نبض أرقام
08:53 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

هل تتخلص أوروبا من "جنوبها الفقير"؟

2018/06/01 أرقام - خاص

عانت دول جنوب أوروبا من صعوبات اقتصادية جمة، اضطرت دول مثل اليونان وقبرص والبرتغال للتوصل إلى اتفاقيات مالية صارمة مع الاتحاد الأوروبي بغرض "إصلاح الاقتصاد" وجعله متوائما مع اقتصاد منطقة اليورو، وحصلت تلك الدول في المقابل على مليارات الدولارات على هيئة حزم إنقاذ عاجلة من الاتحاد الأوروبي نفسه ومن دوله الثرية –ولا سيما ألمانيا.

 

 

وعلى الرغم من أن الوضع في دول مثل إسبانيا وإيطاليا في المنطقة نفسها لم يكن بمثل القتامة التي كان عليها في اليونان والبرتغال وقبرص، إلا أن إسبانيا توصلت لاتفاقيات "أقل حدة" في شروطها مع الاتحاد الأوروبي، حيث لم تكن وصلت لمرحلة الإفلاس التام، بينما تخضع إيطاليا لضغوط مستمرة لتعديل سياساتها الاقتصادية تماشيًا مع معايير الاتحاد الأوروبي.

 

أزمات تتفاقم

 

وعلى الرغم من مرور سنوات على "أزمة الديون السيادية" إلا أنها لا تزال بادية في الأفق في انقسام بين شقي أوروبا الغني شمالًا والأقل غنى (الفقير) جنوبًا، خاصة في ظل تزايد التململ في أوروبا الغنية حول "تحمل" أوروبا الفقيرة اقتصاديًا من أجل البقاء في اتحاد واحد.

 

وأحدث التداعيات التي أثارت حفيظة أوروبا الغنية، هو ما كشفته مجلة "إيكونوميست" عن استمرار أزمة الديون في الاستفحال في جنوب أوروبا، فدولة مثل اليونان تصل بها نسبة الديون "المتعثرة" (المشكوك بها إلى معدومة محاسبيًا) إلى 45%، وعلى الرغم من أن النسبة تقل في إيطاليا إلى 11% إلا أنها تبقى أعلى بمراحل من دول أوروبا الغربية والشمالية.

 

وتشير مجلة "فورتشن" إلى أن القلق في الدول الأغنى من انهيار مفاجئ للبنوك في جنوب أوروبا، بما يفرض على الدول الأكثر ثراء خيارين أحلاهما مر، إما الاستمرار في دعم دول أوروبا الجنوبية بمبالغ جديدة في ظل غضب شعبي في الدول الغنية من عواقب الاندماج مع الدول الأفقر، أو تدمير منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي بشكل شبه كامل بما لذلك من تداعيات اقتصادية وجيوسياسية كبيرة.

 

والتخوف الأكبر هنا لدى "أوروبا الغنية" في أن غالبية السياسيين الذين وصلوا إلى سدة الحكم خلال الأعوام الأخيرة في دول جنوب أوروبا يعدون بتجنب برامج التقشف الاقتصادي الصارمة، سعيًا لجذب الأصوات اللازمة للفوز بالانتخابات، بما يجعل القائمين على سدة الحكم غير مستعدين لتحمل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلدانهم ويسعون باستمرار لتحميلها لأوروبا الغنية.

 

خطر الدين العام

 

وترى "نيويورك تايمز" أن الأزمة الحقيقية تكمن في تصاعد اليمين في العديد من الدول الأوروبية الغنية، ومن بينها النمسا وسويسرا على سبيل المثال، حيث إن اليمين الأوروبي في تلك الدول لا يرغب في إنفاق المزيد على دول أوروبا الأفقر، ويتبنى سياسات ذات صيغة انعزالية بعض الشيء.

 

 

وما قد يفاقم حقيقة تلك الأزمة أن دولة مثل إيطاليا يبلغ الدين العام فيها ما نسبته 132% من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لوكالة الإحصاءات "يوروستات"، بينما يبلغ 180% في اليونان، بما يعكس استفحال غرقها في مستنقع الديون ولن يكون بوسعها مساعدة قطاعها البنكي حال انهياره.

 

ولمعرفة حجم الاختلال الهيكلي داخل الاقتصاد الأوروبي يكفي معرفة أن حجم الدين العام للاقتصاد الألماني يبلغ 68% فقط، وذلك على الرغم من أنه يعد الأكبر في القارة العجوز بل ويتحمل كثيرًا تبعات اعتباره "قاطرة النمو والدفع" للاتحاد الأوروبي كله.

 

ووفقًا لموقع "ذا بالنس" فإن الأزمة الأخطر التي تلوح في الأفق هي تدني معدلات النمو في دول جنوب أوروبا، ولا سيما إيطاليا بنسبة 0.9%، واليونان بنسبة نمو 0.0%، بينما نسبة النمو في ألمانيا على سبيل المثال 1.9% على الرغم من أن الاقتصاد الألماني مصنف على أنه من الأكثر نموًا في العالم بما يجعل معدلات النمو تقليديًا أقل من غيرها.

 

وتزيد نسب النمو المتدنية في تلك الدول من استمرار الفجوة الاقتصادية في الاتساع بين شقي أوروبا الغني الشمالي والفقير الجنوبي، لا سيما في ظل التحذيرات المتواصلة في الدول الاسكندنافية وألمانيا خاصة من تدفق كثيف للعمالة الجنوبية في ظل فتح الحدود داخل الاتحاد الأوروبي.

 

الشرق "البديل"

 

والأزمة التي تهدد استمرار "التفهم" الشمالي لجنوب أوروبا ما كشفته وكالة رويترز عن حقيقة أن فجوة الدخول مع دول أوروبا الشرقية المنضمة للاتحاد الأوروبي ضاقت كثيرًا خلال الأعوام الأخيرة، بزيادة في الدخل القومي بين عامي 1999-2016 بلغت 200% بينما لم تتعد الزيادة في أوروبا الغربية 50% بما يطمئن أوروبا الغربية على مستقبل الوحدة مع الشرقيين.

 

وعلى العكس من الشرق فإن دول الجنوب لم تنم إلا بنسب لا تتعدى 10% في حالة البرتغال منذ عام 2010، بينما تراجع الاقتصاد اليوناني بنسبة 7% ونما اقتصاد إيطاليا بنسبة 6%.

 

 

ومع تزايد التهديدات الاقتصادية القادمة من جنوب أوروبا لدولها الشمالية الغنية فإن التساؤل يبقى مطروحًا حول مدى استمرار الأخيرة في دعم "الجنوب الفقير"، لا سيما في ظل ما توفره دول الشرق من بديل، حتى أن بعض الأطروحات بدأت تظهر في مراكز التفكير الاستراتيجي بالتعامل مع دول جنوب القارة بنفس المنطق الذي يتم التعامل به مع دول جنوب المتوسط وشمال إفريقيا: تقديم دعم اقتصادي لتلافي مشاكل الهجرة والإرهاب فحسب.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.