نبض أرقام
08:11 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

في تجارب الإصلاح الاقتصادي.. ما الذي نجحت فيه أنجولا وأخفقت فيه الصين والهند؟

2018/01/12 أرقام - خاص

معاناة في خلق فرص عمل جديدة، معدلات تضخم مرتفعة، تراجع في فرص الاستثمار، اختلال في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، دين حكومي كبير يتنامى، معدلات نمو اقتصادي متراجعة.
 

كل هذه المؤشرات الاقتصادية السلبية وغيرها كثيرًا ما تظهر في اقتصاديات الدول الناشئة، مما يضطر الكثير منها لاتخاذ قرار عاجل غير آجل بإقرار ما يسمى بـ"الإصلاح الاقتصادي".



 

الإصلاح الاقتصادي يعني ببساطة أن تتراجع القبضة الحكومية على الاقتصاد، وذلك من خلال إزالة التشريعات المقيدة للاقتصاد والتي تزيد من صعوبة عمل القطاع الخاص، لا سيما في المجالات القادرة على أن تشكل عجلة دفع للاقتصاد القومي ككل.
 

ولذلك كثيرًا ما تسمى إجراءات الإصلاح الاقتصادي بـ"تحرير الاقتصاد" للدلالة على منح عوامل السوق من عرض وطلب وخلافه الدور الرئيس في تشكيل حركة الاقتصاد.
 

وبطبيعة الحال فإن تجارب الإصلاح الاقتصادي تباينت نجاحًا وإخفاقًا وفقًا للعديد من العوامل التي منحت لكل تجربة تفردها على الرغم من تشابه أسباب البرامج بل وبعض الظروف الاقتصادية، وعلى ذلك يصبح استعراض أبرز التجارب العالمية أمرا حيويا لفهم لماذا تنجح بعض التجارب وتفشل بعض التجارب الأخرى.



 

التجربة الصينية: التدرج في الإصلاح ولكن

 

في 16 نوفمبر 2013 أعلنت الصين عن خطة مدتها 5 سنوات لإصلاح الاقتصاد، ولم تكن تلك هي الخطة الأولى من هذا النوع، ولكن كان هناك خطط أخرى سبقتها منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي غير أن ما يميز هذه الخطة هي علانيتها أولًا ثم التغيير الكبير الذي أجرته على الاقتصاد الصيني.
 

ولعل أبرز الإجراءات التي قامت بها الصين هو تخفيض الضرائب بما يعني إتاحة الفرصة للأعمال بالمزيد من التوسع على حساب تقليل مصدر الإنفاق الحكومي الرئيسي، وتقليل أسعار الفائدة في البنوك لتسهيل عمليات الإقراض والاقتراض، بما يسمح بالتوسع في الاستثمار الخاص ويزيد من قدرة الشركات على توفير مصادر التمويل المطلوبة.
 

وعلى الرغم من النجاح اللافت الذي حققته إجراءات الإصلاح الاقتصادي منذ بدئها في القرن الماضي بوصول الاقتصاد إلى معدلات نمو تناهز 10% (تراوحت معدلات النمو بين 6.5-7% خلال الأعوام الأخيرة) إلا أن المظهر البراق لتجربة الإصلاح الصينية ليس كل شيء.
 

فالتوسع المبالغ فيه في عملية الإقراض أدى لأزمة حقيقية، حيث وصلت ديون الشركات إلى ما يوازي 160% من حجم الدخل القومي في الصين (وفقًا لبيانات 2016 حيث إن بيانات 2017 في هذا الشأن لم تصدر بعد).
 

 ولتبيان خطورة هذا الرقم فإنه في الولايات المتحدة لا يتجاوز الـ70% على الرغم من اعتماد واشنطن على سياسات السوق الحر قبل بكين بعقود طويلة.
 

كما أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي جعلت ما يعرف بـ"سوق التمويل الإضافي" يعاني، وهي مؤسسات غير مرخصة كانت تقوم بعمليات الإقراض للشركات.
 

 وعلى الرغم من أن الاقتصاد الموازي عادة ما يكون مرفوضًا من جانب الدولة لعدم قدرتها على الرقابة عليه، إلا أن الكثير من تلك الأموال لم تتمكن من دخول الاقتصاد الرسمي بعد مما يجعلها عائقًا دون تحقيق نسب نمو أعلى.
 

وتأتي المشكلة الأخيرة في نية الحكومة الصينية في تحرير الخدمات الرئيسية من ماء وكهرباء وغاز وغيرها، بحيث تصبح خاضعة لسيطرة الشركات الخاصة وخاضعة للعرض والطلب، ومن المقرر أن يتم ذلك بشكل تدريجي خلال الأعوام المقبلة.
 

 وعلى الرغم من أن هذا هو الوضع المطبق في دول أوروبا والولايات المتحدة إلا أن المشكلة التي ستعترض السياسة الصينية أن بكين ستحصل على 30% من عائدات تلك الشركات للمساهمة في تمويل برنامج رعاية اجتماعية من المقرر أن ينطلق عام 2020 بما يعني أن تلك الشركات ستقدم الخدمات الرئيسية للمواطنين بأسعار أعلى مما ينبغي أن تكون عليه بنسبة كبيرة مما قد يسبب بعض التعقيدات والمشاكل الاجتماعية.

 


 

التجربة الهندية: التوازن الغائب

 

بدأت الهند الإصلاح الاقتصادي بشكله الحقيقي في عام 1991 من خلال مجموعة من الخطوات التي رأت أن فيها معالجة لتراجع النمو الاقتصادي وذلك من خلال 4 إجراءات رئيسية.
 

 الأول هو إيقاف نظام التراخيص الحكومية المطلوب للبدء في المشروعات الصناعية ليكون بوسع أي شركة بدء أعمالها بشكل مباشر والثاني إطلاق حرية تبادل العملات والثالث إخضاع أسعار السلع للعرض والطلب وآليات السوق والرابع فتح باب التصدير على مصرعيه للشركات العاملة في الهند.
 

وأتى البرنامج بآثار جيدة للغاية تمثلت في تحقيق الاقتصاد الهندي معدلات نمو بلغت 13 % في بعض الأعوام، بل تمكنت الهند من أن تقود نمو الاقتصاد العالمي مع الصين في فترات التباطؤ التي مر بها.
 

وعلى الرغم من العناصر الإيجابية التي ظهرت في التجربة الهندية مثل تحول الشركات الهندية إلى الصورة العصرية في إجراء صفقات الاستحواذ والدمج، ونمو لافت لقطاعات تكنولوجيا المعلومات والدواء والصناعات الغذائية، إلا أن الإصلاح الاقتصادي كانت له آثاره السلبية أيضًا.
 

ويأتي في صدارة تلك المظاهر السلبية النمو غير المتوازي للاقتصاد، ففي الوقت الذي تحقق فيه الشركات الهندية الكبرى معدلات نمو كبيرة تدفعها للاستثمار خارج البلاد بمبالغ كبيرة.
 

إلا أن الصناعات الصغيرة لا تحقق معدلات نمو متماثلة إطلاقًا، بما يجعل الاقتصاد يبدو كرجل يرتكز على عصا طويلة وأخرى أقصر منها، ويزيد من معدل توزيع الثروة المختل بالفعل في الهند.
 

كما أن عمليات الخصخصة لا تتم وفقًا لجدول واضح معلن، بما يجعلها ترتبط بالمزاج السياسي وتتغير بتغير الأحزاب الحاكمة، بل وتشير تقارير الشفافية الدولية أحيانًا إلى افتقار بعض تلك العمليات إلى الشفافية المطلوبة بما يجعل الإقبال المحلي عليها ضعيفًا على الرغم من مركزية عملية الخصخصة في الإصلاح الاقتصادي الهندي.
 

أخيرًا يعاني برنامج الإصلاح الاقتصادي من عدم عدالة حكومية في توزيع الاستثمار في البنية التحتية، فاستثمار الحكومات الهندية المتعاقبة في الكهرباء والطرق وغيرها يتباين تباينًا شديدًا بين المناطق الهندية وبعضها البعض بما يجعل بعض المقاطعات الهندية تبدو كجزء من أوروبا وأخرى تبدو كقطعة من الدول المهمشة.



 

أنجولا: الاقتصاد "المنفجر"

 

عندما عنونت مجلة إيكونوميست البريطانية أحد أعدادها بـ"اقتصاد أنجولا المنفجر: الصين ليست في صدارة الدول النامية بل دولة إفريقية صغيرة".. لم تكن المجلة البريطانية تبالغ أو تسيء تقدير النمو في الدولة الإفريقية النفطية.
 

فأنجولا تأثرت كغيرها بأجواء الحرب الباردة وشهدت صراعات داخلية أدت لحرب أهلية امتدت 27 عامًا وانتهت عام 1989، قبل أن تجري انتخابات حرة عام 1992 وتقرر برنامجًا واسعًا للإصلاح الاقتصادي، وبدأت برامج الإصلاح الاقتصادي في تحسين حالة الاقتصاد بشكل طفيف دون أن تحقق طفرة ملموسة نتيجة لاعتماد الاقتصاد على المعونات الأجنبية بشكل رئيس.
 

وأتى عام 2003 ليشكل عامًا فارقًا في تاريخ الإصلاح الاقتصادي في أنجولا، فبمعدلات نمو تناهز 20% وتراجع كبير في معدلات التضخم (من 116% في 2002 إلى 20% في 2006) حققت أنجولا معجزة اقتصادية حقيقية بأن أصبحت الاقتصاد الأسرع نموًا ليس في إفريقيا أو العالم النامي فحسب بل في العالم أجمع.
 

وعلى الرغم من أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي عادة ما تترافق بتحرير سعر الصرف، إلا أن التجربة الأنجولية قامت على عكس ذلك حيث زاد دور البنك المركزي في سوق الصرف بعد أن زادت احتياطياته النقدية تدريجيًا.
 

 وساهم ذلك في القضاء على السوق الموازية للنقد وهي التي كانت تعمل على خلق سعرين للصرف بما يقوض قدرة الاقتصاد على النمو ويقلص من الاستثمارات الأجنبية.
 

وما يميز التجربة الأنجولية عن تجارب إصلاح اقتصادية أقدم وفي دول أكبر حقيقة أن الدولة الإفريقية الناشئة اعتمدت على تنمية كافة القطاعات بشكل متواز، فعلى الرغم من اعتماد أنجولا في إيراداتها على النفط.
 

 إلا أن إسهام القطاعات الخدمية والزراعية والصناعية في الدخل القومي ينمو بشكل متواز ومضطرد بما يجعل عائدات النمو تتوزع على المواطنين بشكل أكثر عدالة، ويزيد من فرص العمل في مختلف المجالات.
 

وفي بدايات العام الماضي قررت الحكومة الأنجولية تخفيف قبضتها عن الاقتصاد بغية السماح للمزيد من الاستثمارات الأجنبية بدخول الاقتصاد القومي والمساهمة بصورة أكبر في نمو الدخل القومي، وهو ما تحقق بالفعل حيث انتقلت مراكز العديد من الشركات العالمية العاملة في إفريقيا إلى لواندا.



 

تجارب أخرى وحصاد الإصلاحات

 

وهناك العديد من تجارب الإصلاح الاقتصادي الأخرى وأبرزها تم تناوله كثيرًا في أمريكا الجنوبية، وما يعيب تجارب الإصلاح الاقتصادي في القارة اللاتينية أنه في كثير من الأحيان ما تتأثر بالمناخ السياسي غير المستقر في تلك الدول.
 

 وآخر تلك الأمثال التأثيرات السلبية للفضائح السياسية في البرازيل على النمو في العملاق اللاتيني الذي أصبح بالفعل ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم.
 

مما سبق جميعًا يتضح أن غالبية تجارب الإصلاح الاقتصادي وصلت إلى مبتغاها بتحسين معدلات نمو الناتج القوي وإصلاح المؤشرات الاقتصادية الرئيسية الأخرى مثل التوظيف.
 

غير أن غالبيتها لم ينجح في ضمان توزيع عادل للنمو، كما أن الحكومات كثيرًا ما أتمت عمليات الخصخصة والاستثمار بشكل يفتقر إلى الشفافية والعلانية بما جعل عملية الإصلاح في بعض الحالات "سيئة السمعة"، ليبقى الإصلاح الاقتصادي شعارًا عامًا نتيجته مقترنة بحسن التنفيذ ومراعاة اختلاف كل تجربة عن الأخرى.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.