تشكو الكثير من الدول من تحملها لعبء اللاجئين بشكل أكبر من غيرها واستقبالها لعدد كبير بما يولد تحديات اجتماعية وسياسية واقتصادية بل وأمنية من خلال تواجد أعداد كبيرة نسبيا من الأشخاص الذين يختلفون مع نسيج المجتمع وربما لا يتحدثون لغته ولا يقبلون عاداته.
اللاجئون وسوق العمل
وعلى الرغم من أن لاستقبال دولة ما للاجئين على أراضيها آثارا سلبية لا يمكن إنكارها من كافة الوجوه إلا أن لها نواحي إيجابية أيضا بطبيعة الحال.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن الدولة تضطر لتحمل إقامة وإعاشة أعداد كبيرة من الذين يدخلون حدودها بشكل مفاجئ بما يخلق ضغوطا متنامية على الموارد المحلية كما يقوض قدرة موازنة الدولة على الوفاء بالتزاماتها في ظل المصروفات الطارئة التي تظهر لتقيد أوجه الإنفاق.
ولعل التخوف الاقتصادي الأول في الدول التي تستقبل اللاجئين من تأثير هؤلاء السلبي على سوق العمل، في ظل قبولهم بالوظائف بأجور متدنية بما ينعكس على فقدان الكثيرين من أهل البلد لوظائفهم، لا سيما في الوظائف في أسفل السلم المهني، فضلًا عن تراجع معدل الأجور بشكل عام.
غير أن دراسة لجامعة "بوسطن" الأمريكية أشارت إلى أن فقدان الوظائف من عدمه يتوقف على حالة الاقتصاد بشكل كبير، فعلى سبيل المثال فإن ألمانيا لم تتضرر من ناحية مستويات التوظيف رغم الأعداد الهائلة التي استقبلتها برلين من اللاجئين بسبب حقيقة أن سوق العمل كان في حاجة إلى الأعداد التي تسربت إليه من اللاجئين لتلتحق بصفوف العمال.
وتضيف الدراسة أن الأجور في القطاعات التي تعتمد على القوة البدنية والوظائف "الأقل مهارة" لم تتراجع إلا بنسبة 2% فحسب، بما في ذلك وظائف مثل عمال النظافة، بل واستفاد بعض الألمان من برامج إعادة تأهيل للانتقال لوظائف أفضل وأعلى أجرًا في ظل شغل اللاجئين للوظائف الأقل دخلًا.
اللاجئ.. عالة أم منتج
وتشير إحصائية لصندوق النقد الدولي إلى أنه خلال الأشهر الأولى للاجئين فإنهم لا يقبلون على الوظائف ويعتمدون على المساعدات، غير أنه خلال 5 أعوام فحسب من اللجوء فإن أكثر من 85% يكونون قد التحقوا بقوة العمل في البلد الذي وصلوا إليه، وبدأوا في التحول من عالة على البلد المضيف إلى مساهم في الإنتاج ودافع للضرائب.
فعلى الرغم من عدم وجود بيانات دقيقة لعدد اللاجئين الذين التحقوا بأسواق العمل في ألمانيا والاتحاد الأوروبي بسبب عملهم بصورة غير مشروعة، إلا أن التقديرات تشير إلى أنهم يساهمون بحوالي 0.5% و0.25% من الناتج المحلي هناك على التوالي، على الرغم من أن أغلبهم تدفقوا على البلاد خلال السنوات الأربع السابقة فحسب.
وتشير مجلة "إيكونوميست" إلى أن الصورة الذهنية تغيرت كثيرًا مع "اللاجئين الجدد" لا سيما من دول مثل سوريا وإثيوبيا وجنوب السودان، حيث إن إنتاجية هؤلاء كثيرًا ما تتفوق على أبناء البلد الأصليين، كما أن غالبيتهم من العمالة الماهرة إلى حد بعيد.
وأثبتت دراسة لمركز الأبحاث الاقتصادية القومي الأمريكي أن المهاجرين في الولايات المتحدة كلفوا البلاد بما متوسطه 15 ألف دولار لكي يستقروا تمامًا في البلاد من الفترة من 1990-2016، غير أنهم في نفس الوقت أمدوا الضرائب بـ21 ألف دولار أكثر مما أنفق عليهم مع أخذ معدلات التضخم والفائدة في الاعتبار، ونسبة ما دفعوه من ضرائب مقارنة بالمواطنين العاديين.
ووجدت دراسة أخرى نشرتها صحيفة "إندبندنت" أن من المهاجرين الذين يصلون إلى بلدان الملجأ في سن مبكرة سرعان ما ينسجمون في مجتمعاتهم الجديدة، حتى أن هؤلاء الذين وصلوا في الرابعة عشر عاما من عمرهم أو أصغر من ذلك تمكنوا من تحقيق نفس المعدلات الدراسية لنظرائهم المواطنين في الولايات المتحدة الأمريكية.
جيل لاجئين جديد
وتشير الدراسة إلى أنه بعد 9 سنوات من وصولهم إلى مستقرهم يبدأ منحنى غالبية المهاجرين في التحول من منحنى سلبي إلى إيجابي من الناحية الاقتصادية، وترى دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي أن هذه السنوات ستقل كثيرًا مع الجيل الحالي من اللاجئين الذي يتميز بصغر أعماره وبالمهارة النسبية عن الجيل الذي سبقه من اللاجئين (بمعدلات أعمار غالبيتها في العشرينيات وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين).
فالجيل الجديد من اللاجئين لديه فكرة جيدة للغاية عن طبيعة المعيشة في الغرب ويستطيع التكيف بصورة أسرع مع العوامل الاجتماعية والثقافية كما أن كثيرا منهم أكثر تقبلًا لفكرة ضرورة تعلم اللغة بصورة سريعة، وغالبيتهم أيضًا يسعون للتكيف في مجتمعاتهم الجديدة أكثر مما يسعون للعودة إلى بلدانهم الأصلية.
ولعل ذلك هو ما يدفع دولة مثل كندا إلى الترحيب الدائم والمتجدد باللاجئين الذين يسعون باستمرار لمنحهم "الصبغة الكندية" سريعًا كما قال رئيس الوزراء، حيث استنكرت "إندبندنت" إغلاق دونالد ترامب لأبواب بلاده في وجه اللاجئين، مشيرة إلى أن الذي تكون لديه القدرة على الإصرار على الهرب بحياته من حرب أهلية أو اضطهاد عرقي أو فقر مدقع أو غير ذلك لهو جدير بأن تحرص الدولة على استقباله بوصفه من "الأصول" القادرة على الإضافة للدولة وليس عبئا يجب تجنبه.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}