"على الرغم من أن هذا ليس بأي حال من وظائف الحكومات التقليدية، إلا أنه يبدو أن الحكومة الأمريكية، وعددا آخر من الحكومات ترى أن عليها إنقاذ الشركات الكبيرة من تحمل تبعات أخطائها، وبناء على ذلك توفر حزم الإنقاذ بدعوى عدم تحمل الاقتصاد انهيار مثل تلك الكيانات العملاقة لما في ذلك من تداعيات لاحقة".. هكذا كتبت "نيويورك تايمز" إبان الأزمة العالمية قبل 10 سنوات.
تغير في المفهوم
وفي هذه الفترة ظهر مصطلح "أكبر من أن تفشل" (too big to fail) للإشارة إلى الشركات الكبيرة للغاية، التي سيكون لتأثير انهيارها ما بعده، ليستمر المصطلح نفسه بعدها لأعوام.
وتعتبر شبكة "بلومبرج" أن المصطلح ينطبق أول الأمر على البنوك الأمريكية، فعلى الرغم من وجود قرابة 6000 بنك في البلاد إلا أن أكبر 6 بنوك فقط يزيد رأسمالها مجتمعة على عشرة تريليونات دولار، ليفوق حجم رؤوس أموال "كل" البنوك الثلاثين التالية لها في الترتيب، وتتحكم "سويًا" في أكثر 50% من السوق، وهو ما يوحي أن السماح بسقوط أي من تلك البنوك سيصاحبه "أمواج" لن تتوقف من إفلاس الشركات والبنوك الصغيرة.
وتشير دراسة أجراها صندوق النقد الدولي عام 2014 على تأثير إنقاذ الحكومة الأمريكية للقطاع المصرفي عام 2008، بأن ذلك زاد الودائع السنوية 460 مليار دولار سنويًا، كان المودعون سيحجمون عن وضعها في النظام المصرفي لو وجدوا غيابًا للالتزام الحكومي بانقاذ المصارف، لتقدم تلك الدراسة صورة إيجابية عن القرار الذي أثار المجتمع حينها.
وعلى الرغم من أن المصطلح ظهر في بادئ الأمر للإشارة إلى الشركات التي "لا يمكن السماح بسقوطها" إلا أنه امتد ليشمل تلك الشركات التي أصبحت بمثابة "كيانات غير قابلة للمس" ليس بسبب الدعم الحكومي فحسب، ولكن بسبب وضعها المتميز في الأسواق.
فالملاحظ أن المصطلح تطور ليمتد من البنوك وشركات التمويل إلى شركات أخرى مثل "ألفابيت" (جوجل) و"أبل" و"أمازون" وغيرها، حيث يتمتع موقع "جوجل" مثلًا بوضع شبه احتكاري بحصوله على 80% من السوق، و"أمازون" تسيطر على قرابة 44% من سوق التجارة الإلكترونية ويليها "إيباي" بما يقل عن 7% خلال عام 2017، بما يوضح الفارق الكبير في الحصة السوقية بين أكبر شركتين ووضع "أمازون" المتميز.
صفقة
ويعتبر موقع "ريكود" أن الدولة والمواطنين يقبلون بوجود هذه الكيانات في إطار ما يمكن تعريفه بـ"الصفقة" التي يحصلون في مقابلها على خدمات جيدة متطورة باستمرار بأسعار تنافسية، في مقابل ترك تلك الشركات تنمو بشكل مضطرد.
وتشير دراسة لكلية "هارفارد" لدراسة الأعمال إلى أن "الإنتاج الكبير" للشركات التكنولوجية الحديثة، مثل "أمازون"، يتيح وفورات تصل إلى 10-20% للمستهلك، غير أن غياب المنافسة الحقيقية لبعض تلك الشركات، يدفع بتلك الوفورات إلى الانخفاض بشكل ملموس وحتى التلاشي، لتحصل عليها تلك الشركات العملاقة وليس المستهلك، محذرة من أن استمرار هذا الوضع قد يجعل تأثير الإنتاج الكبير عكسيًا إذا ما أصبح "الإنتاج الوحيد" وليس مجرد الكبير.
وتشير شبكة "سي. إن.بي.سي" الأمريكية إلى أن حالات الاحتكار للشركات العملاقة مثل "جوجل" تفرض معضلة كبيرة، حيث إن الشركة غير مدانة بأية ممارسات احتكارية كتلك التي اتبعتها "مايكروسوفت" سابقًا، بل إنها تعمل في مجال هو "نظريًا" أكثر المجالات انفتاحًا وهو الإنترنت، لكن غرامة الاتحاد الأوروبي الضخمة بقيمة 5 مليارات دولار على "جوجل" بسبب أفضلية "أندرويد" قد تبدد ذلك.
غير أن الشركة في المقابل تقوم بممارسات أخرى، تبدو قانونية لكنها في واقع الأمر ترسيخ للاحتكار، حيث يشير تقرير لشبكة "إنفستبيديا" إلى أن جوجل استحوذت على أكثر من 200 شركة حتى نهاية العام الماضي، الغالبية العظمى منها محركات بحث صغيرة أو ناشئة، بما يؤكد أنها تعمل على "سحق" المنافسة قبل ظهورها حتى.
أوضاع احتكارية وسباق التريليون
وتؤكد "فوربس" إن "جوجل" و"فيسبوك" تحصلان سويًا على عائدات من الإنترنت تفوق العائدات التي تحصل عليها بقية الشركات مجتمعة، بما يؤشر لحالة متطرفة من الاحتكار تحصل فيها شركتان على ما يفوق ملايين المواقع حول العالم.
أما "أمازون" على سبيل المثال فلم تعد تقتصر على التجارة الإلكترونية بعمليات الاستحواذ التي قامت بها خلال العامين الماضيين، من قبيل الاستحواذ على متاجر تجزئة وصيدليات وشركات إنتاج طاقة نظيفة وشركات تكنولوجيا، لتصبح في سباق محموم مع شركة "أبل" وفقًا لـ"سي.إن.إن" حول أيهما يصبح أول شركة تصل إلى قيمة سوقية قدرها تريليون دولار والذي حسمته "آبل" لصالحها مؤخرا.
وتعدى الأمر أيضًا الشركات التكنولوجية ليشمل، وفقًا لـ"فوربس"، سيطرة 10 شركات عملاقة فحسب على معظم التجارة العالمية من الغذاء، وأربع شركات طيران تتحكم في 80% من السوق العالمي، مع الوضع المشابه في أسواق المال والتكنولوجيا.
وبتبيان الأوضاع السابقة يتأكد أن كثيرا من الشركات أصبحت في وضع لا تحتاج معه حتى للدعم الحكومي لكي تصبح "غير قابلة للمس" باستحواذها على نسب كبيرة للغاية من الأسواق، بل أن بعضها بدأ يتداخل في مجالات أخرى بحثًا عن آفاق جديدة للنمو بعد أن تراجعت الأخيرة في مجاله الرئيس، ("فيسبوك" و"جوجل" و"أمازون" أمثلة واضحة على ذلك)، وباستمرار ممارسات تلك الشركات الاحتكارية (قانونية كانت أو غير ذلك) فإن وضع تلك الشركات سيزداد رسوخًا مع الوقت وبشكل متسارع، لتصبح عمليًا دولًا فوق الدول وليس داخلها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}