إذا كان أحد أمام خيارين: الأول أن يبقى قادرًا على التنفس بكفاءة وأن يعاني الفقر، والثاني أن يفقد القدرة على التنفس الطبيعي ويبقى غنيًا.. فأيهما سيختار.
يبدو أن هذا هو الخيار الذي يواجه الأرض حاليًا بعد أن كشفت إحدى الدراسات الصادرة عن جامعة كاليفورنيا الأمريكية أن الكوكب فقد قدرته على التجدد تمامًا.
الأولوية للاقتصاد!!
فالدراسة كشفت أنه على الرغم من جهود العديد من الدول لمكافحة التغير المناخي إلا أن استمرار التلوث أدى لتحول الأرض إلى "كوكب غير قادر على التعافي" بفعل الآليات البيئية العادية بسبب استمرار ضخ الملوثات في الغلاف الجوي.
فالأمر بمنتهى البساطة أن الدول استثمرت مئات المليارات من الدولارات لإقامة البنية التحتية المتعلقة بأنظمة الإنتاج القائمة على الوقود الأحفوري وتغيير تلك الأنظمة سيكون مكلفا للغاية.
وتشير الدراسة إلى أن غالبية دول العالم مخطئة في اعتقادها بأن مكافحة التغير المناخي سيؤثر على اقتصادها بالسلب.
وتقول الدراسة إنه يمكن للدول أن تستثمر في تغيير أنظمة إنتاجها نحو أنظمة قائمة على الوقود المتجدد، أو أن تضخ نفس الأموال في إقامة السدود لمواجهة ارتفاع منسوب المحيطات.
فما اتفقت دول العالم على تنفيذه لمكافحة الاحتباس الحراري بحلول 2015 لم يتم تنفيذ إلا 60% منه حتى الآن بسبب العقبات الاقتصادية بالأساس.
كما لم تتلق الدول النامية أيضًا إلا القليل للغاية مما اتفق عليه في اتفاقية باريس بتلقيها 100 مليار دولار لتتكيف اقتصاداتها الضعيفة مع التغييرات المطلوبة لمكافحة التغير المناخي.
وعلى الرغم من أن العديد من الدول النامية قررت تنويع مصادر توليد الطاقة بدلًا من الاعتماد على النفط والغاز والفحم إلا أنها لا تزال تواصل زيادة الانبعاثات الكربونية بحثًا عن النمو.
وعلى الرغم من أن مشكلة الاحتباس الحراري تؤثر على العالم بأثره إلا أن المتسبب في أكثر من 70% منها 10 دول فحسب.
الولايات المتحدة: لا للتنفس!!
وتأتي الولايات المتحدة في الصدارة بتسببها في 27% من الانبعاثات ثم الصين بـ17% لتكونا معا مسؤولتين عن 42% من الانبعاثات الكربونية.
ويلاحظ أن بكين بدأت سياسات جذرية من أجل مواجهة الاحتباس الحراري، فأكثر من نصف السيارات الكهربائية في العالم مثلًا تسير في شوارع الصين.
كما أن بكين لديها أكبر محطات في العالم لتنقية الهواء، وبدأت برامج واسعة من أجل زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة والنووية على حساب الوقود الأحفوري.
وعلى الجانب المقابل، يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تلقي بالًا لموضوع الاحتباس الحراري كما يبدو.
ولعل تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع تويتر عشية رأس العام تعكس ذلك.
"أعتقد أن هذا هو الشتاء الأبرد الذي يمر على المناطق الشرقية، يبدو أننا بحاجة إلى قليل من الاحتباس الحراري هنا، هذه الظاهرة التي كانت ستكلف الأمريكيين وليس غيرهم المليارات لمكافحتها".
هذا ما كتبه الرئيس الأمريكي، ولا يقتصر الأمر على ما يعتقد فقط لكنه يمتد إلى قراراته بالانسحاب من اتفاقيات التغيير المناخي وأبرزها باريس.
مئات المليارات لأوروبا الشرقية؟!
كما أن واشنطن أعلنت بوضوح أنها لن تقوم بتحويل مزيد من الأموال للدول النامية لكي تعمل على تحسين أنظمتها البيئية.
ولا تقتصر المشكلة على واشنطن، بل إن الدول الغربية أيضًا مترددة في تنفيذ الالتزامات التي يفرضها اتفاقية كيوتو لمكافحة التغير المناخي لعمل تغييرات جذرية في الصناعات القائمة في روسيا وأوروبا الشرقية.
فهناك حاجة إلى ضخ مئات المليارات من الدولارات في اقتصاديات تلك الدول للعمل على تغيير الصناعات القائمة على الفحم والنفط إلى صناعات أحدث.
ولا شك أن هناك حقيقة سياسية من شأنها أن تزيد الطين بلة في مواجهة الاحتباس الحراري وتجنب مستقبل سيئ للاقتصاد والبيئة سويًا.
وتتمثل تلك الحقيقة في صعود الاتجاه اليميني في دول أوروبا والغرب بشكل عام لرغبتهم في التصدي لظاهرة الهجرة إلى بلادهم.
ويؤدي صعود اليمين إلى وصول تلك الأحزاب التي لا تهتم تقليديًا بالبيئة والاقتصاد المستقبلي بل تهتم بتنمية ثروات الأغنياء تقليديًا.
ويؤدي ذلك إلى تجاهلهم للاستثمار في المستقبل لحساب تحقيق بعض الأهداف التنموية قصيرة المدى ليبدو أن العالم بحاجة إلى اتفاقية جديدة "قابلة للتنفيذ" لتنقذ كوكبًا نحيا عليه جميعًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}