كثيراً ما يشار إلى أن موظفي القطاع الحكومي يعملون أقل من نظرائهم في القطاع الخاص، حيث يعتقد كثيرون أن الوظائف الحكومية عادة ما تتميز بوقت عمل أقصر، وإجازات أطول. ولكن هل هذا صحيح؟ هل يعمل فعلاً الموظف بالقطاع الحكومي لساعات أقل من نظيره في القطاع الخاص؟
هذه المسألة مهمة جداً لأسباب اقتصادية بحتة وأيضاً لاعتبارات سياسية واجتماعية أوسع نطاقاً. فمن المنظور الاقتصادي، قد يؤدي عمل موظفي القطاع الحكومي لعدد ساعات أقل إلى انخفاض كفاءة الحكومة في تحويل الضرائب التي تحصلها من المواطنين إلى خدمات عامة.
ومن زاوية أوسع، فإن التصور بأن الموظفين الحكوميين لا يعملون بجد مثل موظفي القطاع الخاص يتناقض في الواقع مع روح الخدمة العامة. كما يحتاج المواطنون إلى ضمانات بأن موظفي الحكومة لا يحصلون على امتيازات خاصة لمجرد انتمائهم للقطاع العام.
لإجابة موضوعية على هذا التساؤل، سنستعرض في هذا التقرير دراسة نشرتها مؤسسة البحوث الأمريكية "ذي هيريتدج فاونديشن" في سبتمبر/أيلول 2012 حول سلوك وطبيعة عمل موظفي القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة.
من يعمل أكثر؟
- غالباً ما يقيس الباحثون وقت العمل باستخدام "ساعات العمل المتعاقد عليها"، وهو مقدار الوقت الذي يطلب أصحاب العمل من موظفيهم البقاء على رأس عملهم خلاله. وباستخدام هذا المعيار فقط نجد أن الموظفين الحكوميين يحصلون على إجازات رسمية مدفوعة الأجر أكثر من نظرائهم في القطاع الخاص.
- لكن العديد من الموظفين سواء في القطاع العام أو الخاص يقومون بتنفيذ جزء من عملهم في منازلهم، وأحياناً لا يستطيعون أخذ راحة للغداء، أو يذهبون إلى العمل في عطلتهم الأسبوعية. وقد يأتي آخرون إلى العمل في وقت متأخر ويذهبون إلى منازلهم مبكراً.
- لذلك استخدام "ساعات العمل المتعاقد عليها" كمقياس للاختلاف بين طبيعة عمل الموظفين بالقطاعين العام والخاص هي طريقة غير عادلة بالنسبة للموظفين الذين يعملون على مدار الساعة. ويظهر ذلك بوضوح في حالة معلمي المدارس الذين تتميز فترة عملهم الرسمية بالقصر، ولكنهم غالباً ما يقومون بتصحيح أوراق الصف أو وضع خطط الدروس في المنزل.
- كبديل لـ"ساعات العمل المتعاقد عليها" استخدم معدو هذه الدراسة استقصاءات يتم فيها سؤال الأفراد مباشرة حول ساعات عملهم، وطبيعة الأنشطة التي يقومون بها يومياً، وتأخذ في اعتبارها ساعات العمل في المنزل.
- أظهرت نتائج هذه الاستقصاءات أن موظفي القطاع الخاص يعملون 41.4 ساعة خلال أسبوع العمل الطبيعي، بينما يعمل موظفو الحكومة الفيدرالية لـ38.7 ساعة، في حين يعمل موظفو الحكومات المحلية لحوالي 38.1 ساعة أسبوعياً.
- هذا يعني أن موظفي القطاع الخاص الأمريكي يعملون 3.8 أسبوع عمل أكثر من نظرائهم في الحكومة الفيدرالية، و4.7 أسبوع عمل أكثر مقارنة مع موظفي الحكومات المحلية. بعبارة أخرى يعمل موظفو القطاع الخاص أكثر من الموظفين الحكوميين بحوالي شهر تقريباً.
- في نقطة مثيرة للاهتمام، أوضحت الدراسة أن الفروقات الملحوظة في عدد ساعات العمل بين القطاعين ترجع جزئياً إلى طبيعة سير العمل في القطاعين العام والخاص، وليس فقط إلى الاختلافات في أنواع الوظائف أو طبيعة الموظفين في كل قطاع.
لماذا يختلف سلوك موظفي القطاعين؟
- في دراسة تم نشرها في أغسطس/آب 2017، حاول "باولو أجويار دو مونتي" الأستاذ بجامعة بارايبا الفيدرالية بالبرازيل، تحليل ما إذا كان العاملون في القطاع الخاص يبذلون جهداً أكبر مقارنة مع نظرائهم في القطاع العام، وسبب ذلك، مستنداً إلى بيانات حول سوق العمل البرازيلي.
- أشارت الدراسة إلى أن موظفي القطاع العام لديهم مستوى أقل من التحفيز للأداء بشكل أفضل مقارنة مع أولئك الذين يعملون في القطاع الخاص، وهذا يرجع بشكل رئيسي إلى فشل الجهات الحكومية في جعل الموظف يشعر بأهميته الشخصية.
- يوجد اختلاف كبير في درجة الأمن الوظيفي التي يشعر بها العاملون في كلا القطاعين، وكلما انخفض خطر فقدان الوظيفة كان جهد الموظف أقل.
- نظراً لأن موظفي القطاع العام يشعرون في الغالب بقدر أكبر من الأمان بشأن مستقبلهم الوظيفي، فإنهم قد يكونون أقل تخوفاً نسبياً من فصلهم، مثلاً بسبب الغياب بشكل دوري عن العمل، وبالتالي يتمكنون من عدم القيام بجزء من العمل الذي من المفترض أن يقوموا به.
- غياب الموظفين عن العمل في البرازيل يتم التعامل معه بشكل أكثر صرامة من قبل الشركات الخاصة، مقارنة مع القطاع العام الذي يكون فيه غياب الموظف أكثر شيوعاً، في حين أن العمل الإضافي غير مدفوع الأجر أكثر انتشاراً في القطاع الخاص منه في القطاع العام.
- خلصت دراسة أجريت في عام 2004 إلى أن معدلات الغياب بين موظفي القطاع العام الألماني الذين يتمتعون بدرجة عالية من الأمان الوظيفي بدعم من قوانين حكومية بلغ 6.7%، مقارنة مع 4.3% فقط بين نظرائهم الذين لا يتمتعون بنفس الحماية.
- انتشار الغياب عن العمل في القطاع العام أكثر من القطاع الخاص، يحتمل أن يكون بسبب أن غياب الموظفين في الشركات العامة التي تتميز عادة بكبر الحجم يكون أقل تأثيراً على الإنتاجية وبالتالي لا يمثل الأمر مصدر قلق كبير لإدارة تلك الشركات.
تصحيح الوضع
- يجب أن يكون الموظف الحكومي الذي يعمل لساعات عمل أقصر من المفترض، مصدر قلق بالنسبة لدافعي الضرائب الذين يتوقعون الحصول من القطاع العام على نفس المستوى من الخدمة الذي قد يحصلون عليه من القطاع الخاص.
- خفض بعض المميزات التي يحصل عليها موظفو القطاع الحكومي – مثل الإجازات المدفوعة – يمكن أن يكون جزءًا من إستراتيجية أكبر لتقليص الفجوة في الأجور بين القطاعين العام والخاص، وتوفير أموال دافعي الضرائب.
- بشكل عام، يجب أن تكون الاختلافات الموجودة في وقت العمل بمثابة تذكير للجهات التشريعية بأن عليها أن تكفل الاتساق بين ساعات عمل الموظفين الحكوميين والتعويضات والمميزات التي يحصلون عليها، وبين ساعات عمل نظرائهم في القطاع الخاص وما يحصلون عليه من تعويضات.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}