نبض أرقام
11:31 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23

التعليم المهني .. السوق يأتي إلى الطلاب وليس العكس

2017/11/25 أرقام - خاص

تواجه الكثير من البلدان فجوات هائلة في العمالة الماهرة التي تحتاجها صناعات متعددة، وخاصة التقنية والدقيقة منها. والمثير للانتباه هو أن هذه الفجوات لا تزال مستمرة رغم ارتفاع معدلات البطالة ووجود الملايين من حملة الشهادات الجامعية الجالسين دون عمل في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء.

 

 

ببساطة الوضع كالتالي: يوجد آلاف من الوظائف الشاغرة في الكثير من المجالات، وفي نفس الوقت هناك الملايين من العمال المحتملين الذين يفتقرون إلى المهارات التي تتطلبها تلك الوظائف.
 

أقل شأناً
 

- التعليم الفني والمهني هو الحل الوحيد لهذا الوضع، ولكن مع الأسف هناك تصور مجتمعي بأن ذلك النوع من التعليم أقل شأناً من التعليم الأكاديمي الذي تقدمه الجامعات التقليدية التي تدوم مدة الدراسة بها لأربع سنوات.

 

- في معظم البلدان لا يزال الكثير من الطلبة وأولياء الأمور يحملون تحيزاً قوياً لصالح الدرجات العلمية التي تمنحها الجامعات التقليدية، وينظرون إلى التعليم المهني والفني باعتباره خيار الطلبة أصحاب ما يمكن تسميته "المستوى الثاني" الذي لديهم طموحات وقدرات أكاديمية أقل من غيرهم.



- تتردد الغالبية العظمى من الطلاب وأولياء أمورهم قبل التسجيل في المدارس المهنية بسبب القلق من محدودية الابتكار، وانخفاض الدخل والتحيز الاجتماعي ضد التعليم المهني. هذه العقليات بحاجة للتغير فوراً إذا أرادت أي بلد التقدم باقتصادها إلى الأمام.

 

- في السنوات الأخيرة بدأت بعض من الحكومات وواضعي السياسات وأصحاب العمل الالتفات بشكل أكبر إلى التعليم المهني بسبب فوائده التي لا يمكن إنكارها، وإيمانهم بأنه هو الحل الأمثل لهذا التناقض: الكثير من فرص العمل الشاغرة والكثير من العاطلين عن العمل.
 

بين الأكاديمي والمهني
 

- التعليم الأكاديمي جيد، لكنه ليس الخيار الوحيد للطلاب. فالأعداد الكبيرة التي تلتحق بالجامعات كل عام لا تضمن بالضرورة مخرجات عالية الكفاءة للاقتصاد. في التعليم التقليدي يتطلب الأمر من 4 إلى 5 سنوات لاستكمال برنامج البكالوريوس في تخصصات معظمها مبني على المعرفة النظرية.

 

- في المقابل، غالباً ما يستغرق الأمر عامين تقريباً قبل أن يتمكن الطلاب الذين اختاروا الالتحاق بالمدارس المهنية من اكتساب المعارف الأساسية والمهارات العملية اللازمة لوظائفهم.

 

- أغلب الوظائف المكتبية وخاصة تلك الموجودة في المؤسسات الكبيرة تتطلب درجة البكالوريوس على الرغم من أن خريجي المدارس المهنية يمكنهم القيام بتلك المهمة بشكل أفضل. هذا الوضع لا يفسره سوى انحياز المجتمع إلى ذوي الياقات البيضاء على حساب أصحاب الياقات الزرقاء، وهذا من الصعب أن يتغير على الفور.

 

- هناك بُعد آخر، وهو أن التعليم المهني لديه ميزة الارتباط بسوق العمل، حيث غالباً ما تضمن الكثير من المدارس المهنية فرص عمل لطلابها تناسب مهاراتهم بعد التخرج مباشرة دون الحاجة لتدريب إضافي.



- التعليم المهني لا يقتصر على التدريب على استخدام آلة أو تقنية معينة كما يساء الفهم من قبل الكثير من الناس، ولكن يتم خلاله أيضاً تطوير خبرة الطلاب في التقنيات المتعلقة بالتكنولوجيا والمهارات التقنية العملية، وهو ما يعطيهم القدرة على تطوير تلك التقنيات وليس مجرد استخدامها.

 

- الكثير من أصحاب العمل ينفقون الكثير كل عام على تدريب العمال الجدد، وهذا إلى جانب التكاليف غير القليلة للموارد المهدرة وانخفاض الإنتاجية. الحل الأساسي لهذا الوضع هو التعليم المهني.

 

- يغطي التعليم المهني الكثير من المهن والصناعات، وربما مجالاته الأكثر شعبية هي التكنولوجيا والنقل والبناء والتصنيع والرعاية الصحية وتجارة التجزئة والفندقة.

 

- الأعداد الهائلة التي تتخرج من الجامعات كل عام لا يمكنها بأي حال سد الفجوة الموجودة في المهن التي تحتاجها هذه القطاعات. فالصين والهند اليوم هما صاحبتا أكبر عدد من الخريجين في العالم كل عام، ورغم ذلك لا تزال معدلات البطالة لديهما مرتفعة، ولا سيما بين الشباب.

 

- في العقود الأخيرة، انتقل جزء كبير من القوى العاملة في الكثير من البلدان من القطاع الزراعي ناحية الصناعات الأعلى دخلاً مثل البناء والصناعة التحويلية والرعاية الصحية وغيرها، ولكن هؤلاء لا يمكن أن ترتفع أجورهم إذا لم يتلقوا تعليماً مهنياً يُثقل من مهاراتهم.
 

كيف تنظر هذه الدول إلى التعليم المهني؟
 

- الاقتصاد العالمي بشكل عام واقتصاد أي بلد بشكل خاص لا يمكن أن يحقق التنمية المستدامة دون امتلاك قوة عاملة مؤهلة وماهرة.

 

- القوة الدافعة للمجد الصناعي الألماني هي عبارة عن جيش من الموظفين والعمال الذين تم تدريبهم مهنياً خلال نظام مزدوج للتعليم والتدريب المهني يعتبر ركيزة أساسية لسمعة ألمانيا على الساحة العالمية كقوة صناعية رئيسية.

 

- من خلال هذا النظام التعليمي المتفرد يضمن الألمان من ناحية وجود الموظفين المؤهلين الذين تحتاجهم الشركات الألمانية والبلدان الشريكة في مرافق الإنتاج، ومن ناحية أخرى توفير الفنيين الخبراء القادرين على إصلاح الآلات والمنتجات المتقدمة التي تبيعها برلين إلى كل مكان في العالم.

 

- وفقاً لتقرير نشرته مؤسسة التأهيل المهني البريطانية "سيتي آند جيلدز" تلقى 80% من القوى العاملة في ألمانيا تدريباً مهنياً رسمياً، ولذلك ليس من المستغرب امتلاك ألمانيا لثاني أدنى معدل بطالة في أوروبا في أغسطس/آب (3.6%) خلف جمهورية التشيك (2.9%).

 

- غير ألمانيا، أدركت العديد من البلدان أهمية تحسين ودعم التعليم المهني واتخذت خطوات فعالة في هذا الاتجاه. فعلى سبيل المثال قامت إندونيسيا – التي تتمتع بواحد من أسرع معدلات النمو الاقتصادي في العالم – باتخاذ التدابير اللازمة لتوحيد نظام التعليم المهني على المستوى الوطني.

 

- تتعاون وزارة القوى العاملة والهجرة الإندونيسية مع الجهات الفاعلة في القطاع الخاص لتحديد المهارات الأساسية التي يحتاجها أصحاب العمل، وعلى هذا الأساس يتم وضع البرنامج التدريبي الخاص بكل صناعة.



في الختام، ربما تنبغي الإشارة إلى النقطة التالية: التعليم المهني ليس حلاً سحرياً لجميع العلل الاقتصادية، ولكن دعمه وتطويره يمكن أن يحقق فوائد واضحة، تمكن الدولة على سبيل المثال من سد فجوة المهارات وتزويد أرباب العمل في القطاع الخاص بالعمالة الماهرة والحد من البطالة ورفع الإنتاجية الوطنية فضلاً عن القدرة التنافسية.

 

- على الرغم من أن كل هذه المكاسب هي اقتصادية بطبيعتها إلا أن لها آثاراً مضاعفة إيجابية على المجتمعات، مثل إبقاء الطلاب في المدارس والمساعدة في تخفيف وطأة الفقر.

 

- أخيراً، تطوير التعليم المهني قد يتطلب جهودًا حكومية ومجتمعية كبيرة، ولكن بالنظر إلى الثمرة، الأمر يستحق بكل تأكيد.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.