نبض أرقام
05:14 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

خبراء ولكن هواة! .. الظاهرة الخفية التي تتحكم في سلوك المستثمرين في سوق الأسهم

2019/07/02 أرقام - خاص

هل تتذكر المائة ريال التي وجدتها منسية في سترتك الشتوية؟ كيف كانت نظرتك إليها؟ هل أعطيتها نفس الاهتمام الذي أعطيته للمائة الريال التي أخذتها كمقابل عن عملك لساعات إضافية؟ على الأرجح لا. ولكن لماذا؟ كيف تختلف 100 ريال عن 100 ريال؟ لماذا نعامل نفس المبلغ بطريقة مختلفة اعتمادًا فقط على مصدره؟
 

 

هذا التحيز غير المنطقي سببه ظاهرة شهيرة في الاقتصاد السلوكي تسمى "المحاسبة العقلية". وفي الحقيقة، سبق وأن تناولنا تأثير هذه الظاهرة على قرارات الأفراد في تقرير سابق، ولكن ما سنقوم به في هذا التقرير هو استعراض آثارها على قرارات المستثمرين في سوق الأسهم بالتحديد.
 

بعض الأمثلة من الحياة اليومية
 

- أنت أو أي شخص تعرفه، هل تقومون بوضع ميزانيات لفئات الإنفاق المختلفة؟ على سبيل المثال، قد يكون لديك ميزانية لتناول الطعام في الخارج، وميزانية للترفيه وميزانية للملابس وميزانية للإجازات، وما إلى ذلك.

 

- لا يفترض أن يتم تحويل المال الخاص بأي ميزانية إلى ميزانية أخرى. في الواقع، بعض الناس لكي يتأكدوا من ذلك، يضعون المال الخاص بكل ميزانية في مظروف مختلف، لإبقاء رصيد كل ميزانة منفصل عن الأخرى.

 

- تخيل أنك قررت شراء آلة حاسبة سعرها 25 ريالًا، ولكن بعد أن دخلت إلى المتجر قابلت صديقًا أخبرك بأن ذات الآلة تباع مقابل 10 ريالات في متجر آخر يقع على بعد 20 دقيقة بالسيارة. هل ستذهب إلى ذلك المتجر؟

 

- ماذا لو أنك بدلًا من الآلة الحاسبة كنت تنوي شراء سترة سعرها 125 ريالًا، وصديقك أخبرك بأن هناك متجرا على بعد 20 دقيقة بالسيارة يبيعها مقابل 110 ريالات؟
 


- في الحالتين المطلوب منك هو القيادة لمدة 20 دقيقة من أجل توفير 15 ريالا، ورغم ذلك، الأغلبية ستقود الـ20 دقيقة بالسيارة لتوفير الـ15 ريالا الخاصة بالآلة الحاسبة وليس تلك الخاصة بالسترة.

 

- من الناحية الاقتصادية، الـ15 ريالا هي ذاتها الـ15 ريالا، وليس من المنطقي أن تعاملهما بطريقة مختلفة، ولكنك فعلت ذلك لأنك فكرت في الأمر كالتالي: الـ15 ريالا الموفرة من الآلة الحاسبة تعادل 60% من سعرها، بينما الـ15 ريالا الخاصة بالسترة تعادل 12% فقط من سعرها، وبالتالي الأخيرة لا تستحق ذلك الجهد!

 

- لنفترض أنني أعطيتك 50 ريالًا. ثم عرضت عليك إمكانية الدخول في مقامرة، إذا فزت بها ستحصل على 10 ريالات وإذا خسرت ستفقد 10 ريالات. هل ستدخل هذا الرهان؟ إحدى الدراسات تشير إلى أن 70% من المشاركين في تجربة مشابهة أبدوا استعدادهم للدخول في المقامرة لأنهم اعتبروا الـ50 ريالًا أموالًا سهلة.

 

- مجموعة أخرى من المشاركين تم عرض سيناريو مختلف عليهم. بدلًا من إعطائهم الـ50 ريالا مقدمًا، عرضت عليهم إمكانية المشاركة في مقامرة، يحصلون على 60 ريال إذا فازوا بها، مقابل 40 ريالًا في حال خسروها، أو يمكنهم التخلي عن فكرة المقامرة ويحصلون على الـ50 ريالًا في أيديهم. 34% فقط هم من اختاروا المقامرة.

 

- ببساطة الناس يعاملون المال بشكل مختلف اعتمادًا على الحساب العقلي الذي يودعونه به، ويعاملونه كذلك بشكل مختلف اعتمادًا على مصدره. فالبنسبة لهم الألف ريال التي حصلوا عليها كمرتب، غير تلك التي حصلوا عليها كمكافأة أو هدية، والتي تختلف بدورها عن الألف ريال التي حصلوا عليها كجزء من ميراث.

 

- الآن دعونا نلقي نظرة على تأثير المحاسبة العقلية على الاستثمار.
 

معاملة الاستثمارات كجزر منعزلة
 

- أحد أكثر الأخطاء شيوعًا في سوق الأسهم، هو قيام المستثمر بفصل استثماراته في حسابات عقلية مختلفة، وهذا للأسف يؤثر بشكل سلبي على كفاءة عملية تخصيص الأصول.

 

- بعض الناس يحبون التفكير في أصولهم وفق الكيفية التي سيتم بها استخدام الأموال في نهاية المطاف. فمن الشائع جدًا أن نجد أن مستثمرا لديه حسابات عقلية مختلفة، ينظر إلى أحدها مثلًا كحساب للتقاعد وآخر لمصاريف تعليم أولاده، وثالث من أجل الطوارئ ورابع من أجل العطلات والترفيه.
 


- إن التفكير في الاستثمار بهذه الطريقة قد يسبب مشاكل كثيرة حين يتعلق الأمر بتخصيص الأصول، وذلك لأن بعض المستثمرين قد يتجاهلون حقيقة ارتباط الأصول الموجودة في الحسابات العقلية المختلفة، ونتيجة لذلك يفشلون في الاستفادة من مزايا التنويع.

 

- بالإضافة إلى ذلك، إذا كنت تعامل استثماراتك كجزر منعزلة، فسوف تواجهك حتمًا مشكلة في السيولة، وذلك لأنك ستجد نفسك في حاجة للاحتفاظ بالنقدية في جميع الحسابات المختلفة من أجل تلبية احتياجات السيولة في كل حساب.

 

- إذا جلست مع نفسك وقمت بجمع هذه الحسابات فستجد أنك تحتفظ بجزء كبير من أموالك في صورة نقدية، ومع مرور الوقت، يمكن أن يكون ذلك عائقًا كبيرًا على أداء أصولك بشكل عام، وقد يقلل أيضًا من احتمال تحقيقك لأهدافك المالية.

 

- لماذا قد يكون فهمك لذلك مهمًا؟ ببساطة، الأهمية تكمن في أن عملية تخصيص الأصول هي تقريبًا الجانب الأكثر أهمية في إدارة المحافظ المالية. أظهرت دراسة صادرة في عام 2012، أن عملية تخصيص الأصول مسؤولة عن 88% من عوائد المحفظة المتنوعة.

 

- لذلك يجب أن تنظر إلى أداء أصولك كلها بشكل إجمالي، حتى إذا فصلت بينها في كيفية إنفاق عوائد كل منها.
 

الفشل في التركيز على الصورة الكبيرة
 

- هناك أثر رئيسي آخر على الاستثمار وهو الطريقة التي يصنف بها المستثمرون العائد. وبالتحديد نتحدث عن كيفية تصنيفهم للعائد من زيادة رأس المال والعائد من الدخل. وهذا للأسف خطأ يقع فيه حتى بعض المستثمرين ذوي الخبرة.

 

- هل سبق لك وأن فكرت في استثمار معين على أنه "أكثر أمانًا" مقارنة بغيره لأنه يدفع أرباحًا ثابتة كل شهر؟ أو هل سبق لك أن سمعت شخصا ما يقول: لماذا تشتري السندات التي تعطي عائدًا قدره 2.2% بينما "إكسون موبيل" توزيعات أرباحها تقترب من 3.6%؟

 

- العديد من المستثمرين يفشلون في فهم الفارق بين العائد من ارتفاع رأس المال والعائد من أرباح الأسهم، ونتيجة لذلك، يتخذون قرارات استثمارية غير مناسبة.

 

- كثير من الناس ينظرون إلى الشركات التي تدفع أرباحًا على أنها استثمارات "آمنة". وبعض المستثمرين وخصوصا المتقاعدين منهم، يعتقدون أن الأرباح الربع سنوية التي تدفعها لهم الشركات يمكنهم الاعتماد عليها.

 

- في المقابل، تدرك الشركات أن المستثمرين تغريهم توزيعات الأرباح الثابتة، ولذلك تحرص الكثير منها على الحفاظ على تدفق مدفوعات توزيعات الأرباح، حتى عندما تسوء الأمور.
 


- قطاع المرافق، هو قطاع معروف بتوزيعات الأرباح المرتفعة والمستمرة، لذلك يراه بعض المستثمرين كملاذ آمن. وإذا نظرنا مثلًا إلى عائدات هذا القطاع في الولايات المتحدة خلال عام 2008، فسنجد أنه كان من بين القطاعات القليلة التي حافظت على تدفقات مدفوعات الأرباح خلال الأزمة المالية.

 

- لكن هذا القطاع تراجع بنسبة 38% منذ ذلك الحين! ومن هنا تظهر المشكلة. بعض المستثمرين لا يدركون حقيقة هامة جدًا وهي أن مدفوعات الأرباح ما هي إلا جزء من العائد الإجمالي على الاستثمار. ولكن بسبب إهمالهم للصورة الكبيرة وتركيزهم على هذ الجزء الصغير، يصبح من السهل أن ينسوا حقيقة أن حركة سعر السهم تعتبر في بعض الأحيان أكثر أهمية من مدفوعات أرباحه.

 

- جزء من المشكلة، هو أنه من السهل على المستثمرين (وبالأخص الهواة) توليد النقدية عن طريق حيازة الأسهم التي توزع أرباحًا منتظمة. لكن في المقابل يستطيع مستثمر آخر اختيار أسهم لا توزع أرباحًا، ويضع خطة لتحقيق قدر معين من المكاسب الرأسمالية على أساس ربع سنوي، قد تفوق قيمتها قيمة توزيعات أرباح أسهم أخرى.

 

- النهج الأخير له ميزة أخرى، وهي تحسين الكفاءة الضريبية للاستثمار، وذلك نظرًا لأنه في كثير من البلدان عادة ما تكون الضرائب المفروضة على الأرباح الرأسمالية طويلة الأجل أقل من تلك المفروضة على الأرباح الموزعة.

 

- في السنوات الأخيرة، كان المستثمرون يخشون من ارتفاع أسعار الفائدة، ولذلك لجأ بعضهم إلى شراء أسهم ذات توزيعات أرباح مثل "إكسون موبيل" بدلًا من السندات. توزيعات أرباح "إكسون" تقترب نسبتها من 3.61%، بينما العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات يساوي 2.18%.

 

- للوهلة الأولى، يبدو سهم "إكسون" وكأنه في الكفة الراجحة، ولكن مرة أخرى من يعتقد ذلك هو من يركز على جزء من الصورة وليس الصورة بأكملها. خلال الأزمة التي مر بها سوق النفط العالمي في عامي 2014 و2015 انخفضت قيمة أسهم "إكسون" بحوالي 32%.
 


- هذا يعني أن المستثمر الذي استثمر 10 آلاف دولار في أسهم "إكسون" بعد أن أغرته توزيعات الأرباح المرتفعة نسبيًا، سيحصل على 360 دولارا في السنة كتوزيعات أرباح، ولكن في المقابل خسر استثماره أكثر من 3 آلاف دولار في الفترة بين عامي 2014 و2015. وسوف يستغرق الأمر 10 سنوات قبل أن تعوضه توزيعات الأرباح عن هذه الخسارة الرأسمالية!

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.