لنفترض أن تكلفة تنظيف أحد الشوارع السكنية ورفع القمامة منه، هي عبارة عن مبلغ ثابت غير قابل للتقسيم، ولكن بعض أصحاب المنازل القاطنين في ذلك الشارع يرفضون الدفع، متوقعين أن يقوم المالكون الآخرون بدفع تكلفة الخدمة التي تعتبر غير قابلة للتقسيم في طبيعتها، بمعنى أن الشارع إما أن يتم تنظيفه أو لا.
هذا المثال يجسد ظاهرة اقتصادية تسمى "مشكلة الراكب بالمجان"، وهو الشخص الذي يستفيد من موارد أو خدمات – لا يمكن واقعياً استثناؤه منها – دون أن يشارك في تحمل تكلفتها، أو يستهلك أكثر من نصيبه العادل من الخدمات والموارد العامة، مثل مياه الشرب.
على حساب الجميع
- غالباً ما ترتبط هذه المشكلة بالخدمات العامة، حيث إن الراكب بالمجان في هذه الحالة، هو الشخص الذي لا يدفع التزاماته الضريبية، رغم استفادته من الطرق ومحطات معالجة المياه وشبكات الكهرباء والتعليم، وغيرها من الخدمات المجانية التي توفرها الحكومة باستخدام الضرائب.
- الاستغلال المفرط للخدمات العامة من قبل هؤلاء الأشخاص، خاصة إذا كان لديهم القدرة على الدفع، يؤثر في نهاية المطاف على جودة الخدمات، والأخطر من ذلك، هو أن سلوك هؤلاء يدفع أحياناً جزءاً من المواطنيين الملتزمين للإحجام عن الدفع، بعدما رأوا أن غيرهم يستفيدون دون مقابل.
- في الوقت الذي يحرم التهرب الضريبي الحكومة من إيرادات كان من الممكن أن يتم استخدامها في تمويل الخدمات العامة، مثل مشاريع البنية التحتية، والمحافظة على البيئة وزيادة الإنفاق على التعليم وخدمات الرعاية الصحية.
- لا تقتصر "مشكلة الراكب بالمجان" على الأفراد، بل تمتد لتشمل أي كيان أو جهة تتهرب من التزاماتها.
- خلصت دراسة نشرها الباحثان "فينياس باكساندال" و"دان سميث" في أبريل/نيسان 2013 إلى أن الحكومة الأمريكية خسرت حوالي 150 مليار دولار من حصيلتها الضريبية في عام 2012 بسبب الملاذات الضريبية.
- معنى ذلك أن جميع دافعي الضرائب الأمريكيين سيدفعون مبلغاً إضافياً قدره 1026 دولارا من أجل سد الفجوة الموجودة في الحصيلة الضريبية للحكومة في عام 2012. هؤلاء الذين تجنبوا دفع الضرائب باستخدام الملاذات الآمنة، يعتبرون "ركابا بالمجان"، على الرغم من أن أوضاعهم سليمة من الناحية القانونية.
كيفية تجنب المشكة في مساحات العمل
- هناك دائماً عضو في فريق العمل لا يقوم بدوره "مرتكنا" على أن باقي أعضاء الفريق سينجزون المهمة أياً كانت، ببساطة "راكب بالمجان".
- الأستاذ في جامعة "وارتون" ومؤلف كتاب "أوريجينالز" آدم جرانت، يشير إلى مجموعة من العوامل التي قد تساعد المديرين على دفع موظفيهم إلى المساهمة بنصيبهم العادل، ومواجهة مشكلة "الركوب مجاناً".
- أعطهم مهمة مؤثرة وذات معنى: غالباً ما يتراجع الناس عن أداء واجباتهم حين يشعرون بأن المهمة الموكلة إليهم غير مهمة ولا تشكل فارقا كبيرا. ولكن عندما يدركون أهمية جهودهم، فإنهم يميلون إلى العمل بجدية أكبر وبشكل أكثر ذكاءً.
- بين لهم ما يفعله أقرانهم: أحياناً قد لا يدرك البعض أن ما يفعلونه دون المستوى، لذلك قد يكون من المفيد أن توضح لهم ما يقوم به زملاؤهم.
- تقليص حجم مجموعة العمل: في مجموعات العمل الكبيرة غالباً ما يميل البعض إلى الاعتقاد بعدم أهمية جهودهم كأفراد.
- لا يغب أحد عن ناظريك: عندما يكون من المستحيل أن ترى من يفعل شيئا بعينه، يمكن للكثيرين الاختباء وسط الحشد.
- أسس لعلاقة أقوى: الكثير من الناس لا يهمهم كثيراً خذلان الغرباء أو أشخاص يعرفونهم بالكاد، ولكنهم يشعرون بالذنب إذا خذلوا أصدقاءهم أو تركوهم وسط موقف ما، لذلك يجب عليك توطيد علاقتك مع من تعمل معهم.
الراكبون بالمجان في سوق النفط
- الحفاظ على استقرار سوق النفط العالمي مسؤولية عالمية مشتركة، يجب أن يتحملها جميع منتجي الخام، غير أن الواقع يشير إلى أن "أوبك" وعددا من شركائها هم من يدفعون وحدهم تكلفة الحرص على استقرار السوق من مستويات إنتاجهم وحصصهم السوقية، في حين يجني آخرون فوائد هذا السعي.
- بعد أن قررت منظمة "أوبك" وعدد من منتجي النفط من خارجها في نهاية عام 2016، خفض مستويات إنتاجهم من الخام بنحو 1.8 مليون برميل/يومياً اعتبارا من أول يناير/كانون الثاني 2017، ارتفعت معنويات السوق، وبدا الجميع متفائلاً بمستقبل الأسعار.
- منذ عام 2014 ولمدة عامين تعرضت صناعة النفط في الولايات المتحدة لضغوط شديدة ولحقت بها أضرار بالغة، مع انهيار أسعار الخام، قبل أن ينقذها قرار "أوبك" بخفض مستويات الإنتاج، لترتفع الأسعار مجدداً إلى مستويات معقولة.
- في الفترة التي تلت القرار، استمر الإنتاج الأمريكي في التوسع، وأصبح خبر ارتفاع عدد منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة مألوفاً بشكل أسبوعي، وربما دفع هذا عددا من مسؤولي "أوبك" إلى محاولة كبح جماح حماس المنتجين الأمريكيين، وتذكيرهم بأن المنظمة لن تدعم "الراكبين بالمجان" إلى الأبد.
- في السابع من مارس/آذار الماضي، قال وزير الطاقة السعودي "خالد الفالح" في كلمته أمام مؤتمر أسبوع سيرا للطاقة في هيوستن بولاية تكساس الأمريكية "خلال الفترات الصعبة التي مرت بها صناعة النفط في الماضي، جنى منتجو الخام من خارج "أوبك" ببساطة فوائد خفض المنظمة لإنتاجها".
- تابع "الفالح" قائلاً: "لكن أوبك حسمت الآن قرارها، ولا تنوي أن تتحمل عبء الراكبين بالمجان. لا يمكننا أن نفعل ما فعلناه في الثمانينيات والتسعينيات، حين قمنا بخفض إنتاجنا من الخام بملايين البراميل، استجابة لظروف السوق. لذلك لا يجب أن يعتقد البعض أن "أوبك" ستؤمن استثمارات الآخرين من خلال دعم السوق بشكل دائم".
لكن يبقى السؤال : كيف لا يستفيد الراكبون بالمجان مجددا مع إمكانية تمديد اتفاق خفض الإنتاج لما بعد مارس/آذار القادم، والكلام عن جميع من هم خارج "أوبك" وبالطبع أمريكا على رأسهم؟
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}