على الرغم من أن "اتخاذ القرار" يشكل جوهر وظيفة أي مسؤول سواء كان حكوميًا أو في شركة خاصة أو مؤسسة دولية أو غير ذلك، غير أنه أمر معقد للغاية لأكثر من عامل، أولها خطورة تلك القرارات وتأثيراتها المحتملة مستقبليًا، وثانيها ضغوط الوقت، والعاملون، وثالثهما (والأهم) عدم اكتمال كافة الحقائق أمام صانع القرار.
وتزداد أزمة غياب الحقائق الكاملة في العصر الحديث بسبب كمية المتغيرات الكبيرة التي على صانع القرار أن يراعيها، فضلًا عن السرعة الكبيرة في تغير الحقائق، ولذلك قدمت الكاتبة "أنى ديوك" كتابها "كيف تصدر قراراتك في ظل غياب الصورة الكاملة: التفكير في الرهانات” حيث تدعو الكاتبة إلى التفكير في كل شيء في اتخاذ أي قرار على أنه "رهان".
كل قرار "رهان"
و"ديوك" هي إحدى النساء القليلات اللاتي حققن بطولات في لعبة رهانات الورق "البوكر" حيث يتم اتخاذ القرارات في ظل نقص كبير للمعلومات عن أوراق الخصم وطبيعة ردود أفعاله وما إلى ذلك، بما دعاها لكتابة كتابها عن هذا الأمر.
فبالنسبة لـ"أنى" حتى أبسط القرارات بتناول اللحم بدلًا من الدجاج هو في حد ذاته رهان، إما بناء على القيمة الغذائية أو على اختلاف الأسعار، أو حتى على تفضيلات الطعم، لكنه في النهاية يبقى رهانًا بتفضيل اللحم على حساب الدجاج. ويمكن أن تتسع قائمة الرهانات لتشمل شراء منزل دون غيره أو الذهاب لعمل محدد، أو اختيار سيارة بعينها.
وعلى الشخص دائمًا أن يفصل بين النتيجة والقرار، ففي بعض الأحيان قد يتخذ الشخص قرارًا سيئًا، بترقية شخص ما مثلًا، ثم تتحسن نتائج قسم الشخص الذي تم ترقيته مباشرة بعد ترقيته، وذلك بسبب تغير مثلًا في طبيعة السوق أو انهيار أحد المنافسين أو غير ذلك، بينما لم يقم المدير الجديد واقعيًا بأي تحرك إيجابي أدى لتلك النتائج.
وبالعكس فقد يقوم مدير جديد بتجنيب شركته كارثة محققة بسبب ارتفاع نسبة الفائدة مثلًا، وعلى الرغم من أن الشركة قد تظل خاسرة، إلا أن مجموعة قرارات المدير الجديد أنقذتها من إفلاس تام.
فصل تأثير الحظ
ولذا تدعو "أنى" لفصل تام بين القرارات والنتائج، وذلك من خلال العمل على فصل عام "الظروف" أو الحظ من المعادلة، بحيث يحصل المدير (الشخص) على ناتج تصرفه وحده وما إذا كان إيجابيًا أو سلبيًا.
وترى "أنى" أن مثل هذا الشكل من التحليل من شأنه أن يعين المديرين على معرفة القرار الصحيح من الخاطئ بغض النظر عن النتيجة التي أفضى إليها كل منهما، بما يعين المدير على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل بمنطق التجربة والخطأ.
وهناك 3 عناصر أساسية تعترض قدرة متخذ القرار على تقييم قراراته وبالتالي تكبل قدرته على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل وهي "المعتقدات" والمقصود بها التحيزات المسبقة، والعادات وما تعنيه "أنى" بها الطريقة المعتادة في معالجة الأمور، وثالثًا "المنظور" ويقصد بها الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى اتخاذ قرار بعينه.
وتشير "أنى" إلى أن الناس كثيرًا ما يتخذون قرارات خاطئة بسبب تحيزاتهم المسبقة، ففي حالة عدم اكتمال الصورة كاملة من المعلومات المتاحة يسعى الشخص باستمرار لإكمالها باستخدام ما لديه من خلفيات مسبقة عن الأمر الذي يتعامل معه، بما يجعل متخذ القرار عرضة لتحيزاته الشخصية التي قد لا تجعله يتخذ أفضل قرار ممكن.
العادات مدمرة
وهنا يجب على الشخص أن يستخدم وسيلة مختلفة تمامًا، وهي تحليل كل ما قام به من خطوات سابقة للوصول إلى النقطة التي وصل إليها، بحيث يسأل نفسه وبوضوح "ما كان تأثير الظروف (الحظ) من جهة، والمهارة من جهة أخرى في تحقيقه –أو عدم تحقيقه لأهدافه.
وعلينا أيضًا أن ننتبه بشدة لتأثير العادات على سلوكنا ولا سيما في حالة الضغوط وقلة المعلومات، فالبعض قد يميل للتراجع بشدة خوفًا من اتخاذ قرار لا تدعمه المعلومات، بينما البعض الآخر قد يميل للمغامرة غير المحسوبة أيضًا دون محاولة ما لديه تحليل من معلومات، ولذا على الشخص أن "يراقب نفسه ومنظوره وعاداته باستمرار لكي يصل لأفضل قرار".
وتقر "أنى" بأن موضوع الرقابة الذاتية ليس أمرًا سهلًا لأنه يبدأ أول ما يبدأ بنقد الذات، وهو أمر صعب على غالبية الناس، بمعنى الاعتراف بالسلبيات ورؤية أوجه القصور والضعف في الشخص نفسه، ولكن هذا الأمر لا بديل عنه إذا ما أراد الشخص (المدير) تطوير سبل اتخاذه للقرارات بما يعينه على الوصول لقرارات أفضل مستقبلًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}