نبض أرقام
03:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/09/13
2024/09/12

لعبة الإنذار الأخير.. دهاليز النفس البشرية وأشهر ألعاب الاقتصاد التجريبي

2017/09/09 أرقام - خاص

بينما تقف على الرصيف تتناقش مع صديق لك، اقترب أحد المارة منكما وتقدم إليك بعرض. ببساطة يخبرك بأنه سيعطيك ورقة بـ100 ريال يمكنك أن تحتفظ بها ولكن بشرط واحد: يجب عليك إعطاء جزء من هذا المبلغ لصديقك الواقف معك، ويمكنك منحه القدر الذي تريده، ولكن إذا رفض صديقك النسبة التي تعرضها عليه، لن يحصل أي منكما على أي أموال، ويمضي الرجل إلى سبيله. كيف تتصرف؟
 

هذه ببساطة هي لعبة الإنذار الأخير (The ultimatum game) والتي تعتبر واحدة من أكثر التجارب أو الألعاب التي نوقشت من قبل الباحثين في الاقتصاد التجريبي، وحظيت باهتمام كبير نظراً لبعديها الاقتصادي والنفسي، ولنتائجها التي تبرز إلى أي حد كيف يمكن أن يكون السلوك البشري محيراً.



 

الآن، أنت تقف ممسكاً بالمئة ريال أمام صديقك الذي يراقب كيف ستتصرف. هل ستعطيه أقل ما يمكن؟ هل ستقسم المال بالتساوي؟ أم ستكون سخياً؟
 

من وجهة النظر النفعية في علم الاقتصاد، أنت بالتأكيد ستعطي صديقك أقل قدر ممكن، بمعنى أنك ستعطيه ريالا مثلاً. ولكن بما أن صديقك يعرف أن المائة ريال أموالاً سهلة لم تحصل عليها بجهد أو بتعب، فقد يراك جشعاً، ويرفض عرضك ويفضل ألا يكسب أي منكما شيئا على أن يقبل بقسمة غير عادلة.
 

لكن في الحقيقة، لا يمكن القول بأن وجهة النظر النفعية تفسر بدقة السلوك البشري عند مواجهة هذه القرارات.

ومن أجل فهم أفضل لتصرفات البشر ومقارباتهم العقلية أثناء الوجود بأوضاع مشابهة ربما يكون من الجيد استعراض دراسات بحثية تناولت تجارب حقيقية تم إجراؤها على مجموعات بشرية وحيوانية أيضاً.

 

الجانب النفسي من اللعبة
 

لعبة الإنذار الأخير هي من بنات أفكار الأستاذ في جامعة نيويورك "أرييل روبنشتاين"، والذي توقع في عام 1982 أن الشخص المطلوب منه اتخاذ القرار في هذه اللعبة سوف يختار تقديم أقل قدر ممكن. هذا المفهوم يعكس ما يسمى بالتعظيم العقلاني للمنفعة، أي أن الشخص يميل دائماً لاختيار القدر الأكبر لنفسه.

 

في العام التالي، تم اختبار فرضية "روبنشتاين" من قبل ثلاثة خبراء بالاقتصاد وهم: "ويرنر جوث" و"رولف شميتبرجر" و"بيرند شوارز". وخلصت تجارب الباحثين الثلاثة لـ"لعبة الإنذار الأخير" على مجموعات بشرية إلى نتائج تتناقض إلى حد كبير مع توقعات "روبنشتاين"، وذلك بحسب تقرير نشره موقع "هاو ستف وركس".

 

وجدت إحدى تجاربهم أن متوسط العرض الذي يقدمه الشخص المطلوب منه أن يقرر إلى الشخص الآخر بلغ في المتوسط 37% من المال المعروض. بينما وجدت تجربة أخرى أن متوسط العرض يتراوح ما بين 40 إلى 50%. في المقابل رفض حوالي نصف الأشخاص المستقبلين للعرض جميع العروض التي تقل عن 30%.



تسببت هذه النتائج في عاصفة من النقاشات والتكهنات، لتقبل مجموعات أكبر من الباحثين على إجراء المزيد من الدراسات، محاولين معرفة لماذا يتصرف البشر في هذا الموقف بطريقة غير منطقية؟ كان أحد الاستنتاجات التي تمكنت عدد من الدراسات التوصل إليه، هو أن تصرف هؤلاء بذلك النمط كان بسبب خوفهم من رفض الطرف الآخر للعرض.

 

بسبب إدراك الشخص الذي من المفترض أن يقوم بتقسيم المال لحقيقة أن عرضه قد يتم رفضه، وأن ذلك الرفض سيكلفه باقي المبلغ، أصبح أكثر ميلاً لتقديم عرض عادل. وهذا الاستنتاج يقود إلى لعبة أخرى مطورة من لعبة الإنذار الأخير، وهي لعبة الديكتاتور.
 

لعبة الديكتاتور.. رفضك أو قبولك سواء
 

في هذه اللعبة، يمكن للشخص المتقدم بالعرض الاحتفاظ بالمال بغض النظر عن قبول أو رفض الطرف الآخر، ولكن بشرط أن لا تتكرر هذه اللعبة بين هذين الشخصين، حتى نضمن أن لا يكون هناك اعتبار للمعاملة بالمثل.

 

في عام 2002 نشرت دراسة أجراها باحثون في جامعة إنديانا على مجموعة من الأشخاص الذين تم وضعهم أمام خيارين: إما أن يقوم الطرف المتقدم بالعرض بقسمة 20 دولارا بالتساوي مع الطرف الآخر، أو أن يقوم بمنحه دولارين فقط والاحتفاظ لنفسه بالباقي، وفي الحالتين سيحصل الطرف الأول على أمواله بغض النظر عن قبول أو رفض الطرف الآخر.

 

في الحقيقة كانت النتائج مدهشة وغريبة بالنسبة للباحثين، حيث اختار 66% من الأشخاص المتقدمين بالعرض قسمة المال بالتساوي، على الرغم من معرفتهم المسبقة بأن الطرف الآخر لا يملك غير قبول العرض المقدم.



في ذات العام، توصلت تجربة أخرى إلى نتائج مختلفة. ولكن في هذه التجربة تم إجراء تعديل بقواعد اللعبة، حيث أصبحت من جولتين، وسيُسمح للطرف المستقبل للعرض في الجولة الأولى بأن يكون الديكتاتور في الجولة التالية.

 

وجدت الدراسة أن تصرف المتلقي السابق الذي أصبح الديكتاتور في الجولة الثانية مرتبط بشدة بتصرف الطرف المقابل في الجولة الأولى. بعبارة أخرى إذا أعطى الديكتاتور في الجولة الأولى مبلغاً منخفضاً للطرف المتلقي، يجد ذات المبلغ بين يديه في الجولة الثانية.

 

ما الذي يحدث هنا؟ لماذا لا يقوم البشر بتعظيم العقلانية في جميع الألعاب سواء الإنذار الأخير أو الديكتاتور؟ على الرغم من أن الخوف من الرفض يعتبر تفسيرا معقولا لسلوك الطرف المانح إلا أنه لا يفسر لماذا قد يرفض الطرف الآخر أي عرض قد يقدم إليه؟ لماذا قد يعطي الطرف الأول للطرف الثاني أكثر من الضروري؟ من هنا يظهر مفهوم الإنصاف لدى البشر كمعامل مهم في اللعبة.

 

مفهوم الإنصاف بين البشر والحيوانات
 

يميل البشر عادة إلى مفهوم الإنصاف، وخاصة عندما يتم معاملتهم بشكل غير عادل، ولكن الإحساس بهذا المفهوم قد لا يكون محصوراً على البشر.

 

في عام 2003، أجرى باحثون من جامعة إيموري في أتلانتا دراسة على مجموعة من إناث قرود الكبوشي. وفي البداية كان يتم منح كل قرد شريحة من الخيار مقابل كل حصاة يجمعها من على الأرض. كان كل شيء يتم على نحو عادل، الجميع يحصل على نفس القدر.

 

مع تقدم الدراسة، قام الباحثون بإعطاء عدد من هذه القرود العنب بدلاً من الخيار مقابل كل حصاة، بينما لم يكن بمقدور الجزء الآخر من المجموعة غير الحصول على الخيار. لاحقاً تم منح الجزء الأول الخيار إلى جانب العنب مقابل أي شيء أو لا شيء، بينما ظل الآخرون يجاهدون من أجل جمع الحصاة ليحصلوا على الخيار فقط. مع استمرار التعاملات غير المنصفة انتشر الاضطراب بين الجميع.



بالعودة إلى البشر، الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها تفسير النتائج التي توصلت إليها الدراسات الخاصة بلعبة الإنذار الأخير، هي أن القدرة على توقع كيفية تصرف الشخص المتلقي حين يتم تقديم جزء ضئيل من المال إليه إلى جانب الشعور بالإنصاف، هما العاملان اللذان يشكلان قرارات البشر في هذه المواقف.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.