"لا تضع بيضك كله في سلة واحدة".. هذه هي الحكمة الأشهر حين يتعلق الأمر بتكوين محفظة استثمارية؛ وذلك لأن "التنويع" يساعد المحفظة على امتصاص الصدمات؛ ما يقلل مخاطر الخسارة كثيرًا.
لكن ما يعجز الكثير من المستثمرين عن إدراكه، هو أنه هناك نقطة ما يتحول عندها الأثر الرئيسي للتنويع على أداء المحفظة من تقليل حجم المخاطر إلى التهام عوائد الاستثمار.
من كل قبيلة رجل
لكن ما هو "التنويع" أصلاً؟ عندما نتحدث عن التنويع في سياق تكوين محفظة من الأوراق المالية، فإننا نشير إلى محاولة المستثمر الحد من حجم المخاطر المحتملة، من خلال الاستثمار في شركات مختلفة عبر قطاعات وصناعات متنوعة، وربما في بلدان مختلفة.
عادةً ما يتم نشر الاستثمارات عبر قطاعات أو صناعات غير مرتبطة بعضها ببعض إلى حد كبير؛ وذلك لأن القطاعات أو الصناعات المختلفة لا تتحرك معًا صعودًا وهبوطًا في وقت واحد أو بمعدل واحد.
وفي حقيقة الأمر، لا يعتبر التنويع ضمانًا ضد الخسارة، لكن رغم ذلك يتفق معظم المتخصصين بالاستثمار على أنه يعتبر استراتيجية حكيمة يجب أن يعتمدها المستثمرون أصحاب الأهداف المالية الطويلة الأجل.
لذلك، بغض النظر عن مدى تنوع المحفظة، لا يمكن للتنويع أن يقضي نهائيًّا على مخاطر الاستثمار.. هو فقط يقللها ويجعلها قابلة للسيطرة. ومن المهم أن ينتبه المستثمر إلى نقطة هامة جدًّا؛ هي أن تنويع المحفظة لا يقلل فقط من مخاطرها، بل ويقلل من العوائد المتوقعة؛ لذا يجب عليه أن يضع هذه المقايضة في ذهنه أثناء قيامه بالتنويع.
إذا كانت محفظتك تحتوي على عدد كبير جدًّا من الأسهم المختلفة، فإن استثماراتك الأكثر ربحية لن تحقق لك عوائد ذات قيمة؛ فبما أن رأس المال الخاص بك منتشر بشكل كبير بين الاستثمارات المختلفة، فإن تأثير ارتفاع قيمة أحد الأسهم على أداء المحفظة سيكون هامشيًّا. وهكذا يحرم المستثمر نفسه من مكاسب الاستثمارات الجيدة.
لنفترض مثلًا أن لديك 50 سهمًا في محفظتك، وهي متساوية في أوزانها النسبية. إذا قفز أحد هذه الأسهم بنسبة 20% على سبيل المثال، فإن تأثير ذلك الصعود على الأداء الإجمالي للمحفظة لن يتجاوز 2%. ومن ثم، لكي يكون لهذا الاستثمار تأثير كبير على العائدات الإجمالية، فإنه يجب أن يشكل جزءًا معقوًلا من محفظتك.
الحجم الأمثل
ما سبق يثير سؤالًا هامًّا هو: ما الحجم الأمثل للمحفظة؟ أو ما العدد الأمثل للأسهم داخل المحفظة؟ أو ما النقطة التي يتحول عندها التنويع من استراتيجية مفيدة إلى أخرى ضارة؟
هناك اعتقاد خاطئ شائع بين المستثمرين مفاده أن كل سهم تتم إضافته يقلل من المخاطر الإجمالية للمحفظة ،بنسبة تماثل وزنه النسبي. ولكن هذا غير صحيح؛ فقد أثبتت كثير من الدراسات أن التنويع يمكنه أن يساعد في تقليل مخاطر المحفظة، لكن إلى حد أو نقطة معينة. وبعدها يفقد تأثيره تقريبًا.
في كتابهما "نظرية المحفظة الحديثة وتحليل الاستثمار"، خلص كل من "إدوين إلتون" و"مارتن جيبرر"، إلى أن متوسط الانحراف المعياري (المخاطرة) في محفظة مكونة من سهم واحد يبلغ 49.2%. في حين أنه إذا زاد حجم المحفظة لتشمل 20 سهمًا، انخفضت المخاطرة بنسبة 29.2% لتصل إلى 20%.
لكن إضافة أي عدد من الأسهم (بالتحديد من 21 إلى ألف سهم) إلى المحفظة التي تحتوي على أسهم 20 شركة مختلفة؛ لن تؤدي إلى تقليل مخاطر المحفظة سوى بـ0.8% فقط. وهذا يعني أن الميزة الرئيسية للتنويع تتآكل وتكاد تختفي عند نقطة معينة (20 سهمًا).
بالمناسبة، لم تشر الدراسة السابقة إلى أن احتواء المحفظة على 20 سهمًا مختلفًا هو الشكل الأمثل للتنويع، لكنها في ذات الوقت توضح أن هناك حدودًا للاستفادة من فكرة التنويع.
هناك أيضًا وجهات نظر أخرى، مثل نظرية "إيفانز وآرتشر"، التي تشير إلى أن عدد الأسهم المكونة للمحفظة لا يجب أن يزيد عما يُراوح بين 10 و12 سهمًا مختلفًا.
في كتابه الشهير "المستثمر الذكي"، أشار المستثمر البريطاني المعروف "بنيامين جراهام" إلى أن الشكل الأمثل للتنويع، يقتضي أن تشمل المحفظة ما يُراوح بين 10 و30 سهمًا مختلفًا.
وأشارت مقالة نشرتها "فيديوشري نيوز" في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 إلى دراسة استقصائية أظهرت أن الصناديق التي تستثمر فيما يُراوِح بين 30 و50 سهمًا حققت أداءً أفضل من تلك التي شملت محافظها حوالي 700 سهم مختلف.
هناك مشكلة أخرى ترتبط بمسألة التنويع المبالغ فيه؛ هي صعوبة تتبع المستثمر أداء كل سهم من الأسهم الموجودة بالمحفظة على حدة؛ فإذا كنت لا تستطيع مراقبة استثماراتك بانتظام، فقد تفشل في ملاحظة تغير أساسيات واحد أو أكثر من الأسهم الموجودة بالمحفظة، أو قد تلاحظها لكن بعد فوات الأوان، حين تكون قيمة ذلك السهم قد تآكلت كثيرًا.
بشكل عام، يفضل ألا تشتمل المحفظة الخاصة بالمستثمر العادي – الذي يفتقر إلى الموارد والوقت اللازمين لرصد الأداء التشغيلي لعدد كبير جدًّا من الشركات – على أكثر من 20 أو 30 سهمًا من الأسهم المختارة بعناية. وبالطبع يجب أن تكون هذه الأسهم تخص شركات تعمل بقطاعات وصناعات مختلفة.
اقتناص الأسهم الجيدة
من الأفضل لك كمستثمر امتلاك محفظة مكونة من 20 سهمًا بها 12 سهمًا تحقق عوائد جيدة، مقارنةً بمحفظة تشمل أسهم 100 شركة منها 20 سهمًا فقط تؤدي بشكل جيد فيما تسجل الأسهم الـ80 الأخرى نتائج سيئة.
هذا يقودنا إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية تتعلق بكفاءة المستثمر ومدى ثقته بنفسه. ببساطة، من السهل على أي شخص أن يضم أعدادًا كبيرة من الأسهم إلى المحفظة. الكثير من الناس يفعلون ذلك؛ لسببين: الأول هو اعتقادهم أن هذه الأسهم بالتأكيد تضم أسهمًا جيدة. وهذا غالبًا صحيح. والثاني- عدم رغبتهم في الاختيار.
إذا ألزم المستثمر نفسه بألا تشمل محفظته أكثر من 10 أسهم مثلًا فسيجد نفسه مجبرًا على الاختيار من بين المتاح في السوق. والاختيار السليم يتطلب معرفة وقدرة على الاستنباط والتحليل. وقليلون من يملكون تلك القدرة.
باختصار، إفراط المستثمر في التنويع لتشمل محفظته -على سبيل المثال- 50 سهمًا مختلفًا، يعني أنه على الأغلب يمتلك أفضل الأسهم وأسوأها أداءً في وقت واحد. والأمر حينها يتعلق بحظه؛ فقد تكون الأولى أكبر وزنًا من الثانية أو العكس.
أخيرًا، يقول المستثمر الأمريكي الشهير "وارن بافيت": "إن التنويع الواسع النطاق مطلوب فقط عندما يكون المستثمر لا يفهم ما يفعله". بعبارة أخرى، قد لا تخسر كثيرًا إذا بالغت في التنويع، لكنك أيضًا لن تربح الكثير.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}