نبض أرقام
08:59 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

هل للتضخم "خصوصية" تختلف من بلد لآخر..أمريكا مثالا؟

2018/04/07 أرقام - خاص

مع ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات 2.2% خلال شهر فبراير/شباط و2.1% خلال يناير/كانون الثاني، ثارت مخاوف بالأسواق الأمريكية من احتمال تعرض الولايات المتحدة لموجة تضخم، مما أثر على الأسواق المالية بالسلب حيث شهدت بعض التذبذب صعودا وهبوطا.

 

هل المخاوف مبررة؟

 

وما قلل من مخاوف الأسواق –ولو مؤقتًا- ما كشفه الاحتياطي الأمريكي، ونشرته "نيويورك تايمز" أن نمو متوسط دخل الطبقة العاملة في الولايات المتحدة نما بمعدل بمعدل 2.9% خلال عام 2017، بما يؤشر إلى أن الزيادة في الأسعار تقابلها زيادة في الدخل، وبالتالي فإن الدخل الحقيقي (ما يحصل عليه الفرد من سلع مقابل دخله المادي) يبقى دون تأثر.

 

 

كما أن مؤشر السلع الرئيسية (الوقود والغذاء) لم يرتفع إلا بنسبة 0.5% فقط خلال يناير، وأشارت تقارير "حساب التضخم الأمريكي" ووكالة "رويترز" إلى أن ارتفاع معدل التضخم يرجع بالأساس إلى ارتفاع أسعار الملابس، بما يعني بقاء السلع الرئيسية دون زيادة كبيرة.

 

وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت مخاوف أخرى مرتبطة بالتضخم وهي اقتراب الاقتصاد الأمريكي من نسبة التشغيل الكامل، بمعنى غياب البطالة، ولهذا تأثير سلبي على الاقتصاد الكلي لأكثر من سبب أولهم أنه قد يعكس عدم قدرة الاقتصاد على التوسع مستقبلًا لعدم وجود العمالة الملائمة.

 

وثاني أسباب القلق من التشغيل الكامل في ظل ارتفاع نسبي للتضخم هو أن الاقتصاد سيصطدم بسقف للإنتاج والاستهلاك مع قرب الوصول لمستويات التشغيل الكامل، ما من شأنه أن يقوض النمو الكلي للاقتصاد على المدى القصير.

 

 

أما ثالث أسباب القلق من تأثير القلق من ارتفاع نسبة التضخم هي أنها تأتي مع الاتجاه لإقرار تشريعات جديدة من أجل تقليص الضرائب على أصحاب الدخول الصغيرة، كما تقول شبكة "بلومبرج"، بما يؤشر لزيادة قدرتها على الإنفاق ودعم التضخم .

 

مبالغة في رد الفعل

 

وترى "نيويورك تايمز" أن الاقتصاد الأمريكي في وضع لا يدعو للقلق حاليًا، في ظل السيطرة على التضخم باستخدام الأدوات النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي، غير أنه يجب التحكم في نسبة التضخم قريبًا في ظل ارتفاع مستويات التشغيل حتى لا يصل الاقتصاد لنقطة من الركود مستقبلًا.

 

ويؤكد كل هذا أن الأسواق الأمريكية والعالمية كانت "تبالغ" في ردة فعلها إزاء التضخم الأمريكي، وهو ما اتضح لاحقًا في عودة الأسواق للارتفاع، لا سيما في ظل مخاوف أخرى أهم متعلقة بالسياسات الحمائية وقوة الدولار، غير أن للمخاوف ما يبررها في ظل ارتباطها بأكثر من مؤشر اقتصادي آخر وليس التضخم فحسب.

 

ويعكس هذا الأمر أيضًا حقيقة أن التضخم مؤشر مهم للاقتصاد لكنه قد لا يكون كافيًا للحكم على حالته دون ربطه بالعديد من المؤشرات الأخرى، أهمها مؤشر السلع الأساسية ومستويات البطالة ونسبة الفائدة على الاقتراض والإقراض، وبالطبع نسبة نمو الناتج القومي.

 

ولذلك فإن مؤشر التضخم له "خصوصية" تختلف من دولة لأخرى، فعلى سبيل المثال فإن الدول المتقدمة تحاول دائمًا الحفاظ على معدل تضخم يقترب من 2% (أو يقل قليلًا) بهدف الإبقاء على الإنفاق في مستويات عالية تسمح للأسواق بالإفلات من فخ الركود.

 

فالتضخم في الدول المتقدمة -بشكل عام- لا يكون مدفوعًا بنقص في المعروض، لكنه يرتبط بارتفاع الأجور وقدرة المستهلكين على شراء المزيد من السلع بما يدفع الأسعار للارتفاع في نمو القدرة الشرائية، ويحدث حالة من الرواج الاقتصادي.

 

ولذلك لا تثير معدلات التضخم في الدول المتقدمة قلقًا كبيرًا في أغلب الأحيان، في ظل الاحتفاظ بمعدلات نمو موازية، وفي ظل بقاء مؤشر السلع الرئيسية بلا ارتفاعات كبيرة، فإن الدخل الحقيقي للمواطن يبقى مستقرًا.

 

لعنة الدول النامية

 

وفي المقابل، فإن مواطني الدول النامية يضطرون لإنفاق جزء كبير من دخلهم على الغذاء والوقود، لذا فإن ارتفاع الأسعار في تلك الدول غالبًا ما يطال السلع الأساسية، بما يجعل التضخم موجعًا ولا سيما للفقراء.

 

فحتى وإن حققت الدول النامية معدلات نمو تفوق نظيرتها النامية تقليديًا، إلا أن تبديد معدلات النمو في الإنفاق على السلع الغذائية والوقود -وأحيانًا الإسكان- تبدد مكاسب النمو وتجعل معدلات نمو الدخل الحقيقي في حده الأدنى، إن لم يصل الأمر لتآكل الأخير.

 

 

لذا فليس غريبًا أن نجد دولًا غنية مثل سويسرا وألمانيا والنمسا تقر برامج في بعض الأوقات من أجل رفع معدلات التضخم من مستوياته السلبية أو القريبة للصفر، في الوقت الذي تكافح الدول الأفقر من أجل تقليل معدلات التضخم إلى مستويات أدنى.

 

كما أن الدول التي تستورد غالبية احتياجاتها تعاني بصورة أكبر من التضخم، في ظل ما يسببه من أزمة في العملات الأجنبية وبالتالي يدخلها في دائرة مغلقة (ملعونة) من العجز في الاحتياطي النقدي والتضخم بحيث يزيد كل منهما الآخر.

 

ويظهر هنا أن التضخم قد يكون نعمة للبعض ونقمة للآخرين، وأنه في الوقت الذي تهرب منه دول، تسعى إليه أخرى، لتبقى مستويات النمو والتشغيل وطبيعة الدولة (نامية أم متقدمة) مؤشرات تحدد إذا كان تضخمًا محمودًا أم مذمومًا.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.