أثارت الأزمة المالية العالمية عام 2008 حنق الكثيرين بسبب الطريقة التي تدخلت بها الحكومات لإنقاذ الشركات المتعثرة، حيث اعتبروا أنه كان ينبغي ترك هؤلاء الذين أفرطوا في المغامرة برؤوس أموالهم للمعاناة وليس إنقاذ حفنة من الأثرياء على حساب دافعي الضرائب من الفقراء وحتى الأغنياء ممن لم يفرطوا في المغامرة المالية بلا حساب.
إنقاذ الرأسمالية وليس الشركات
غير أن الكاتب "إريك بوزنر" يختلف مع هؤلاء في كتابه "الملجأ الأخير: مستقبل عمليات الإنقاذ"، وهو أحد أكثر الكتب مبيعًا حتى الآن في عام 2018، حيث يرى أن تدخل الحكومات لم يكن بهدف إنقاذ تلك الشركات المتعثرة، بل هدف أولًا إلى إنقاذ النظام الرأسمالي بأكمله، وعلى رأسه هؤلاء الفقراء من دافعي الضرائب.
ففي حالة إذا ما عجزت عشرات –وربما أكثر- الشركات عن سداد ديونها في وقت واحد فإن البنوك ستقوم بخطوتها التقليدية وهي الحجز على أصول تلك الشركات وبيعها لتتمكن من تحصيل المديونيات، وفي ظل عمليات بيع مكثفة وعجز مالي لدى الشركات الكبيرة فإنه لن يوجد أحد قادر على شراء تلك الأصول، مما سيعني بيعها بثمن بخس ربما لقلة محدودة للغاية تتمكن من توفير ثمن تلك الأصول في ظل عجز البقية عن ذلك.
وسيؤدي ذلك إلى نتيجتين بطبيعة الحال: الأولى هو عجز البنوك عن الحصول على ما تستحقه من مديونيات في ظل بيع الأصول بأسعار زهيدة، مما سيؤثر على المواقف المالية لتلك البنوك وقد يهددها بالإفلاس هي الأخرى، والثانية هي تركز تلك الأصول في أيدي قلة من "الناجين" من الأزمة المالية الذين يستطيعون توفير الموارد لشراء الأصول بما يمهد لمرحلة من الاحتكار الشديد.
لذا فيعتبر "بوزنر" أن ما فعلته الحكومات بإنقاذ الشركات المتعثرة كان بمثابة حماية للنظام المالي وربما الاقتصادي كله من الانهيار، بما كان سيؤثر بالسلب على الأغنياء والفقراء على حد سواء، ويجعل خطط الإنقاذ مفيدة للجميع وتحمي استثماراتهم أو مدخراتهم أو حتى قيمة ما يتلقونه من رواتب وأجور.
الفقاعة العقارية.. على من يقع اللوم؟
على الرغم من أن "الفقاعة العقارية" كان لها التأثير الأعظم في الأزمة المالية، إلا أنه لا يجب إلقاء اللوم هنا فقط على البنوك وشركات التمويل العقاري في انفجار الأزمة، حيث إن "العامل النفسي" في شراء تلك الأصول يكون له دور كبير في زيادة الإقبال عليها مما يسهم في ارتفاع أسعارها.
ويشير "بوزنر" إلى أنه على الرغم من التحذيرات التي ملأت الدنيا قبل الأزمة المالية بعامين من أن أسواق العقارات بها درجة كبيرة من "التضخم غير المبرر" إلا أنها استمرت في النمو، ليبدو أن نموها المفرط كان خطأ المتعاملين في السوق والبنوك والخبراء، كل على حد سواء.
وعلى الرغم من تبريره وتأييده لعمليات الإنقاذ المالي للقطاعات الاقتصادية المتعثرة إلا أن "بوزنر" يؤكد على أن اللجوء لخطط الإنقاذ الحكومي يجب أن يكون "الملجأ الأخير" لها، لأنه إذا اعتادت على أن تخرجها الحكومات من أزماتها فستتصرف بشكل "لا مسؤول" مما يعني أزمات متلاحقة قد تؤثر على قدرة الحكومات على التدخل لحلها.
التدخل "المقبول والمطلوب"
ويجب إدراك أنه من دور الحكومات الرئيسي العمل على استقرار الأسواق وعدم السماح بانهيارها، وأنه منذ نقض نظرية "دعه يعمل دعه يمر" وفكرة الاقتصاد الحر تمامًا أصبحت من الماضي، وصار تدخل الدولة للحفاظ على التوازن أمرا مقبولا بل هو مطلوب في كثير من الأحيان.
ويرى "بوزنر" أن المستقبل سيحمل العديد من اللحظات التي ستحتاج فيها الحكومات التدخل بخطط إنقاذ ربما تفوق حتى خطط الإنقاذ السابقة بسبب توسع مجالات الاقتصاد وتشعبها الشديد، وشمولها على الكثير من مجالات الخدمات والاقتصاد "غير الحقيقي".
ويجب على الجميع أن يعلموا –وفقا لـ"بوزنر"- أنه إذا لم تتدخل الحكومات فإن انهيارات كبيرة ستحدث في أسواق كثيرة على مستوى العالم، ويكفي تصور مشهد تتراجع فيه السوق التكنولوجية في الولايات المتحدة وتعاني ضائقة مالية لتخيل تأثير ذلك على سوق هو الأضخم في العالم حاليًا أولًا، ثم على الولايات المتحدة نفسها.
ويختتم "بوزنر" كتابه بأنه على الجميع إدراك أن "الأسوأ لم يأت بعد" بالنسبة للأزمات المالية، وأن بعضها قد يحتاج لتضافر جهود دول عدة للنجاة منها دون التسبب في انهيارات كارثية للأسواق العالمية، وأن من أغضبهم حزم الإنقاذ السابقة عليهم أن يستعدوا لموجات أشد من الغضب ذاته ستكون في انتظارهم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}