في الجزء الأول من هذا التقرير تم تناول ظروف دخول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أفريقيا لأول مرة، من أجل مساعدتها على تخطي أزمة الديون التي دخلت فيها فجأة في الثمانينيات، ليقوما بفرض سياسات كان لها إ كارثية زادت الوضع تأزماً حسب وجهات نظر غربية في الأساس.
وفي هذا الجزء سيتم إلقاء الضوء على ما حدث في حالتي الصومال وملاوي بالتحديد، وتناول انعكاسات سياسات المؤسستين عليهما اقتصادياً واجتماعياً.
من الاكتفاء الذاتي إلى المجاعات.. رحلة الصومال وشقيقاتها مع صندوق النقد الدولي (2/2) |
||
النقطة |
|
الإيضاح |
الصومال والطريق إلى المجهول |
- بالنسبة للصومال كان تأثير سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على البلاد أكثر كارثية من أي حالة أفريقية أخرى، وذلك لأن تطبيقها تزامن مع التدخل العسكري الأمريكي.
- في كتابه "عولمة الفقر" يشير الاقتصادي الكندي "ميشيل تشوسودوڤسكي" إلى أنه على الرغم من حالات الجفاف المتكررة كان الاقتصاد الصومالي الذي يقوده صغار المزارعين ورعاة الماشية والأغنام مكتفياً ذاتياً في مجال الغذاء خلال السبيعينيات.
- قبل دخول صندوق النقد كانت الثروة الحيوانية للبلاد في أوج ازدهارها، لدرجة أنها شكلت وحدها 80% من الصادرات الإجمالية للصومال خلال عام 1983. ولكن في إطار برامج التكيف الهيكلي تم خصخصة الخدمات البيطرية للماشية.
- حالت أنشطة الخصخصة دون حصول الرعاة في المناطق الريفية على الرعاية الصحية الحيوانية، وهي السياسات التي أدت في نهاية المطاف إلى تدمير القطاع الذي كان يعمل به أكثر من نصف السكان.
- بالنسبة للزراعة، لم يستطع صغار المزارعين الصمود كثيراً في وجه الواردات الرخيصة من القمح والأرز، وتم توجيه ما تبقى من الموارد الزراعية للبلاد لصالح السلع التصديرية التي تدر دخلاً يتم توجيهه لسداد الديون، ولكن الأسوأ من ذلك هو نقاط المياه والآبار إما جفت بسبب نقص الصيانة أو تمت خصخصتها وفقاً لتعليمات الصندوق.
- أدى تفكيك الصندوق النقد الدولي للاقتصاد الزراعي الرعوي في الصومال جنباً إلى جنب مع العنف الطائفي الذي غذته الولايات المتحدة إلى تعرض البلاد إلى مجاعة شديدة عندما واجهت موجة من الجفاف في عام 1992، مما تسبب في جوع جماعي لأكثر من 300 ألف إنسان.
- اليوم، ونحن في عام 2017، لم تتحسن ظروف الصومال، فلا تزال تعاني من الصراعات المسلحة وانعدم تقريباً أمنها الغذئي، وتستمر الولايات المتحدة في التدخل في شؤونها دون استئذان بذريعة محاربة الإرهاب.
- على الرغم من أن السياسات الاقتصادية التي تم فرضها على الصومال في الثمانينيات والتسعينيات ليست هي المسؤولة فقط عن المجاعة الحالية في البلاد، ولكن بحسب "تشوسودوفسكي" لا يمكن بأي حال أن يتجاهل أي عاقل تأثير 10 سنوات قضتها الصومال بين أيدي طبيبها المزعوم (صندوق النقد) تم خلالها إرساء كل الظروف اللازمة لانتقال البلاد نحو التفكك الاقتصادي والفوضى الاجتماعية. |
|
ملاوي .. الأغنية نفسها |
- تعتبر حالة ملاوي واحدة من أوضح حالات الفشل المؤسسي لسياسات وبرامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- في أواخر التسعينيات، قدمت الحكومة لمزارعي الكفاف – المزارعون الذين يركزون على زراعة الأطعمة التي تكفيهم لإطعام أنفسهم وعائلاتهم – حزمة إعانات تشمل بذورا وأسمدة مجانية، وهو ما أدى إلى تحقيق البلاد فائضاً في إنتاج الذرة.
- لكن مع ظهور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومعهما سياسات التكيف الهيكلي تم تفكيك هذا البرنامج واضطرت الحكومة إلى بيع الجزء الأكبر من احتياطياتها من الحبوب من أجل خدمة ديونها.
- لم يمض الكثير قبل أن يتحول عجز البلاد عن إنتاج غذائها إلى مجاعة في الفترة ما بين عامي 2001 و2002، وبالطبع لم يكن لديها مخزونات تتكئ عليها في وسط تلك الكارثة، ليلقى 1500 شخص مصرعهم.
- في ظل هذا الوضع ما قام به صندوق النقد الدولي هو: تعليق المدفوعات التي تستلمها حكومة ملاوي وفق برنامج الصندوق والسبب الذي ساقه في تبريره لتلك الخطوة هو أن "القطاع شبه الحكومي يشكل خطراً على التنفييذ الناجح للميزانية المقترحة من قبله للعام المالي 2002/2003."
- في دليل واضح على أن سياسات الصندوق هي المشكلة، قام رئيس جديد للبلاد في العام 2005 بالتخلي عن سياسات صندوق النقد والبنك الدولي وأعاد العمل ببرنامج دعم الأسمدة الذي ألغاه الصندوق، وهو ما مكن مليوني أسرة من شراء الأسمدة بثلث سعر التجزئة والبذور بسعر مخفض.
- نتيجة هذا التحول كانت حصادا وفيرا لعامين على التوالي، وفائضا قدره مليون طن من محصول الذرة، وتحولت البلاد إلى مصدر للذرة إلى جيرانها في الجنوب الأفريقي.
- في تقريره حول التنمية العالمية لعام 2008، صدم البنك الدولي الكثيرين عندما اعترف بأن سياسات التكيف الهيكلي التي تم فرضها في الثمانينيات على البلدان الأفريقية كانت فاشلة، وتسببت في تفكيك النظام المطور للوكالات العامة الذي يوفر للمزارعين إمكانية الوصول إلى الأراضي والائتمان ومدخلات التأمين.
- ضمن فقرة مقتبسة من التقرير يقول "إن البنك يصر على أن نيته كانت هي تحرير السوق حتى يمكن للقطاع الخاص المضي إلى الأمام، ولكن هذا لم يحدث" ويواصل البنك اعترافه قائلاً "الذين استفادوا من الخصخصة كانوا هم المزاعين التجاريين، أما صغار المزارعين فقد تركوا معرضين للإخفاق في مواجهة ارتفاع تكاليف المعاملات والمخاطر والفجوات التي حدثت في الخدمات المقدمة إليهم، الأمر الذي هدد بقاءهم". |
|
"الفهم" ... هذا ما يجب على الجميع |
- أسهمت الصور المأساوية للأفارقة الذين يعانون من الجوع في بلدان أصبحت متخلفة وتعج بالعنف والصراعات التي تتناولها تقارير الإعلام في خلق تصور جمعي لدى الأغلبية الساحقة بأن أفريقيا – التي كانت حتى وقت قريب مكتفية ذاتياً غذائيا – ما هي إلا حفرة للصدقات والمساعدات، وذلك في تجاهل صارخ للسياق التاريخي الضروري لفهم كيف تم إفقار أفريقيا.
- يعني ذلك أن الترجمة الصحيحة للخبر الذي تحتفي وسائل الإعلام بأنماط شبيهة له من آن لآخر مثل "صندوق النقد يعفي الصومال من جزء من ديونها" هي: صندوق النقد الذي يعد أحد أبرز المسؤولين عن قهر الصومال وإفقارها والذي استرد منها إلى اليوم ما تساوي قيمته أضعاف ديونها الأصلية يعفيها من ديون لم تكن لتثقل كاهلها أصلاً لو لم يدخل إليها.
- في أحد مقالاته كتب "ديفيد نالي" مؤلف كتاب "العوائق الإنسانية: العنف السياسي والمجاعة الأيرلندية الكبرى" إن تصوير الضحية بالمظهر السلبي الذي لا يستطيع مساعدة نفسه، يُمكن المنظمات غير الحكومية والحكومات الغربية من القيام بدور المنقذ دون الحاجة إلى مواجهة أسئلة مزعجة حول التواطؤ في خلق هذه المعاناة.
- لذلك، قد حان الوقت لأن يواجه الجميع حقيقة أن المجاعات الأفريقية هي النتيجة الحتمية لسياسات معطوبة تم فرضها من قبل مؤسسات مالية دولية وحكومات غربية لم تؤد إلا إلى زيادة ثراء الأثرياء على حساب بطون الفقراء، وجففت أفريقيا من مواردها وجردت مواطنيها من أبسط حقوقهم وهو حقهم في الغذاء والحياة.
- أخيراً، يبقى تساؤل يقفز دائماً إلى ذهن كثيرين، ماذا لو لم يدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أفريقيا من الأساس؟ هل كان من الممكن أن يكون وضعها أسوأ مما هو عليه اليوم؟ |
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}