نبض أرقام
11:37 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23

هل تعيد واشنطن والتضخم أمريكا اللاتينية لعصور الاضطراب الاقتصادي؟

2018/05/09 أرقام - خاص

عادت أخبار الاقتصاد المتقلب في أمريكا اللاتينية لتصدر المشهد مجددًا بعد قرار الأرجنتين برفع أسعار الفائدة إلى 40% الأسبوع الماضي، مخلفة موجة من القلق حول مستقبل الاقتصادات الناشئة في القارة الجنوبية التي عانت غياب الاستقرار كثيرًا.

 

تضخم متعمد
 

ومن اللافت هنا أن هذا الإجراء يعد تراجعًا راديكاليًا للغاية عما قررته الحكومة الأرجنتينية في ديسمبر الماضي (2017) بترك التضخم بلا إجراءات واضحة لمكافحته بعد وصوله إلى نسبة تناهز الـ25%، وفقا لشبكة بلومبرج، وذلك رغبة من الحكومة في الإبقاء على مستويات نمو اقتصادي مرتفعة ولو على حساب ترك التضخم.
 

 

وعلى الرغم من أن التضخم قد لا يكون سيئًا بالطبع إذا ما ترافق مع نسب نمو تفوقه، ومع توزيع جيد للدخل، إلا أن غياب العاملين الأخيرين من شأنه أن يكون له انعكاسات سلبية على الحكومات بعد فقدها الدعم الشعبي للكثير من الطبقات الأفقر، وترى "جارديان" أن من أهم الأسباب التي دعت الأرجنتين لهذا القرار هو بحث الحكومة عن استعادة تلك الطبقات.
 

غير أن السبب الأهم هو الضغوط الاستثنائية التي ولدها رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة على اقتصاد يعاني التضخم بالفعل، فالمستثمر سيجد أمواله تتناقص في القيمة الحقيقية في دولة نامية، بينما يجدها قابلة للزيادة في الولايات المتحدة التي ماتزال تصنف بوصفها ملجأ الاستثمار الأول في العالم وفقًا لتقارير البنك الدولي.
 

لذا فقد ازدادت الضغوط بشدة على الاقتصاد الارجنتيني واضطرت الحكومة لرفع أسعار الفائدة 3 مرات في أسبوع واحد وصولًا لمستوى 40% لمحاولة منع الاستثمارات من الهروب، في ظل سعر فائدة يتخطى التضخم بكثير ويسمح للمستثمرين بتحقيق أرباح "حقيقية".

 

ماذا عن بقية القارة؟
 

وعلى الرغم من المعاناة الأرجنتينية الكبيرة، إلا أن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن واقع الحال في بقية دول القارة عكس ذلك، حيث أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن التضخم في مستوياته الدنيا في مختلف دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (فنزويلا خارج الحسابات هنا)، بما جنبها مصير الأرجنتين من حيث رغبة الاستثمارات في الهروب لوضع أكثر استقرارًا.
 

 

وأعاد الوضع الحالي للأرجنتين الصورة السابقة لبلاد أمريكا اللاتينية خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي وأول الألفية الجديدة، حيث وصلت نسب التضخم إلى مستويات قياسية (240% في الأرجنتين والبرازيل في بداية التسعينيات)، وفقًا لموقع "استاتيستا" المتخصص في الإحصائيات، وتزايدت التحذيرات من أن اقتصاديات القارة قد لا تكون "واعدة" كما يتنبأ البعض.
 

ولمعرفة ما إذا كانت أمريكا اللاتينية مقبلة على "تضخم متفجر" في الفترة المقبلة يجب التوقف على أسباب التضخم في أمريكا اللاتينية سابقًا وحاليًا.
 

فدول أمريكا اللاتينية تعاني من طبيعة اقتصاداتها "المزدوجة"، فالتضخم في الدول النامية تقليديًا يرتبط بالمستوى العام لأسعار السلع الرئيسية (الغذاء والوقود) نظرًا لأنها تشكل الجزء الأعظم من إنفاق المواطنين في تلك الدول، أما في الدول المتقدمة فيرتبط بالعقارات وبأسواق المال.

 

معاناة استثنائية
 

أما في أمريكا اللاتينية فتعاني من الجانبين، فبسبب الأسواق المالية الحديثة نوعًا ما مقارنة بالدول النامة الأخرى تبقى مؤثرة على مستوى السيولة المالية والتضخم في البلاد، (بما جعل الأرجنتين تتأثر برفع سعر الفائدة الأمريكي) في الوقت الذي تظل المنتجات الزراعية والنفط عاملًا شديد الأهمية في الاقتصاديات اللاتينية وبالتالي تتأثر بشدة بالمستوى العام للأسعار الرئيسية (أحد أسباب التضخم هو الخسائر الأرجنتينية الكبيرة في محصول الصويا بسبب الجفاف).
 

غير أن السبب الأول وراء التضخم الكبير في الأسعار في التسعينيات وأوائل الألفية الحالية لم يكن اقتصاديًا بل كان سياسيًا، من خلال انتشار مظاهر غياب الاستقرار السياسي نتيجة مظاهرات عنيفة، وحكومات قصيرة العمر، وسياسات متعارضة اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
 

ولعل هذا ما يوضح لماذا عادت الأرجنتين، ومن قبلها فنزويلا إلى حالة التضخم، وذلك لتوافر كافة أسباب التضخم، اقتصاد متذبذب (زراعي في الأرجنتين ونفطي في فنزويلا)، وتضخم يدفع الاستثمارات للهرب مع سعر فائدة أمريكي مرتفع، وبالنهاية غياب للأفق السياسي المستقر في الدولتين.
 

 

ولذلك ترجح وكالة تشانج الصينية أن تبقى دول مثل المكسيك والبرازيل وبنما وأوروجواي بعيدة تمامًا عن تأثير رفع الفائدة الأمريكية، بسبب استقرار الأوضاع السياسية في تلك الدول أولًا ومعدلات التضخم المعقولة حاليًا.
 

غير أن ما تؤكده المشاهدات السابقة أن الاستقرار السياسي في أمريكا اللاتينية أمر غير مضمون ولا يمكن توقعه، ولعل أبرز مثال على ذلك هو المظاهرات العنيفة التي اندلعت قبل كأس العالم 2014 في البرازيل ثم عادت لتتراجع دون مقدمات، لتبقى اضطرابات الأرجنتين وفنزويلا "نظير شؤم" ينذر بعودة أمريكا اللاتينية لماضِ ليس ببعيد.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.