نبض أرقام
00:58
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

تأثير التملك! ... ما الذي قد يجعل المستثمر يعتقد بأن سهم "آبل" أغلى من سهم "آبل"؟

2019/07/18 أرقام - خاص

متى كانت آخر مرة قمت فيها ببيع شيء ما تملكه؟ هل كان السعر الذي طلبته هو ذاته السعر الذي أنت شخصيًا على استعداد لدفعه لشراء شيء مماثل؟  على الأرجح لا.
 

في الحقيقة يرجع ذلك إلى ظاهرة شهيرة في الاقتصاد السلوكي صاغها الحائز حديثا على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية "ريتشارد ثالر" تسمى "تأثير التملك"، والتي تشير إلى أن البشر غالبًا ما يبالغون في تقديرهم لقيمة الأشياء بمجرد امتلاكها.



 

ويتناقض "تأثير التملك" مع الفكرة الاقتصادية الكلاسيكية التي تشير إلى أن الناس دائمًا ما يتصرفون بشكل رشيد وعلى نحو عقلاني داخل النظام الاقتصادي. ولذلك أصبحت هذه الظاهرة مثار جدل لسنوات، حيث إن الفكرة القائلة بأن سلوكًا إنسانيًا غير منطقي يمكنه أن يؤثر على الأسواق مثّلت تحديًا للاقتصاديين الكلاسيكيين.
 

"تأثير التملك" يعتبر واحدا من بين عشرات الأدلة التي ساقها الاقتصاديون السلوكيون لإثبات أن السلوك البشري ينحرف في كثير من الأحيان عن النظرية الاقتصادية القياسية، وأن قراراتنا وسلوكياتنا كبشر ليست دائمًا عقلانية، وتتأثر في أحيان كثيرة بمشاعرنا وعواطفنا.
 

لعبة قدح القهوة
 

- قال "آدم سميث" ذات مرة "لم يشاهد أحد قط كلبًا يقوم بعملية تبادل نزيهة وواعية لعظمة مع كلب آخر". ولكننا كبشر من المفترض أن نكون عقلانيين، ولا ينبغي أن نقدر الأشياء التي نمتلكها بأكثر مما تستحق، فقط لأنها ملكنا. لكن هل هذا هو الوضع؟

 

- في عام 1990، تعاون "ثالر" مع "دانيال كانمان" و"جاك إل كنيتسش" في تجربة تم خلالها اختيار عدد من الطلاب بشكل عشوائي، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين. أعطي كل فرد بالمجموعة الأولى قدحا للقهوة وطلب منهم بيعه للمجموعة الثانية التي طلب منها شراء القدح بالسعر الذي يرونه مناسبًا.



- أظهرت النتائج أن المجموعة الأولى التي تمتلك القدح لا ترغب في البيع بأقل من 7.12 دولار، في حين قال أعضاء المجموعة الثانية إنهم ليس لديهم استعداد لدفع أكثر من 2.87 دولار.

 

- "تأثير التملك" له آثار كارثية على الحياة المهنية والعلاقات الاجتماعية والوضع المالي للكثير منا. فنحن غالبًا ما نترك أنفسنا عالقين في استثمارات سيئة وعلاقات ضارة ووظائف غير جيدة لفترات أطول من تلك التي قد يقضيها بهذا الوضع أي شخص ذكي. وذلك لأن الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا تجعلنا نتجنب خسارة أي شيء نملكه.
 

على أي أساس؟
 

- نفس العقلية يمكنها أن تنطبق على طريقة إدارتنا لمحافظنا الاستثمارية. فنحن بشكل لاشعوري نرى أن الأسهم والسندات والتي نحتفظ بها تستحق أكثر من قيمتها في السوق. فبعد أن نقضي ساعات نبحث ونحلل الأسهم لاختيار ما سندرجه بمحافظنا، نميل إلى إقناع أنفسنا (بحق أو خطأ) أن تلك الأسهم قيمتها أعلى من السعر السائد في السوق وأننا نرى ما لا يراه أي شخص آخر.

 

- إذا كان لدي 50 سهما من أسهم "آبل" في محفظتي الاستثمارية، سأشعر بأن أسهمي الـ50 تساوي أكثر قيمة من أسهم "آبل" التي يملكها أي شخص آخر. بحسب "ثالر" هذا يحدث لأننا استثمرنا عاطفياً وماليًا في هذه الأسهم، وهذا ما يجعلنا أقل استعدادًا للتخلي عنها، وخصوصًا في الوقت الذي نحتاج فيه للتخلص منها. فنحن نرى أننا استثمرنا الكثير من الوقت لاختيار تلك الأسهم، ولذلك لا يمكن أن نكون مخطئين.

 

- أغلب المتعاملين بأسواق المال يميلون في كثير من الأحيان إلى المبالغة في تقديراتهم لقيمة الأسهم التي يمتلكونها. فإذا كان سعر السهم في السوق حاليًا يساوي مثلًا 10 ريالات، فهم يعتقدون أنه يساوي أكثر من ذلك حتى قبل أن يقوموا بأي نوع من التحليل. للأسف هذا التحيز يضر بالكثير من المستثمرين ويضيع عليهم فرصًا استثمارية.
 

ما يغفل عنه الكثيرون
 

- الكثيرون لا يأخذون في اعتبارهم وهم يصرون على الاحتفاظ بما يمتلكونه نقطة في غاية الأهمية، وهي: تكلفة الفرصة التي يخسرونها نتيجة إحجامهم عن بيع عما يمتلكونه.

 

- على سبيل المثال: أنت تمتلك منزلًا تعتقد أنه يساوي 150 ألف ريال، ولكن جميع المنازل المشابهة له تباع في السوق مقابل 100 ألف ريال فقط، ولذلك تقرر الاحتفاظ به إلى أن يرتفع سعره إلى 150 ألف ريال.

 

- أولًا، هذا قد لا يحدث أبدًا، بل على العكس قد يذهب السعر في الاتجاه المعاكس، ولكن إذا افترضنا أن السعر مع انتعاش الاقتصاد وصل بعد سنوات إلى 150 ألف ريال. فعلى عكس ما قد تعتقده أنت غالبًا خسرت ولم تربح.

 

- لنفترض أنك تمكنت من بيع هذا المنزل بعد 5 سنوات مقابل 150 ألف ريال، للوهلة الأولى يبدو لك الأمر وكأنك كنت محقًا حين قررت الاحتفاظ بذلك المنزل طوال هذه السنوات، لأنك جنيت ربحًا قدره 50 ألف ريال.



- لكن ماذا لو بعت ذلك المنزل من البداية مقابل 100 ألف ريال وسددت بهذا المبلغ جزءا من ديونك لدى البنك التي تدفع عليها فائدة كبيرة؟ هذه الـ100 ألف كانت ستساوي 300 ألف ريال اليوم.

 

- مثال آخر: أحد المستثمرين يقوم بشراء سهم مقابل 50 ريالا، متوقعًا أن سعره إلى 100 ريال، ولكن السهم يستقر عند 88 ريالا. في سيناريو مثل هذا، الكثير من المستثمرين لن يفكروا في بيع السهم إلى أن يصل إلى قيمته المتوقعة بالكامل.

 

- الخوف من فقدان القيمة المتوقعة للسهم يخدع المستثمرين ويدفعهم إلى استثمار جزء كبير من رؤوس أموالهم فيما يسمى "رأس المال الميت" على الرغم من أنه قد يكون من الأفضل لهم بيعه والبحث عن فرص استثمارية جديدة.
 

لماذا يتصرف الهنود على هذا النحو؟
 

- أظهرت بيانات دراسة صادرة في عام 2016، تناولت سلوك المشاركين في أنشطة الاكتتاب في السوق الهندي خلال الفترة ما بين عامي 2007 و2012 تأثير هذه الظاهرة على المتعاملين بسوق الأسهم.

 

- في السوق الهندي، عندما تتجاوز نسبة تغطية الاكتتاب 100% تقوم الجهات المصدرة بتخصيص الأسهم باستخدام نظام اليانصيب. ويحصل الفائزون في هذا اليانصيب على عدد ثابت من الأسهم المكتتب عليها، بينما لا يمكن للخاسرين الحصول على السهم إلا بعد أن يطرح للتداول عبر السوق الثانوية.



- تتبع الباحثون سلوك ما مجموعه 1.5 مليون من الفائزين والخاسرين باليانصيب في 54 عملية اكتتاب من أجل اختبار تأثير التملك. من الناحية النظرية، يجب أن يكون لدى المجموعتين رغبة متساوية في امتلاك الأسهم، لأنهما شاركتا في الاكتتاب على أساس واحد، ولكن النتائج التي توصل إليها الباحثون أظهرت سلوكا مختلفا.

 

- أظهرت البيانات، أنه بعد أول شهر من بدء تداول الأسهم، كان 62.4% من الفائزين باليانصيب لا يزالون يحتفظون بالأسهم، في حين أن 1% من الخاسرين هم فقط من قاموا بشراء تلك الأسهم. حتى بعد مرور عامين، كان 36% من الفائزين لا يزالون يحتفظون بحيازاتهم من تلك الأسهم، في حين أن 1.7% من الخاسرين هم من اشتروها.

 

- خلصت الدراسة إلى أن المستثمرين ليسوا دائمًا عقلانيين، حيث إن الفائزين في الاكتتاب العام كانوا أكثر استعدادًا للاحتفاظ بأسهمهم بغض النظر عن أرباحهم وخسائرهم، في حين فضل الخاسرون عدم شراء هذه الأسهم، على الرغم من أنهم كانوا يريدون في البداية الحصول عليها حين شاركوا في الاكتتاب العام.
 

هل يوجد حل؟
 

- يقترح "مارك رييب" نائب رئيس مركز "شواب" للأبحاث المالية على المستثمرين طريقة لتجنب تأثير التملك من خلال سؤال أنفسهم 3 أسئلة عند محاولتهم تقييم استثماراتهم الحالية.

 

- الأول: هل أنا على استعداد لشرائه بسعره الحالي؟ انظر إلى كل استثمار في محفظتك المالية واسأل نفسك إذا كنت على استعداد لشرائه بسعره الحالي. إذا كان الجواب "لا" فربما يجب عليك أن تفكر في بيعه.

 

- الثاني: لماذا اشتريته من الأساس؟ ذكّر نفسك بالأسباب التي اشتريت من أجلها هذا السهم من البداية، فإذا لم تعد هذه الأسباب موجودة، فكر جديًا في البيع. مثال: أنت اشتريت سهم الشركة (س) على أساس أن لديها خططا للتوسع خارجياً، غير أنها في نهاية المطاف تمسكت بإستراتيجيتها المحلية.


 

- الثالث: هل هناك خيارات أفضل؟ قم بتعيين ثلاث أفكار مقنعة لاستثمارات جديدة، وقارنها مع حيازاتك الحالية، فإذا بدت لك الأخيرة ضعيفة أو أقل جودة مقارنة مع الأولى، ربما يجب عليك التفكير في إعادة توجيه أموالك نحو استثمارات جديدة.

 

- خلاصة القول: لا تقع في حب ما تمتلكه فقط لأنك تمتلكه، وامتلك الجرأة للتخلص من الحيازات التي لم تعد مناسبة لإستراتيجية الاستثمار الخاصة بك، حتى لو كنت تملكها منذ سنوات.

 

البعد التجاري للظاهرة
 

- في أبريل/نيسان2017 ، أصيب "ديفيد داو" وهو طبيب فيتنامي أمريكي يبلغ من العمر 69 عامًا بجراح عندما قامت شرطة شيكاغو بإبعاده بالقوة عن مقعده على إحدى طائرات شركة "يونايتد إيرلاينز" وجره على أرضية الممر وأجبرته على النزول من الطائرة بعد أن زاد عدد الركاب عن العدد المسموح.

 

- انتشر مقطع مصور لهذه الحادثة كالفيروس على شبكات التواصل الاجتماعي واندلعت عاصفة من الاحتجاجات ضد الشركة الأمريكية تسببت في خسارتها لحوالي مليار دولار.



 

- ما لا يدركه كثيرون، هو أن ما حدث كان إلى حد كبير بسبب سيطرة "تأثير التملك" على جميع ركاب الطائرة ومنهم الراكب المسحول، لأنهم بمجرد أن ركبوا الطائرة وجلسوا على مقاعدهم، تعلقوا بها نفسيًا وشعروا وكأنهم يمتلكونها.

 

- نتيجة لذلك، كان من الصعب إقناع الراكب بالتخلي عن شيء يمتلكه بالفعل، وقد لا يوافق الكثيرون في نفس الموقف على التخلي عن مقاعدهم إلا بعد الحصول على تعويض مالي كبير.

 

- تستخدم "آبل" تأثير التملك كجزء من إستراتيجيتها التسويقية في متاجرها. واحدة من أشهر الطرق التي تستخدمها لجذب الزوار هي السماح لهم بتجربة المنتجات لفترة غير محدودة من الوقت، وتطلب من الموظفين في متاجرها عدم الضغط على أي زائر للمغادرة، وذلك لأنها ترغب في أن تُشعر المشتري المحتمل وكأنه يمتلك هذا المنتج.

 

- متاجر"آبل" هي منافذ البيع بالتجزئة الأكثر ربحية في العالم، ويبلغ متوسط ربحية كل قدم مربع من أي من متاجرها 5600 دولار سنويًا، كما ينجح كل متجر في جذب ما متوسطه 20 ألف زائر أسبوعياً.

 

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة