نبض أرقام
01:03
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

صراع الأمريكيين مع الفرنسيين على نفط الجزائر .. دور التفوق التكنولوجي في ترجيح الكفة؟

2018/06/08 أرقام - خاص

في الثاني والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 1956، قامت القوات الجوية الفرنسية بدعم من الأجهزة الاستخباراتية وعدد من أعضاء حكومة رئيس الوزراء الفرنسي "جاي موليت" باختطاف طائرة مغربية كانت تقل 4 من القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطني الجزائرية، بينما كانت في طريقها من الرباط إلى تونس، حيث كان من المتوقع أن يلتقي الأربعة بالرئيس التونسي "حبيب بورقيبة".

 

تم إجبار الطائرة على الهبوط في العاصمة الجزائرية، قبل أن يتم القبض على ركابها. وبعد فترة وجيزة من الاعتقال، أشارت الصحافة الفرنسية إلى أن الوثائق التي تمت مصادرتها من المعتقلين كشف بعضها عن أن شركات النفط الأمريكية بزعامة "ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا" و"ستاندرد أويل أوف نيويورك" و"تكساكو" مولت الجبهة مقابل وعد بالحصول على حقوق التنقيب عن النفط والغاز بمجرد أن تحقق الجزائر استقلالها عن فرنسا.

 

 

أهمية هذه الحادثة تكمن في أنها أوضحت لأول مرة أن معركة الاستقلال الجزائرية لم تكن مجرد صراع عسكري سياسي محلي بين الجزائريين أصحاب الأرض من جهة والاحتلال الفرنسي من جهة أخرى كما يتم تصوير الأمر في الأدب الشعبي والتاريخي، ولكنها كانت قضية تورطت فيها قوى عالمية كبيرة كان غرضها الأول هو السيطرة على ثروات البلاد من النفط والغاز.

 

كل الكتابات التاريخية تقريباً التي تناولت حرب الاستقلال الجزائرية (1954-1962) مالت للتركيز على الجوانب العسكرية والسياسية الدبلوماسية والثقافية للصراع، وبشكل غريب تم إهمال موضوع غاية في الأهمية، وهو: الصراع على موارد الطاقة الجزائرية.

 

فرنسا .. لا ترغب في المشاركة

 

- في وقت مبكر من الحرب الباردة، كان التنقيب عن النفط والغاز في باطن الأراضي الجزائرية مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي الفرنسي، حيث كانت الصحراء الجزائرية إحدى المناطق التي سعت فرنسا إلى تطويرها نفطياً بغرض تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة عن الشركات الأنجلوأمريكية.

 

- في ذلك الوقت، كانت شركات النفط العالمية الكبرى مثل "ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي" و"ستاندرد أويل أوف نيويورك" و"تكساكو" و شركة النفط الأنجلو-إيرانية و"رويال داتش شل" تفرض سيطرتها شبه التامة بالفعل على أسواق إنتاج وتوزيع النفط في الأراضي الفرنسية.

 

- في عام 1954، تم اكتشاف أول حقل غاز جاف في الصحراء الجزائرية من قبل شركة تدعى "CREPS" – مشروع مشترك بين "شل" والوكالة الفرنسية للتنقيب عن النفط – وتوالت الاكتشافات الكبرى في الفترة ما بين عامي 1956 و1957.

 

- تسببت هذه الاكتشافات في اشتعال المواجهة بين عدد من الدول التي كانت تسعى هي الأخرى للسيطرة على موارد المنطقة، وهو ما رأت فرنسا أنه يضع أمنها الطاقي في خطر، وخصوصاً بعد أن اكتشفت أجهزتها الاستخباراتية في عام 1958 أن شركات النفط الأوروبية واليابانية كانت تحاول في الخفاء التفاوض مع الجزائريين مباشرة، متجاوزة الحكومة الفرنسية المسيطرة على أرض الواقع.

 


- طوال القرن العشرين وإلى أن تم الإعلان عن أول اكتشاف نفطي في شمال إفريقيا في عام 1956، كانت عمليات الشركات الأمريكية تتركز في مناطق أخرى بالعالم مثل الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية، وهي المناطق التي وجدوا فيها بالفعل أو كانوا واثقين من وجود النفط في باطن أراضيها.

 

- غياب الأمريكيين حتى ذلك الوقت عن الصحراء الجزائرية كان يرجع لسببين: الأول هو القيود المفروضة من قبل مكتب بحوث البترول الفرنسي (BRP) والتي كانت تجبر الشركات الأجنبية على أن تكون مساهمي أقلية في المشاريع المشتركة مع فرنسا، والشركات الأمريكية الكبرى لطالما اعتادت على فرض سيطرتها على أنشطة التشغيل، ولم تكن لتقبل بذلك.

 

- أما السبب الثاني، فهو الظروف الصعبة للتنقيب عن النفط والغاز في الصحراء الجزائرية المعقدة جيولوجياً، وهو ما يعني أن تكلفة العمليات في تلك المنطقة ستكون مرتفعة مقارنة مع غيرها، وذلك بحسب ما أشار إليه "روبرتو كانتوني" في دراسة له تحت عنوان "العدو تحت الأرض: الاستخبارات الجيواستراتيجية والحرب في الجزائر".

 

حرب استخباراتية

 

- بحلول عام 1952، وضعت الحكومة الأمريكية بقيادة الرئيس "هاري ترومان" – والذي كان يستعد لمغادرة منصبه في نهاية ذلك العام – أنشطة التنقيب الفرنسية في الجزائر تحت المراقبة. وباطراد زادت أهمية الأمر في التقارير السياسية والاقتصادية التي كانت ترسلها القنصلية الأمريكية في الجزائر إلى وزارة الخارجية.

 

- في بريطانيا، أصدرت الحكومة تعليماتها إلى عملائها الاستخباراتيين في الخارج بالعمل على معرفة طبيعة ما يفعله الفرنسيون في الصحراء الجزائرية. وبالفعل تمكنت السفارة البريطانية في باريس من معرفة معلومات مفصلة حول خطط التنمية الخمسية الخاصة بمعهد بحوث البترول الفرنسي.

 

- مع استمرار الأمريكيين والبريطانيين في إطلاق أذرعهما الاستخباراتية، أدركت الحكومة الفرنسية أنها في حاجة إلى زيادة جهودها التنموية والإسراع من أجل إيجاد النفط في أقرب وقت. ولكن عقبة ظهرت في طريق الفرنسيين، وهي افتقارهم إلى الموارد التكنولوجية والمالية اللازمة للمضي في هذا الاتجاه.

 


- كان أمام الفرنسيين خياران: الأول هو السماح للشركات الأمريكية والبريطانية بالدخول إلى الصحراء الجزائرية، وبالتالي الحصول منهم على الدعم التقني والمعرفة التكنولوجية بالإضافة إلى الموارد المالية، في مقابل تخليهم عن شرط الانفراد بالتشغيل.

 

- أما الخيار الثاني فهو الاستمرار بشكل مستقل والحفاظ على السيطرة الفرنسية على المنطقة، ولكن هذا يعني تحمل فرنسا وحدها لعبء جهود ضخمة قد تستمر لعدة سنوات وقد تسفر في النهاية عن اللاشيء. وكان الخيار الأخير محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً وأن فرنسا كانت تعاني من تضخم شديد في ذلك الوقت.

 

- لكن الفرنسيين اختاروا الخيار الثالث! اتبعت الشركات الفرنسية استراتيجية غريبة تمثلت في إعطاء الشركات الأمريكية تنازلات في فرنسا مقابل تدريب الفنيين الفرنسيين وتزويدها بالمعدات اللازمة. ببساطة، رأت فرنسا أن سيطرة الأمريكيين على قطاعها النفطي الخاص أقل تهديداً لمصالحها مقارنة مع سماحها لهم بالدخول إلى القطاع النفطي الجزائري.

 

- رغم غرابتها، إلا أن هذه الاستراتيجية أثمرت بالفعل. في العام 1956 كشفت بيانات المسوحات الجيولوجية عن معلومات مبهجة للحكومة الفرنسية، حيث رجح الخبراء أن الموارد القابعة في باطن الصحراء الجزائرية قادرة على تغطية ربع احتياجات فرنسا بداية من عام 1959، ومساعدتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة في غضون 15 عاماً.

 

هيمنة التكنولوجيا الأمريكية

 

- بفضل تشريع قانوني تم إعداده بعناية، شكل رأس المال الفرنسي حصة الأسد في حقول النفط الجزائرية، حيث بلغ ما يقرب من 80% من الإجمالي. وتوقعت الحكومات الفرنسية المتعاقبة أن تسهم إيرادات الموارد الجزائرية المكتشفة حديثاً في المساهمة بشكل كبير في الاستثمار بالمجال الصناعي الفرنسي وتخفيف حدة الفقر الذي تفاقم في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

 

- لكن الأمريكيين والبريطانيين لم يستسلموا. بحلول يونيو/تموز 1958، ازدادت بشكل ملحوظ أنشطة جمع المعلومات العلمية حول الصحراء الجزائرية من قبل واشنطن ولندن، وكان هناك 15 طاقماً متخصصا بالمسح الجيوفيزيائي يعملون بالصحراء الجزائرية.

 

- الأمريكيون كان بإمكانهم استغلال تفوقهم التكنولوجي في صناعة معدات التنقيب عن النفط كوسيلة لابتزاز الفرنسيين والحصول على ما يرغبون به، وهو ما حدث فعلاً.

 


- أشار تقرير سري كشفت عنه مصلحة الوثائق الخارجية ومكافحة التجسس الفرنسية (SDECE) إلى أن ممثلين عن عدد من شركات النفط البريطانية التقوا في ديسمبر/كانون الأول 1957 بمسؤولين في بنك "تشيس" الأمريكي (الممثل الرئيسي لـ"ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي") وأعرب الأمريكيون خلال الاجتماع عن استعدادهم لابتزاز فرنسا عن طريق منع تصدير معدات التنقيب إليها في حال تم استبعاد "ستاندرد أويل" من المشاركة في التنقيب عن النفط الجزائري.

 

- في نهاية المطاف، وبفضل الهيمنة التكنولوجية للأمريكيين، دخلت "بي بي" البريطانية إلى الجزائر في صيف عام 1958، وبحلول نهاية عام 1960، وصل عدد الشركات الأجنبية العاملة في الصحراء الجزائرية إلى أكثر من 30 شركة، معظمها كانت أمريكية.

 

- الصحراء الجزائرية لم تكن أبداً مجرد مسرح للصراع العسكري بين الفرنسسين والجزائريين، بل كانت هناك حرب سرية خاضتها عدة أطراف دولية بدعم من شركاتها وحكوماتها وأجهزتها الاستخباراتية على موارد الطاقة الجزائرية، وفي النهاية كان التفوق الواضح لأولئك الذين يمتلكون المعرفة والدراية التكنولوجية اللازمة.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة