجيدة. ولكنها كانت في الحقيقة، صراعا عالميا غير أخلاقي أدى إلى مستوى غير مسبوق من الموت والدمار.



 

فبعد أن وضعت الحرب أوزارها، كانت الحصيلة كالتالي: لقي أكثر من 16 مليون شخص مصرعهم وجرح 20 مليون شخص آخرين ودمرت مدن عن بكرة أبيها، ودفع المدنيون والجنود الذين ينتمي معظمهم إلى الطبقة الفقيرة ثمن معركة أدار رحاها مجموعة من الحكام الأغنياء والأقوياء للقوى الإمبريالية المتنافسة، لم يكن فيها لشعوبهم ناقة ولا جمل.
 

ولكن وسط كل هذا الدمار والخراب كانت هناك ثلة من المستفيدين من هذا الوضع، هي شركات السلاح، التي فاضت جيوبها وجيوب مساهميها بأموال ملوثة بالدم.

 

خلق الحرب من العدم
 

- كانت الحرب العالمية الأولى، هي أول صراع عالمي منذ الثورة الصناعية، فيما أدى ظهور جيل جديد من الأسلحة الآلية إلى خسائر مدمرة.

 

- أدت التوترات الدولية في ذلك الوقت إلى خلق فرص تجارية لشركات الأسلحة. وبطبيعة الحال لم يكن هناك ما يسعدهم أكثر من تطور الصراع وتورط المزيد من الأطراف به.

 

- وهذه الطريقة في التفكير هي التي دفعتهم في بعض الحالات إلى اختلاق الحرب، بهدف دفع أطرافها إلى الدخول في سباق تسليح لا ينتهي إلا بنفاد أموالهم.

 

- من الأمثلة على ذلك، قيام "هربرت مولينز" مدير شركة صناعة المدافع الثقيلة البريطانية "كوفنتري أوردنانس وركس" في العام 1908 بالعمل على إقناع الحكومة البريطانية بأن ألمانيا تقوم سراً بتطوير برنامجها العسكري البحري.



 

- تحت سيف الخوف، قام البريطانيون بزيادة إنفاقهم على سلاح البحرية بشكل غير مسبوق، وساهمت تلك الادعاءات في خلق جو من الشبهات المتبادلة بين كافة الأطراف مما جعل الحرب أكثر احتمالاً. لاحقاً اعترف "ونستون تشرشل" أن هذه الادعاءات كانت كاذبة تماماً.

 

- كانت مصالح تجار السلاح محمية بشكل كبير من خلال علاقتهم الحميمة مع السياسيين. ففي عام 1914 قال أحد نواب حزب العمال "فيليب سنودن" أثناء جلسة لمجلس العموم البريطاني، إنه في ظل وجود عدد كبير من أعضاء البرلمان كمساهمين في شركات السلاح "من غير الممكن أن يُرمى حجر على المقاعد المقابلة ولا يصيب أحدهم".

 

على الرغم من ادعاءاتها الوطنية، إلا أن شركات السلاح لا تهتم في الغالب بأي شيء سوى مصلحتها التجارية، وموطنها الرسمي هو حيث توجد الأموال.

 

دليل ذلك قام التكتل الهندسي البريطاني "فيكرز أرمسترونجس" ببيع السلاح إلى الدولة العثمانية آنذاك، والذي استخدمه العثمانيون في هزيمة البريطانيين وحلفائهم في حملة جاليبولي.
 

كالأخطبوط
 

- في يناير/ كانون الثاني من عام 1961، استغل الرئيس الأمريكي "دوايت أيزنهاور" خطابه الأخير الذي ألقاه خلال حفل تنصيب خلفه "جون كيندي" لتحذير الشعب الأمريكي مما اعتبره واحداً من أخطر التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة، وهو المجمع العسكري الصناعي المؤلف من شركات الأسلحة ومجموعات الضغط التي تسعى لإدامة الحرب.

 

- ربما كان هذا الخطاب هو أكثر لحظات "أيزنهاور" شجاعة على الإطلاق. فبعد مرور ما يزيد على 50 عاماً على ذلك الخطاب، لا يزال يجد الأمريكيون أنفسهم في حرب دائمة. فالقوات الأمريكية تنتقل من أفغانستان إلى العراق  ثم ليبيا ومؤخراً إلى سوريا.

 

- في حين تمثل الحرب الدائمة خسارة مادية وبشرية بالنسبة للأسر الأمريكية، تتزايد على الجانب الآخر أرباح مجمع صناعي ضخم تتشابك بشكل معقد مصالحه التجارية مع الحكومة الأمريكية.



- تمتلك الولايات المتحدة ثلاثًا من بين أكبر 4 شركات تصنيع السلاح في العالم، وهي "لوكهيد مارتن" و"بوينج" و "رايثيون". وتوظف الشركات الثلاث نحو 350 ألف موظف، وبلغت إيراداتها الإجمالية في عام 2016 حوالي 165 مليار دولار.

 

- ما يساهم في ملء خزائن هذه الشركات وغيرها هو عدو غامض وغير مرغوب فيه تماماً يسمى "الإرهاب". فقد أصر الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" ومساعدوه على تسمية جهود مكافحة الإرهاب بالحرب. ومنذ ذلك الحين أصبحت "الحرب على الإرهاب" هي الطريقة التي يتم بها تبرير أغلب التدخلات العسكرية.

 

- في تناقض درامي، أظهرت إحدى الدراسات أن ما يقرب من 75% من الأمريكيين الذين سقطوا خلال هذه الحروب ينتمون إلى عائلات من الطبقة العاملة، والذين لا يحتاجون الحرب ورغم ذلك يدفعون تكلفتها. لكن في المقابل يدعم الإنفاق العسكري الأمريكي الملايين من الوظائف في البلاد.
 

مصائب قوم ...
 

- على مدار السنوات العشر الماضية، تدفقت تريليونات الدولارات إلى شركات السلاح. فعندما تقرر الإدارة الأمريكية المشاركة في الحرب في سوريا على سبيل المثال، يصبح الأمر بمثابة الهدية لشركات السلاح التي يتم منحها عقوداً سخية لإنتاج كل شيء تقريباً، بداية من وجبات الجنود وانتهاءً بالصواريخ والذخيرة.

 

- خلال الأيام العشرة الأولى من تدخلها العسكري في ليبيا، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 550 مليون دولار، وشمل هذا الرقم 340 مليون دولار تكلفة صواريخ كروز، التي تنتجها شركة "رايثيون" الأمريكية، رابع أكبر مُصنع للسلاح في العالم.

 

- لا تزال الضربة الصاروخية التي شنها الجيش الأمريكي في أبريل/نيسان الماضي على أحد المطارات السورية عالقة في أذهان الجميع. خلال هذا الهجوم تم إطلاق 59 صاروخاً من طراز توماهوك كروز، بلغت قيمة الواحد حوالي 832 ألف دولار، أي أن التكلفة الإجمالية للضربة تجاوزت 49 مليون دولار.


 

- على الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر معارضة أغلبية الأمريكيين للحرب في أفغانستان والعراق، إلا أن المجمع الصناعي العسكري في المقابل يتمكن بسهولة من حشد الدعم اللازم من الجمهوريين والديمقراطيين لرفع حجم الإنفاق العسكري على حساب البرامج الاجتماعية الأساسية مثل الرعاية الصحية.

 

- مع مرور الزمن أصبحت العلاقة الوثيقة بين شركات السلاح والحكومات أشبه بالباب الدوار. فدائماً يوجد هناك مكان في مجالس إدارة شركات السلاح للسياسيين المتعاونين بعد مغادرتهم لمناصبهم.

 

- هذا ما حدث مع وزير وزير الدفاع البريطاني السابق "جيف هون" الذي منح عقداً بقيمة 1.7 مليار إسترليني لشركة تصنيع المروحيات "أجستاوستلاند" والتي قامت بتعيينه لديها بمجرد مغادرته لمنصبه.

 

- أشارت دراسة أعدتها جامعة "ستانفورد" في عام 2003 إلى أن صناعة السلاح الأمريكية ستتكبد خسارة سنوية قدرها 5.5 مليار دولار إذا قررت دول منطقتي الشرق الأوسط وجنوب آسيا التوقف تماماً عن شراء الأسلحة الأمريكية، بينما رجحت ارتفاع ذلك الرقم إلى 13 مليار دولار إذا جمدت جميع دول العالم مشترياتها من السلاح الأمريكي.

 

- السؤال المنطقي الآن: كم ستبلغ خسارة هذه الشركات الأمريكية حاليا إذا توقفت دول المنطقة والعالم أجمع عن شراء ما تنتجه من أدوات الدمار والخراب؟


 

- أخيراً، ربما أصبح من السهل على الكثيرين الآن إدراك كيف يمكن للحروب التي تحصد أرواح الملايين وتعصف بأمنهم أن تكون في نفس الوقت بمثابة الكنز لآخرين في اقتصادات تعتمد على الحرب.

 

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.