نبض أرقام
00:42
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

"يونايتد فروتس" .. شركة كادت أن تتسبب في حرب نووية من أجل مصالحها التجارية

2017/12/02 أرقام - خاص

في وقت مبكر من صباح الإثنين الموافق الثالث من فبراير/شباط 1975، ألقى رجل بنفسه من نافذة مكتبه بالطابق الرابع والأربعين في إحدى ناطحات السحاب في مانهاتن بمدينة نيويورك، بعد أن كسر زجاج النافذة بحقيبته التي سبقته إلى الأرض، ليسقط جثة هامدة، حيث تناثرت أوراق تلك الحقيبة حوله في مشهد هوليوودي له قصة يجب أن تروى.



 

لحسن الحظ لم يُصب أي شخص من المارة، حيث سقطت جثته بعيداً عن الطريق بالقرب من مكتب خدمة البريد، الذي قام العاملون فيه بتنظيف الفوضى التي حدثت لكي تستمر حركة الطريق، قبل أن تأتي الشرطة وتتعرف على هويته: لقد كان "إيلي بلاك" الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد فروتس"، إحدى أشهر الشركات الأمريكية وأقواها نفوذاً خلال القرن العشرين.
 

السياسة وعلاقاتها المشبوهة
 

- هيمنت "يونايتد فروتس" وبسطت سيطرتها على السياسة والاقتصاد في أمريكا الوسطى، ونشرت روح الرأسمالية الليبرالية. ولكن فضلاً عن سيطرتها على موارد هذه المنطقة من العالم، مارست الشركة نفوذاً هائلاً على الدول الصغيرة، التي كانت تُحكم في كثير من الأحيان من قبل ديكتاتوريات فاسدة.

 

- اتضح لاحقاً أن "بلاك" قام برشوة رئيس هندوراس "أوسفالدو لوبيز أريلانو" بمبلغ قدره 1.25 مليون دولار، لتشجيعه على انسحاب بلاده من تكتل لتجارة الموز، كان يهدد مصالح "يونايتد فروتس"، قبل أن يعده بـ1.25 مليون دولار أخرى في حال وافق على تخفيض نوع معين من الضرائب.



 

- كانت هذه القصة على وشك الظهور في الصحافة الأمريكية، وفي نفس الوقت كانت مزارع الفاكهة التابعة للشركة في أمريكا اللاتينية تعاني من أضرار الأعاصير وأمراض الموز الجديدة. وفي مواجهة العار والفشل، أنهى "بلاك" حياته.

- كانت وفاته صادمة للجميع، لعدة أسباب من بينها أنه كان يتمتع بسمعة رجل أخلاقي من الطراز الأول. ولذلك شعرت وول ستريت بالإحباط، وانهار سهم الشركة، ووضعت الهيئات التنظيمية يدها على كافة بياناتها المالية، واختفت الشركة من على الساحة، ولكن هذا لم يكن كافياً لمحو تاريخها من تلافيف العقل الجمعي.

 

- "يونايتد فروتس" لم تعد موجودة، ولكن آثارها على الساحة العالمية لا تزال مستمرة إلى اليوم. ففي أواخر خمسينيات القرن الماضي، كانت رمزاً للإمبريالية الأمريكية في كوبا، في أوج صعود "فيدل كاسترو" وأثناء الثورة الكوبية.

 

- أدت مشاركتها في غزو خليج الخنازير عام 1961 في محاولة فاشلة من جانب قوات من الكوبيين المنفيين دربتها المخابرات الأمريكية لغزو جنوب كوبا وقلب النظام على "كاسترو" إلى أزمة الصواريخ الكوبية، التي وقف خلالها العالم على شفا حرب نووية. وقليلون هم من كان باستطاعتهم تصور أن لهذه الأزمة علاقة بالموز.



 

قدمت "يونايتد فروتس" جزءًا من أسطولها التجاري إلى الكوبيين المنفيين في الولايات المتحدة، ليقوم "كاسترو" بعد فشل الخطة بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى (MRBMs وIRBMs) في كوبا، والتي تعطي الإمكانية لضرب معظم الأراضي الأمريكية.
 

مصالحها وسطوتها فوق كل شيء
 

- بدأت "يونايتد فروتس" أنشطتها في سبعينيات القرن التاسع عشر، حينما قام رجل أعمال أمريكي شاب يدعى "مينور كوبر كيث" بالبدء في زراعة الموز كنشاط تجاري جانبي إلى جوار نشاطه الأساسي، وهو تشييد خطوط السكك الحديدية، وذلك أثناء بنائه خط سكة حديد في كوستاريكا.

 

- في العام 1890، تزوج "كيث" من ابنة أحد الرؤساء السابقين لكوستاريكا، وامتلك مساحات واسعة من الأراضي منحتها له الدولة، استخدمها لزراعة الموز، الذي بدأ في شحنه إلى أورليانز وبوسطن، حيث كان يتجاوز الطلب العرض.

 

- تحالف "كيث" مع مستورد من بوسطن يدعى "أندرو بريستون"، وفي عام 1899 شكل الاثنان شركة "يونايتد فروتس"، وبحلول العشرينيات توسعت إمبراطورية "يونايتد فروتس" في أمريكا الوسطى لتشمل جاميكا وكوبا والدومينيكان. وفي أمريكا الجنوبية، امتلكت الشركة جزءًا غير ضئيل من أراضي كولومبيا والإكوادور.



 

- نجحت الشركة في السيطرة على الأسواق الأوروبية إلى جانب السوق الأمريكي، وذلك بفضل أسطولها المكون من 100 سفينة تبريد، الذي اعتبر في وقت من الأوقات، أكبر أسطول بحري خاص في العالم.

 

- على مدار تاريخها، اكتسبت "يونايتد فروتس" سمعة بأنها لا ترحم وتتجاوز كل الخطوط الحمراء حين يحاول أي كيان تجاوزها أو تحدي مصالحها، وشاركت بالفعل في إبعاد حكومات لم تتمثل لرغباتها.

 

- في عام 1941، عينت الشركة "إدوارد بيرنيز" ابن شقيق الطبيب النمساوي الشهير "سيجموند فرويد" مستشاراً لها. وكان "بيرنيز" يُعرف بـ"أب العلاقات العامة" بعد أن نشر كتابه "بروباجندا"، الذي قال فيه، إن واجب الأقلية الذكية في المجتمع هو التلاعب بالعقل الجماعي للأغلبية التي لا تُفكر.

 

- في عام 1954، بدأ دور "بيرنيز" في الظهور بشكل واضح، مع سعي "يونايتد فروتس" للتخلص من الحكومة الجواتيمالية المنتخبة ديمقراطياً، التي قامت بسحب مساحات واسعة من الأراضي التي تسيطر عليها الشركة الأمريكية دون استخدامها، لتعطيها لصغار المزارعين.

 

- اتصل "بيرنيز" بجميع الجهات الصحفية التي اعتقد أن لديها الاستعداد لتبني وجهة نظر الشركة، وتم إرسال الصحفيين في بعثات "تقصي حقائق" إلى أمريكا الوسطى، ولا سيما جواتيمالا، وقاموا بفبركة قصص صحفية حول حوادث إطلاق نار وتفجيرات، لتصبح جواتيمالا على صفحات الجرائد الأمريكية مكاناً يحتله "الإرهاب الشيوعي".

 

- في عام 1928، قام 32 ألف عامل في مزارع الموز التابعة لـ"يونايتد فروتس" بالإضراب عن العمل، مطالبين بتوفير مراحيض في المزراع. وعلى الرغم من أن الطلب يبدو بسيطاً بالنسبة لقدرة الشركة، إلا أن "يونايتد فروتس" كانت تكره كل من يتحداها أياً كان.



 

- استدعت الشركة الجيش الكولومبي الذي قام بمذبحة راح ضحيتهاً ألفاً من العمال غير المسلحين وضرب وأهان أسرهم، وخلد "جابرييل جارسيا ماركيز" هذه الحادثة في روايته الشهيرة "100 عام من العزلة".
 

أفول نجمها
 

- تراجعت سيطرة ونفوذ "يونايتد فروتس" بحلول الستينيات، قبل أن يرأسها "بلاك" في عام 1970، متخيلاً أن بإمكانه استعادة مجدها مرة أخرى، بيد أن أوائل السبعينيات كانت فترة مروعة للشركات متعددة الجنسيات، التي ساءت صورتها المجتمعية لأسباب كثيرة.

 

- أصبح وضع "يونايتد فروتس" حرجاً كشركة متعددة الجنسيات، بعد أزمة حظر النفط في عام 1973 التي حققت خلالها شركات النفط أرباحاً هائلة، وأيضاً بسبب الدمار التضخمي الذي لحق بالبلدان الغنية والفقيرة على حد سواء نتيجة لأنشطة "يونايتد فروتس" وشركات شبيهة بها.



 

- بعد 5 سنوات من توليه منصبه، انتحر "بلاك"، وعُلق التداول على سهم "يونايتد فروتس"، وتمت الإطاحة بالرئيس الهندوراسي المرتشي في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان 1975 خلال انقلاب عسكري.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة