نبض أرقام
02:27
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

ليس كل من اشترى سهماً مستثمراً.. هل تعرف فعلاً الفرق بين الاستثمار والمضاربة؟

2019/02/28 أرقام - خاص

أحمد وعمر. طفلاك البالغان من العمر 12 عاما و10 أعوام على الترتيب. لنفترض أنك كأب مسؤول يريد تعليم ابنيه فن التعامل مع المال، أعطيت كلا منهما ألف ريال، يحق لهما التصرف بها كيفما يريدان.

 

ابنك الأكبر أحمد، استخدم الألف ريال في شراء برتقال وسكر وطاولة قديمة وبعض الأكواب والملصقات ليبدأ في بيع عصير البرتقال على ناصية أحد الشوارع المزدحمة. تمضي الأمور على نحو جيد، ويعيد أحمد استثمار أرباحه من خلال شراء المزيد من الإمدادات.

 

 

بحلول نهاية فصل الصيف، أصبح الألف ريال خمسة آلاف. غير أن مشروع أحمد مر بأيام لم تمض فيها أعماله على نحو جيد إما بسبب الأمطار، مقابل أيام أخرى (ذات طقس حار) ازدهر خلالها نشاطه. ولكنها حينما أمطرت، لم يقل أحمد "لم يعد هناك من يرغب في شراء عصير البرتقال مرة أخرى، سأقوم ببيع المشروع". لماذا؟ لأنه مستثمر.

 

ابنك الأصغر "عمر" في المقابل، يأخذ الألف ريال وينفقها كاملة على شراء البرتقال، ويأمل أن يتمكن من بيعها لأحمد الأسبوع المقبل بسعر أعلى. ولكنه أقدم على هذه الخطوة بعد أن سمع أن سعر البرتقال سيرتفع لأن هناك توقعات تشير إلى ارتفاع حرارة الجو إلى مستويات قياسية، وهو يعرف أن عصير البرتقال يحظى بشعبية في الطقس الحار.

 

إذا صحت التوقعات، سيحقق عمر أرباحًا جيدة، ولكن إذا لم يكن هذا هو الحال وخابت التوقعات سينخفض سعر البرتقال، ويسجل عمر خسارته الأولى. عمر هنا يلعب دور المضارب.

 

عمر حاول أن يكون أكثر ذكاء من السوق، وهذا ما يفعله المضاربون دائماً، أما أحمد فمشى في ركاب السوق وشارك فيه. المثال السابق، هو مدخلنا لمناقشة الفرق بين الاستثمار والمضاربة في هذا التقرير.

 

ما الفرق؟ يساء فهم الفرق بين الاستثمار والمضاربة من قبل كثيرين، حيث توجد أعداد كبيرة من المشاركين بسوق الأسهم يعتقدون أنهم يستثمرون في حين أن ما يقومون به فعلاً هي المضاربة وليس الاستثمار.

 

- فعلى مدار العقود الماضية، تم استخدام مصطلح "المستثمر" للإشارة إلى كل من يملك سهماً، فكثيراً ما يطلق الاستثمار على المضاربة ، وعلى المضارب بأنه مستثمر، ولكن هذا غير صحيح. فأي شخص يشتري سهما، هو واحد من اثنين: إما مستثمر أو مضارب.

 

- قبل أن يولد معظمنا – نتحدث هنا عن عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي – كان هناك اعتقاد سائد مفاده أن الاستثمار الحقيقي الوحيد في أسواق المال يتمثل في شراء السندات، وكان ينظر إلى عملية تداول الأسهم باعتبارها مضاربة أو قمارا، وكان الأفراد الذين يشترون ويبيعون الأسهم يوصفون خلال تلك الفترة بأنهم "مشغلو الأسهم".

 

- لكن حدث بعض التحول في الرأي العام تجاه هذه القضية بداية من عام 1924، حين نشر الاقتصادي الأمريكي "إدجر لورانس سميث" كتابه الشهير "الأسهم المشتركة كاستثمارات طويلة الأجل" الذي أشار خلاله إلى أن أداء محافظ الأسهم المتنوعة يفوق على المدى الطويل أداء السندات من حيث العائد وتنامي رأس المال.

 


- ثم جاء الاقتصادي وخبير الاستثمار البريطاني الشهير "بنيامين جراهام" وبدأ يبيع للناس فكرة أن الأسهم يمكنها أن تمثل استثمارا جيدا وآمنا، في حال استوفت بعض الشروط والمعايير المعينة.

 

- يوضح "جراهام" الفرق بين المستثمر والمضارب في كتابه "المستثمر الذكي" قائلًا: "الفرق الأكثر واقعية بين المستثمر والمضارب يمكنك ملاحظته عبر النظر إلى طريقة تعامل كل منهما مع تحركات سوق الأسهم. فالاهتمام الرئيسي للمستثمر يكمن في حيازة أوراق مالية مناسبة بأسعار معقولة."

 

- يتابع "جراهام": " الاستثمار هي عملية تعتمد على تحليل دقيق ووعود بسلامة رأس المال وبعائد مناسب، أما العمليات التي لا تتوفر فيها هذه الشروط فهي مضاربة."

 

- هناك طريقة سهلة للتمييز بين الاستثمار والمضاربة، وهي من خلال النظر إلى مستوى المخاطرة وطول الأفق الزمني. فالمضاربة عادة ما تكون عالية المخاطرة وقصيرة الأجل، في حين يعتبر الاستثمار عادة أقل خطورة، ويركز على المدى الطويل.

 

المضاربة وعلاقتها بالأسواق الضعيفة

 

- المضاربة كنشاط، موجودة في جميع الأسواق المالية بالعالم، غير أنها في أكثر الأحيان لا تستطيع توجيه دفة الأسواق القوية التي تتمتع بمستويات جيدة من كفاءة المعلومات، ولكنها في الوقت نفسه قد تتحكم في مصائر الأسواق الضعيفة.

 

- الأسواق المالية المتقلبة والضعيفة تتيح أكثر من غيرها للمضاربين فرصاً لتحقيق أرباح قصيرة الأجل، لأنها لا تعكس بكفاءة كل المعلومات المتاحة، والمضاربون من جانبهم يستغلون هذه الاختلالات، ولذلك غالبًا ما تجد في هذه الأسواق قولاً شائعًا بين المشاركين فيه مفاده: "لا نعرف لماذا ارتفع السوق أو لماذا انحدر."

 

- النصائح والشائعات والأخبار المسربة، هذه هي الأشياء التي تشجع الكثيرين على المضاربة. على سبيل المثال، تسمع من أحدهم أن الشركة "س" ستعلن عن أرباح أعلى من المتوقع، فتقوم فوراً بشراء السهم قبل أن تعلن الشركة عن أرباحها على أمل تحقيق ربح سريع مستفيدًا من الارتفاع المتوقع لسعر السهم.

 

- بعض الناس يقارنون المضاربة بالقمار، وعلى الرغم من أن هذا قد يكون صحيحاً بعض الشيء إلا أن هناك في الأخير اختلافا بين الاثنين. فكون أن الشخص نشط بمجال المضاربة، لا يعني هذا أنه متهوراً، ففي النهاية – وعلى عكس القمار – نادراً ما يخسر المضارب فوراً رأس ماله الاستثماري بالكامل إذا خابت توقعاته.

 


- المضاربة مثل المشي على الحبل، والنشطون بها لا يهتمون مثل المستثمرين بأداء الشركة على المدى الطويل، بل ينصب تركيزهم الرئيسي على الاستفادة من التغيرات المفاجئة الأسعار، والخروج من الصفقة بأسرع وقت ممكن لدخول أخرى.

 

- المخاطر التي تكتنف عملية المضاربة قد تكون مضاعفة، إذا استعان المضارب بالرافعة المالية من خلال الشراء بالهامش. وهذا يعني حصول المضارب على قرض من أحد الوسطاء للمشاركة في صفقة تفوق إمكانياته المالية، ولكن إذا خانه حظه وخابت توقعاته، يخسر أمواله وأموالا لا يملكها، ويصبح مدينًا في لحظة.

 

- على سبيل المثال، لنفترض أنك اقترضت 100 ألف ريال بغرض شراء أسهم قيمتها 200 ألف ريال. إذا لم تمض الأمور على نحو جيد وخسرت رهانك وانخفض سعر السهم بنسبة 50%، فقد خسرت أموالك كلها، وأصبحت مديناً برسوم الفائدة، أي أنك خسرت أكثر من 100 ألف ريال.

 

الاستثمار .. الثبات وبعد النظر

 

- على عكس المضارب، يركز المستثمر على المدى الطويل، ويسعى جاهداً لتحقيق عوائد معتدلة. ونتيجة لذلك، تتميز محافظ المستثمرين بمخاطر متوسطة أو أقل من متوسطة، وعادة ما يحتفظ المستثمر بحيازاته حتى في أثناء فترات التقلبات، وذلك إذا لم يتأثر التحليل الأساسي لتلك الاستثمارات.

 

- بعبارة أخرى، تقلبات الأسعار في المدى القصير لا تغري المستثمرين وتحفزهم على التداول كما يفعل المضاربون. وبما أن المستثمرين يركزون على المنفعة طويلة الأجل، فإن انخفاض الأسعار يمكن أن يحفزهم على اقتناص الأسهم التي يعتقدون أنها مقيمة بأقل من قيمتها، وتمتلك أسياسيات قوية.

 

- على سبيل المثال، إذا أشارت تحليلات المستثمر لبيانات الشركة "س" التي يتم تداول سهمها عند 56 ريالاً إلى أن القيمة العادلة للسهم تساوي 80 ريالاً، يقوم المستثمر فوراً باقتناص السهم والاحتفاظ به. هؤلاء يتخذون قراراتهم بناء على بيانات واقعية ولا يسمحون لمشاعرهم بالتأثير عليهم.

 

- هذا يقودنا إلى جدال شهير يشير أصحابه إلى أن الأساسيات المالية للشركات لا علاقة لها بسعر السهم. وهذا في الحقيقة كلام خاطئ تماماً ولا يمكن أن يكون صحيحاً إلا في حالة واحدة وهي: وجود تلاعب في الخفاء.

 

- إذا لم تكن الأساسيات مهمة، ماذا لو قررت إحدى شركات البتروكيماويات التوقف مثلًا عن بيع منتج مثل المغذيات الزراعية؟ كم من الوقت تعتقد أن سهم هذه الشركة سيبقى عند مستواه الحالي؟ ماذا سيحدث لتلك الشركة التي توقفت مثلاً عن سداد مورديها؟ الأساسيات مهمة، ولا يحرك السهم على المدى الطويل سواها.

 


- المستثمر يبحث بعناية في أساسيات الشركة المستهدفة، مثل مركزها المالي وحصتها السوقية وكفاءة إدارتها، وعلى عكس المضارب، يأخذ المستثمر وقته ولا يتسرع في الدخول أو الخروج من الاستثمار، ويهتم بتنويع محفظته بغرض تقليل المخاطرة.

 

- المستثمرون المشهورون، مثل "وارن بافيت" عادة ما يحتفظون بأسهم الشركات لعدة عقود، ويتجنبون الصناعات شديدة التقلب، ويمتنعون عن التداول بناء على الإشاعات، ويستثمرون فقط في القطاعات التي يفهمونها جيداً، وبما أنهم يدركون أن الشراء بالهامش ينطوي على مخاطر كبيرة، ويمكن أن يصبح مكلفاً بمرور الوقت، فعادة ما يمولون صفقاتهم نقداً.

 

- إذا كنت تبحث عن نهج أكثر استقرارا وحذرا لبناء الثروة، فيمكن أن يكون الاستثمار خياراً مناسباً لك أكثر من المضاربة، والتي بدأت في السنوات الأخيرة تقع في حجر المؤسسات الاستثمارية الكبيرة التي تستثمر الكثير في بناء خوارزميات يمكنها التقاط الفرصة من أمامك قبل أن تلاحظ وجودها حتى.

 

خطورة المضاربة .. سوق الأسهم السعودي - فبراير 2006

 

- بعد هجمات سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة، عاد جزء كبير من رأس المال السعودي إلى المملكة، بسبب مخاوف المستثمرين من عدم الاستقرار في الخارج. ونظراً لعدم وجود بدائل استثمارية فعالة في ذلك الوقت، دخل جزء كبير من هذه الأموال إلى سوق الأوراق المالية.

 

- أشارت دراسة أعدها أحد الباحثين بجامعة ساوثرن ميثوديست الأمريكية ونشرتها المجلة الدولية للأعمال والاقتصاد والقانون (IJBEL) بعددها لشهر ديسمبر/كانون الأول 2015، إلى أن عملية التداول بسوق الأسهم السعودي في ذلك الوقت لم تكن خاضعة لرقابة محكمة، وكان هناك قدر كبير من أنشطة المضاربة القانونية وغير القانونية على أسهم بعض الشركات.

 

- تشير الدراسة إلى أن ما حدث في سوق الأسهم السعودي خلال الفترة التي سبقت انهيار 2006، كان إلى حد كبير بسبب المضاربة، فقد كان أداء الشركة هو آخر شيء يمكنه أن يؤثر على سعر سهمها، لافتة إلى أن بعضا من أسوأ الشركات أداءً خلال عامي 2005 و2006، كانت قيمتها السوقية من بين الأعلى في السوق.

 


- كانت هناك عوامل أخرى أدت إلى زيادة الأسعار بشكل مصطنع، من بينها النمو السريع للسيولة المحلية، والإقبال الشعبي غير المسبوق على سوق الأسهم، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية بغض النظر عن البيانات المالية للشركات. وفي الواقع، تمكنت بعض الشركات من استخدام احتياطياتها الرأسمالية في إخفاء خسائرها التشغيلية.

 

- سيطرت المضاربة والمضاربة المضادة على السوق، وقام كبار المضاربين بشراء أعداد كبيرة من الأسهم المقيمة أصلاً بأعلى من قيمتها، لتعظيم عائدهم، لأن السوق كان يتحرك في اتجاه واحد وهو: إلى الأعلى. وهكذا تشكلت الفقاعة.

 

- في الرابع عشر من فبراير/شباط 2006، أي قبل 9 أيام من انهيار السوق، طلب مجلس هيئة السوق المالية السعودية من أحد الأقسام التابعة للهيئة تسريع إجراءات التحقيق في أنشطة عدد من المتداولين. وجاء هذا الطلب بعدما أظهرت بيانات التداول زيادات غير طبيعية في المضاربة من قبل المتداولين، خلال فترة قصيرة لا تزيد على بضعة أسابيع.

 

- أشار مجلس الهيئة في ذلك الوقت إلى أن هذه الأنشطة أثرت بشكل غير ملائم على أسعار أسهم بعض الشركات المدرجة، رغم أن هذه الشركات لم تكشف عن أي معلومات تبرر هذه المستويات المرتفعة. وقد هددت هذه الأنشطة سلامة السوق، وساهمت في إلحاق الأذى بالمستثمرين، ولاسيما صغارهم.

 


- الكارثة، هي أن الكثير من المستثمرين الأفراد حديثي العهد بسوق الأسهم في ذلك الوقت كانوا يجهلون إلى حد كبير أساسيات مهمة حول الاستثمار بالأسهم واستراتيجيته. ما حدث في الواقع، هو أن الجميع باختلاف مستوياتهم التعليمية دخلوا مرة واحدة إلى السوق بحثاً عن فرصة لكسب المال، دون أن يعرفوا حقاً كيفية الاستثمار.

 

- النقطة الأهم بحسب الدراسة، هي أنه رغم الارتفاعات الجنونية التي شهدها السوق السعودي خلال الفترة التي سبقت تحطمه في فبراير/شباط 2006 لم يكن هناك تحذير حقيقي بشأن انهيار وشيك، وذلك ربما لأن الكثير من الكتاب في ذلك الوقت كانوا يفتقرون إلى الخبرة المالية، والفهم الجيد لطبيعة عمل سوق الأسهم.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة