شكل الاستثمار في الطاقة تحركًا هامًّا لدعم اقتصاد العالم؛ وذلك منذ اكتشاف الفحم ومساهمته الملموسة في الثورة الصناعية، حتى اكتشاف النفط والغاز الطبيعي والوقود النووي، قبل الصورة الأحدث، وهي الطاقة المتجددة بأشكالها المتعددة، التي تبدو بمنزلة البديل الحالي والمستقبلي للطاقة.
تكلفة استثمارية متغيرة
تشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة إلى أن 40% من إنتاج الطاقة عالميًّا سيكون من مصادر متجددة بحلول عام 2040، لا سيما مع التشريعات التي تساعد الشركات المنتجة للطاقة النظيفة في الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا والسويد، وحتى في دول أخرى مثل كندا؛ حيث إن بعض الدول الأوروبية تخطت نسبة الربع بالفعل من توليد الطاقة من الطاقة المتجددة.
والعقبة الرئيسية التي تواجه التوسع في استخدام الوقود المتجدد، أن تكلفة إنتاجه ومدى جدوى استخدامه اقتصاديًّا، تختلف بطبيعة المكان؛ ففي الوقت الذي تعتبر فيه منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وأجزاء كبيرة من الساحل المتوسطي الجنوبي وغالبية مساحة أنحاء الهند؛ أماكن نموذجية لحصد كمية كبيرة من الطاقة الشمسية بتكلفة معقولة للغاية؛ فشلت شركة "سولر سيتي" الأمريكية في حصد أي أرباح ملموسة من خلال أعمالها. وأرجع موقع "هانتينج فاليو" ذلك إلى اختلاف طبيعة الطقس بين تلك المناطق.
وتبلغ التكلفة الاستثمارية لإنتاج ميجاواط/ساعة باستخدام الطاقة الشمسية 660-980 ألف دولار. والمقصود هنا الاستثمارات المطلوبة لتوليد ميجاوات واحد لمدة ساعة؛ لاختلاف قدرات المحطات الشمسية؛ لذا يتم اتخاذ الميجاواط/ساعة كمعيار.
وتصل التكلفة نفسها في حالة توليد الكهرباء من طاقة الرياح إلى 960 ألف دولار، بما يجعلها في الحالتين تنافسية من الناحية الاقتصادية والاستثمارية مع الوقود الأحفوري الكلاسيكي، في ظل ارتفاع عمر المحطات الشمسية لتوليد الكهرباء إلى 15 عامًا ومحدودية تكلفة التشغيل واستمرار محطات الرياح في العمل لعشرات السنوات شريطة الصيانة الدورية الجيدة.
ويلقي موقع "بيزنيس إنسايدر" الضوء على عدد من الشركات التي أصبحت عمالقة العالم المستقبلي للوقود المتجدد، ومنها "كنديان سولار"، وهي شركة كندية مقرها تورنتو، بعائدات سنوية تتجاوز 3.5 مليار دولار فقط، غير أن تأثيرها يبدو هامًّا؛ بسبب تقديمها نموذجًا لأدوات توليد الطاقة الكهربائية من أشعة الشمس، سيكون قادرًا على تحسين أسلوب توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بدرجة كبيرة.
استثمار للجميع
كما تبرز "إيه بي بي ليمتد"، وهي شركة متعددة الجنسيات تعمل في أكثر من مجال؛ منها الطاقة المتجددة، غير أن الملاحظ أن الشركة التي تقترب قيمتها السوقية من 50 مليار دولار، نمت بفضل استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة بشكل لافت، حتى إن التقديرات تتوقع أنها قد تصبح أكبر شركة عاملة في العالم في هذا المجال مستقبلًا.
وكشفت شبكة "إنفستبيديا" أن الكثير من الشركات أصبحت تتعامل مع الطاقة المتجددة بوصفها استثمارًا لـ"الجميع" في المستقبل، وهو ما دفع شركة مثل "أمازون" للدخول لأول مرة في هذا المجال بإقامة 18 محطة توليد طاقة كهربائية بقوة الرياح قبل عام، قبل أن تقرر الشركة التوسع في مشروعاتها للطاقة المتجددة، فضلًا عن تمويل أبحاث خاصة بها في هذا المجال.
ودخلت شركات أخرى مثل "جوجل" و"آبل" حتى على خط الاستثمار في الطاقة المتجددة، وإن كانت استثمارات محدودة حتى الآن. وبالنسبة إلى عملاق البحث على الإنترنت، اقتصر الأمر على توليد كهرباء لمجموعة جوجل بليكس بالكامل، وإمداد بعض الشركات المجاورة أيضًا بالكهرباء.
وتشير شبكة "فوكس" إلى أن عالم شركات الطاقة المتجددة يبدو –حاليًّا- مثاليًّا؛ فالولايات المتحدة مثلًا تحوي أكثر من 200 شركة متوسطة برؤوس أموال مئات الملايين أو بضعة مليارات من الدولارات تعمل في هذا المجال، بما يعكس حالة كبيرة من اللامركزية، بل إن كثيرًا من القرى والمدن الصغيرة في أوروبا، ولا سيما ألمانيا، بدأت تقيم محطة صغيرة لتوليد الكهرباء بحيث تكتفي ذاتيًّا، وغالبًا ما يكون ذلك مشروعًا يديره شخص واحد أو اثنان على الأكثر.
أحجام أصغر.. معدلات نمو أكبر
غير أن دخول عمالقة التكنولوجيا على الخط في هذه الصناعة، يوحي بأن هذا الوضع لن يستمر طويلًا، مع اكتشاف أنها ليست صناعة جيدة بيئيًّا، لكنها مربحة أيضًا.
وعلى الرغم من أن شركات البترول تفوق مثل تلك الشركات الناشئة كثيرًا؛ حيث تقدر قيمة الإيرادات في عام 2017 لشركة "شل" وحدها بـ303 مليارات دولار، و"إكسون موبيل" بحوالي 237 مليار دولار، و"بريتيش بتروليوم" بـ240 مليار دولار؛ فإنه ووفقًا لتقديرات "فوربس"، يبدو أن هذا في سبيله للتغير مع النمو الكبير في حجم تلك الشركات التي تصل نسبة نمو أعمال بعضها إلى 40% في بعض الأعوام، فيما وصلت الكثير من شركات النفط إلى حالة من التشبع، كما أن نمو مجال الأعمال في الطاقة المتجددة، سيجعل تلك الشركات تتجه إلى الاندماج مع بعضها في كيانات أكبر سابقًا أو لاحقًا.
وأشار تقرير لوكالة "رويترز" إلى أن الدليل الأبرز على النمو اللافت الذي تحققه شركات الطاقة المتجددة، أنها أصبحت تشكل ما نسبته 25% من القائمة التي تصدرها الوكالة سنويًّا لأبرز شركات الطاقة حول العالم، فيما لم يكن أي منها موجودًا في القائمة قبل 7 سنوات، ولم تكن النسبة تتعدى 10% قبل عامين.
ولفت التقرير إلى أن 30% من الشركات الصغيرة العاملة في مجال الطاقة المتجددة، التي تحقق نجاحًا لافتًا، تنطلق من الصين وكوريا الجنوبية وتايوان؛ حيث تحظى بدعم استثنائي في تلك الدول التي تخشى تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على سواحلها وتعمل على رعاية البيئة لذلك.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}