قبل عام، وتحديدًا في الثامن والعشرين من مارس/آذار 2017، قالت شركة النفط الأنجلو هولندية "رويال داتش شل" – سادس أكبر شركة نفط بالعالم – إنها تعتزم دفع 9.2 مليون دولار من أجل تسوية 4 من دعاوى المساهمين المتعلقة بفضيحة مبالغة الشركة بحجم احتياطياتها قبل نحو 13 عاماً.
هذه الدعاوى الأربع كانت أحدث دفعة من بين عشرات الدعاوى التي يتم رفعها من قبل المساهمين ضد الشركة منذ عام 2004، حين تم اكتشاف أنها بالغت في تقديراتها لاحتياطياتها النفطية بأكثر من 20%، في فضيحة كلفت الشركة مليارات الدولارات من قيمتها السوقية وغرامات بالملايين فرضتها الجهات التنظيمية في أمريكا وبريطانيا.
وبمناسبة مرور ما يقرب من 14 عاماً على هذه الحادثة، سنحاول في هذا التقرير استعراض ما حدث، وظروف وملابسات اكتشاف الأمر، وسنحاول أيضًا الاجتهاد في الإجابة عن السؤال الذي شغل بال كثيرين ممن عاصروا هذه الحادثة وهو: لماذا تقوم شركة مثل "شل" كانت تتمتع بسمعة جيدة في السوق بارتكاب هذه (الحماقة) أو بلغة أكثر دبلوماسية هذا الخطأ الذي تسبب في خسارتها وخسارة مساهميها لمليارات الدولارات، هذا طبعاً بخلاف تضرر سمعتها؟
4 مليارات برميل
بعد تزايد الضغوط عليها من قبل لجنة الأوراق المالية والبورصات في عام 2003، أجرت "شل" تحقيقاً داخلياً حول مدى دقة احتياطياتها المبلغ عنها، حيث كان لدى اللجنة شكوك حول بيانات الاحتياطيات الخاصة بـ"شل" وعدد من الشركات الأخرى في منطقة خليج المكسيك بالتحديد.
انتهت التحقيقات في ديسمبر/كانون الأول 2003، وفي التاسع من يناير/كانون الثاني 2004، وقف مدير العلاقات العامة بشركة "شل" في مؤتمر صحفي ليخبر الصحفيين والمستثمرين الحاضرين بأن الشركة أجرت مراجعة لاحتياطياتها "المؤكدة" من النفط والغاز، أظهرت نتيجتها أنه يجب تخفيض حجم المدرج منها في القوائم المالية للشركة.
تم تقليص الاحتياطيات المؤكدة بنسبة 20% أو بمقدار 3.9 مليار برميل من النفط المكافئ، لتنخفض من 19.5 مليار برميل إلى 15.6 مليار برميل. ليصدم هذا الإعلان مساهمي الشركة، وتراجع سهم الشركة في غضون أيام قليلة بنسبة 10%، وانخفضت قيمتها السوقية بـ8.9 مليار إسترليني.
شكل النفط حوالي الثلثين من إجمالي الكمية المخفضة، في حين مثّلت احتياطيات الغاز الثلث الباقي، كما تركز أكثر من نصف الكميات المخفضة في أستراليا ونيجيريا، وأوضحت الشركة أن 90% من الـ3.9 مليار برميل، كانت موجودة في حقول لم يتم تطويرها بعد.
في الوقت نفسه شعرت المؤسسات الاستثمارية المساهمة في "شل" بالإهانة، وأعربوا عن سخطهم من أن خبرا بهذه الأهمية تم إعلانه من قبل مسؤول متوسط وليس من قبل رئيس الشركة نفسه السير "فيليب واتس".
بعد مرور أربعة أسابيع، اعتذر "واتس" للجميع عبر شاشة التلفزيون، ليس عن مبالغة الشركة في احتياطياتها، وإنما عن عدم إعلانه ذلك الخبر بنفسه، وفي ذات الوقت شرعت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في إجراء تحقيقات حول احتياطيات الشركة، كما فتحت وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً جنائياً حول الحادثة.
في التاسع عشر من أبريل/نيسان من نفس العام، أعلنت "شل" تعديل الاحتياطيات بالخفض مرة أخرى، واستقالة المدير المالي للشركة "جودي بوينتون" من منصبه، ولكن هذا لم يكن التخفيض الأخير، ففي 24 مايو/أيار انخفضت احتياطيات "شل" المؤكدة للمرة الثالثة لتصل إلى 14.35 مليار برميل من النفط المكافئ، وهو ما مثل تراجعاً بنسبة 26% مقارنة مع التقديرات الأصلية.
كيف تم التلاعب؟
التلاعب لم يكن من خلال إدراج احتياطيات نفطية غير موجودة، وإنما كان عبر الخلط بين الفئات الثلاث التي يتم تصنيف الاحتياطيات وفقها، وهي المؤكدة والمحتملة والممكنة.
كشركة مدرجة بالبورصة الأمريكية، يجب على "شل" الالتزام بالقواعد الصارمة للجنة الأوراق المالية والبورصات والتي تنص على أن الشركة لا يمكنها أن تدرج في قوائمها المالية سوى الاحتياطيات المؤكدة القابلة للاستخراج تجارياً، والحقول التي توجد بيانات توضح تدفقاتها الفعلية.
أي احتياطي نفطي لا يصبح مؤكدًا إلا بعد أن تتخذ الشركة قراراً استثمارياً نهائياً بتطوير الحقل. وحتى ذلك الحين، يتم تصنيف الاحتياطيات إما على أنها محتملة أو ممكنة. وهذا يعني أن الكميات التي خفضتها "شل" موجودة بالفعل، ولكن كل ما حدث هو أنه تم نقلها من الفئة المؤكدة إلى الفئة المحتملة.
يعتقد العديد من مهندسي البترول أن أفضل مقياس للحيازات النفطية للشركة، هو من خلال الجمع بين الاحتياطيات المؤكدة والمحتملة، ولكن لجنة الأوراق المالية والبورصات لها رأي آخر، حيث تسمح للشركات بإدراج الاحتياطيات المؤكدة فقط في قوائمها المالية.
يعتبر حجم الاحتياطيات أمرًا جوهريًا بالنسبة للقيمة السوقية لأي شركة نفطية وقدرتها على الاقتراض، ولذلك تسببت مبالغة "شل" في حجم احتياطياتها في أن تبدو في وضع مالي أقوى مما هي عليه بالفعل.
أحد الأمثلة هو ما حدث في مشروع "جورجون" للغاز في غرب أستراليا، حين قامت "شل" في عام 1997 بإدراج احتياطيات الحقل في قوائمها المالية كاحتياطيات مؤكدة، على الرغم من أنها لم تتخذ قرارًا استثمارياً نهائياً بتطوير الحقل.
استندت الشركة في هذه الخطوة إلى خطابات نوايا من العملاء الآسيويين المحتملين، ولكن بعد أن وقعت الأزمة المالية الآسيوية تراجع الطلب على الغاز، ولم تبدأ الشركة في تطوير الحقل.
في أبريل/نيسان 2004، ذكرت "نيويورك تايمز" أن مستندات "شل" الداخلية وغيرها من البيانات تشير إلى أن الشركة قد بالغت في تقدير احتياطياتها النفطية المؤكدة في عمان بنسبة تصل إلى 40%، موضحة أن تلك التقديرات كانت قد استندت إلى تقييمات أجراها الرئيس التنفيذي للشركة حين كان يرأس قسم التنقيب والتطوير بالشركة في مايو/أيار 2000.
كانوا يعرفون!
تمت إقالة رئيس الشركة "فيليب واتس" من منصبه في مارس/آذار 2004، بعد أن أظهرت التحقيقات أنه كان يعرف بمسألة احتياطيات الشركة المبالغ فيها منذ عام 2002، ولم يفعل أي شيء ليصحح الوضع.
قبل الفضيحة بفترة، وتحديدًا في خريف عام 2003، أعربت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية لـ"شل" عن قلقها إزاء سياستها في تصنيف الاحتياطيات وخصوصًا تلك الموجودة في عمان ونيجيريا، غير أن الشركة تجاهلت في البداية تلك التحذيرات المبطنة إلا أنها اضطرت لإجراء التحقيق الداخلي بعد تزايد الضغوط عليها.
أظهرت التحقيقات لاحقًا أن "شل" بالغت في تقديراتها لاحتياطياتها المؤكدة في أعوام 1997 (16%) و1998 (18%) و1999 (23%) و2000 (25%) و2001 (24%) و2002 (23%)، وهو ما جعل من الصعب تصديق رواية مجلس إدارة الشركة التي تشير إلى أن هذه الانحرافات لم تكن مقصودة.
في أبريل/نيسان 2004، أصدرت شركة المحاماة الأمريكية "ديفيز بولك واردويل" تقريراً حول مراجعتها لأزمة احتياطيات "شل" زعمت خلاله أن كبار المسؤولين التنفيذيين بما فيهم "واتس" كانوا على علم بالمشكلة منذ أوائل عام 2002.
في الثلاثين من يونيو/تموز 2004 وافقت "رويال داتش شل" على دفع غرامات قدرها 150 مليون دولار لتسوية التحقيقات المفتوحة معها من قبل الهيئات التنظيمية في الولايات المتحدة وبريطانيا، بعد أن تم اتهامها بانتهاك قواعد قوانين الاحتيال والرقابة الداخلية.
مشاكل "شل" لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تعرضت الشركة لـ(الإذلال حرفيًا) من قبل الرأي العام، خصوصاً بعد أن ظهرت لاحقاً تفاصيل توضح أنه كانت هناك نزاعات بين مسؤوليها حول مسألة الاحتياطي منذ فترة.
كان الجميع غاضباً من الشركة، وسخر العامة من شعار الشركة الشهير: "يمكنك أن تكون متأكداً من شل".
بينما تمسكت شركات مثل "شيفرون" و"إكسون موبيل" بمواقفها تجاه بيانات احتياطياتها، وأكدت على أنها لم تقع في الخطأ الذي وقعت فيه "شل"، سارعت شركات النفط الصغيرة مثل "إل باسو" إلى تقليص حجم احتياطياتها، قبل أن يطرق مسؤولو لجنة الأوراق المالية والبورصات أبوابهم.
القصة بالفعل مأساوية لعملاق بحجم ومكانة وتاريخ "شل"، لكن ذلات الكبار التي قد تكون نادرة عندما تقع أو تحدث فعلا تكون تكلفة مداوتها موجعة للجميع وتبقى آثارها كجرح غائر بعمق الزمن خاصة في أذهان مساهميها لا ينسونه بدليل الدعاوى القضائية التي ما زالت ترفع ضد الشركة اﻷنجلوهولندية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}