تتعدد الطرق التي يستخدمها القادة الناجحون من أجل "توجيه" من يعملون معهم في الاتجاه الصحيح الذي يحقق أهداف المنشأة أو الشركة أو المنظمة أو الدولة، غير أن ثمة قواسم مشتركة بين من ينجحون في قيادة أية مجموعة لتحقيق الأهداف التي يتطلعون إليها.
السبب الأهم
ويسعى كتاب "ابدأ بـ"لماذا": كيف يلهم القادة العظماء الجميع لكي يتحركوا؟" للكاتب "سيمون سينيك"، إلى الوصول إلى السبب الأهم الذي يجعل بعض القادة والمديرين والزعماء يحققون النجاح بينما يفشل آخرون في ذلك.
ويؤكد "سينيك" أنه كما يظهر من عنوان كتابه فإن أهم شيء أن يصل القائد بإجابة أساسية لكل من يعمل معه "لماذا أفعل ما أفعله وماذا يخدم تحديدًا؟"، مضيفًا أنه في كثير من الأحيان ما يعتبره المديرون مشاركة "الصورة الكبرى" مع معاونيهم والموظفين أمرًا معيبًا لأنه قد يطرح التساؤلات حول مدى جودة هذه الخطة، ولكن في كل الأحوال فإن حصول العاملين على تلك الصورة أفضل من حجبها عنهم.
فالحقيقة النفسية الثابتة أن الناس تتصرف إما للحصول على مكسب أو لتجنب ألم ما (أيًا كان نوع كل منهما)، بما يعني أنه يمكن "دفع" الناس لاتجاه معين أو لأداء عمل معين من خلال سببين هما الأقوى لدى الإنسان بشكل عام: الخوف والإلهام (الحماس).
وعلى الرغم من أن الخوف قد يدفع الناس للعمل بكفاءة لبعض الوقت إلا أن تأثيره لا يدوم طويلًا، كما أن الدراسات أثبتت أنه في كثير من الأحيان ما يتحمل الأشخاص الضغوط وظروف العمل غير المريحة بسبب شعورهم بـ"الانتماء" وليس الخوف وأن الأخير قد يدفعهم في مرحلة ما لمغادرة العمل دون اكتراث لمصيره بينما الانتماء قد يدفعهم للتضحية "سعداء" من أجل مصلحة المؤسسة التي يعملون بها.
الولاء.. "آبل" مثالًا
ويرى "سينيك" أنه للحصول على موظفين (مواطنين، عاملين .. إلخ) يتمتعون بدرجة عالية من الولاء، يجب أن يدرك هؤلاء باستمرار السبب وراء ما يفعلونه، مضيفًا أن أحد أسباب نجاح شركة "آبل" في تسويق منتجاتها للمستهلكين هو تمكنها من إيصال "رسالة الشركة" للمستهلك بما يجعله مستعدًا لشراء منتجاتها الأعلى سعرًا بغض النظر عن عدم اختلافها من حيث الجودة مع منتجات المنافسين الرئيسيين.
وبناء على رؤية "سينيك" فإن هناك ثلاث دوائر متشابكة، أولها دائرة "ماذا" وتعني أن تكون "الرؤية" التي تطرحها الشركة واضحة، والثانية "كيف" وتعني كيفية تحقيق الأهداف وتهتم بالوسائل، والدائرتان قد تكونا معلومتين للموظفين في الكثير من الشركات، بل تحرص الشركة على إيصال تلك المعلومات للخارج في كثير من الأحيان غير أن ما تنقص كثيرا هي دائرة "لماذا" والتي يعلم فيها الموظف دور ما يقوم به تحديدًا في تحقيق الرؤية والمساهمة في الوسائل المؤدية إليها.
وتجعل معرفة المتعاونين بالأسباب التي يؤدون أعمالهم من أجلها يثقون في القائد الذي ينفذون تعليماته، بما يجعلهم أيضًا أكثر استعدادًا للتماشي بسلاسة مع النظام القائم ويسهل من مهمة القادة في تحقيق الأهداف.
تطوير للسؤال .. والإجابة
ومن أجل تحقيق هذا الهدف على المدير أن يعلم التحدي المستمر في إيصال رسالة "لماذا" للمعاونين، الذين قسمهم الكتاب إلى 5 فئات وفقًا لدرجة تجاوبهم مع التغير في رسالة الشركة: المتميزون، سريعو التأقلم، الأغلبية المتأقلمة، الأغلبية المتأخرة، المقاومون. ويرى "سينيك" أن على القائد العمل باستمرار على إيصال الرسائل لـ"المتميزين" و"سريعي التأقلم" بدلًا من إضاعة وقته مع الآخرين في بادئ الأمر بما سيسهل عليه إقناع بقية الفئات.
ويشير "سينيك" إلى تجربة واقعية في مسألة وجود السؤال "لماذا" في العمل القيادي، فسلسلة متاجر التجزئة الأمريكية "وول مارت" كانت منتعشة باستمرار في ظل وجود مديرها السابق "سام والتون"، وذلك لسبب رئيس أنه كان يعلم لماذا تحديدًا يتصرف بشكل معين وكيف يقنع الموظفين بذلك.
أما بعد وفاته فقد فقدت الشركة قائدها الذي استطاع توحيد الجهود جميعها تحت لواء واحد، مما أفقدها تماسكها الداخلي وتعرضت لسلسلة متوالية من الفضائح والتراجع الحاد على كل المستويات بما جعلها مع مرور الوقت تبدو وكأنها "شركة غير الشركة".
ويشدد "سينيك" أنه لا ينبغي إيصال إجابة سؤال "لماذا" للعاملين أو الموظفين مرة واحدة فحسب بل أن يتم تجديد "الدوافع" لهم باستمرار، وأن يتم حثهم على أن يتقدموا باستمرار في طريقة أدائهم للعمل، وحتى في الأعمال الروتينية البسيطة، ينبغي عمل تغييرات من وقت لآخر في الطريقة أو تنقل بين الأقسام وشرح لأهمية التغيير أو التنقل ليبقى "الشغف" الذي يقود العامل والشركة إلى الأمام على حد سواء.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}