بينما تثير الحرب التجارية مع والولايات المتحدة مخاوف البعض في الصين بشأن أمن إمدادات السلع من فول الصويا وحتى المنتجات التكنولوجية إلى بعض أكبر المصانع في العالم، تعكف بكين على بناء أول بورصة سلع أساسية لها في الخارج، والتي تأمل أن تُكسبها تأثيرًا أقوى على الأسعار العالمية بغض النظر عن الخلاف الدائر الآن.
وتعد الصين أكبر مستهلك في العالم للمواد الخام مثل سلع الطاقة والمنتجات الزراعية، لكنها تظل خاضعة لهيمنة المتحكمين في الأسعار عبر بورصات العقود الآجلة في نيويورك وشيكاغو ولندن ودبي، بحسب تقرير لـ"ساوث تشاينا مورنينج بوست".
ولتغيير اللعبة، أنشأت الصين بورصة "آسيا- الهادئ" المعروفة باسم "أبيكس" في سنغافورة، تحت قيادة "يوجين تشو يوشين" الرئيس السابق لبورصة "داليان" للسلعة، وبورصة الصين للعقود الآجلة، وبنك "شنغهاي بودونغ ديفلوبمنت".
وأطلقت "أبيكس" أول منتج مشتق لها، وهو عقود "زيت النخيل" الآجلة، في مايو/ أيار الماضي، ووضع "تشو" جدولًا زمنيًا مدته خمس سنوات لصنع علامة تجارية عالمية للبورصة الصينية الجديدة.
وقال "تشو": على الرغم من أن لدينا سوق سلع ناجحا داخل البلاد، إلا أنه ليس دوليًا، أي أننا لا نمتلك القوة لتحديد الأسعار، علمًا بأن بورصات السلع المحلية الثلاث القائمة تسمح بوصول محدود للمستثمرين الأجانب.
تمثل منطقة آسيا الجزء الأكبر من تجارة السلع الآجلة العالمية، حيث تمتلك بلدان منها اليابان والهند وماليزيا وسنغافورة أسواقا مزدهرة في هذا الجانب، لكن ليس على نطاق كاف لتحريك الأسعار.
كما أن تحرك مركز الاقتصاد العالمي نحو الشرق، وتكامل الاقتصادات الذي جعل الشركات الآسيوية عرضة لتقلبات أكبر من قبل الأسواق العالمية، زاد من حاجة الشركات في المنطقة للتحوط ضد المخاطر.
من جانبه يقول "تشو": منشآت التصنيع في الصين تقريبًا كلها واحدة متشابهة، ويتوقف تميز بعضها على مدى سيطرتها على تكاليف العقود الآجلة للسلع، حقًا يتوقف نجاحها أو فشلها على التحكم بهذه النفقات، فقرار واحد خاطئ يمكن أن يؤدي إلى انهيارها.
وتعتمد المصانع الصينية بشكل كبير على السلع المستوردة لتلبية الطلب، ومثلًا تستورد البلاد نحو 60% من حاجتها النفطية ونصف حاجتها من الحديد والنحاس و90% من حاجتها من فول الصويا، وهو سلعة تقع في قلب الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
وطالما بقيت الصين أكبر مصنع في العالم، وحتى مع تباطؤ النمو الاقتصادي لديها بفعل الحد من الطاقة الإنتاجية الزائدة، فإن الطلب الهائل على المواد الخام لم يهدأ أبدًا، لكن يظل بناء حجم تداول ضخم مع الأجانب في بورصة "أبيكس" هو أكبر تحدٍ لـ"تشو" في ظل المنافسة من بورصات تجاوز عمرها القرن من الزمن مثل تلك التي في شيكاغو ولندن.
تداول المستثمرين الأجانب لعقود النفط الآجلة في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة، وعقود خام الحديد في بورصة داليان للسلع، محدود للغاية، وللوصول إليها يجب على المستثمر الأجنبي فتح حساب مصرفي خاص لدى أحد البنوك العاملة داخل البلاد، وهو إجراء يستغرق وقتًا طويلًا، وفي النهاية سيتعين عليه التعامل وفقًا للقواعد الصينية غير المألوفة والتي لا تتماشى مع المعايير الدولية، لذا فكان الحل هو وضع "أبيكس" في سنغافورة حيث مفترق طرق التجارة الدولية.
وتنبع معظم التداولات الحالية لـ"أبيكس" من عملاء صينيين، لكن البورصة تستهدف المستثمرين الدوليين الذين يرغبون في بيع المنتجات الصينية التي يحتاجونها، لبناء حجم التداولات اللازم للفوز بمكانة مؤثرة في الأسعار، ويتركز التحدي الحقيقي أمام "تشو" لإنجاز ذلك في إطلاق المنتجات المشتقة التي يريدها السوق.
وتدرس "أبيكس" طرح منتجات مرتبطة بالمطاط وفول الصويا وأخرى مقومة باليوان الصيني لدعم الهدف الوطني بتدويل العملة المحلية، لكن تطوير ونجاح أي منتج جديد ليس بالأمر الهين، فالاستثمار في جانب البحث والتطوير والاختبار والتسويق عملية شاقة للغاية ويجب أن تخلص لنتيجة قوية تصمد أمام المنافسين العالميين.
ويأتي ذلك بعد عقود من الزمان اعتمدت فيها الصين على شركائها التجاريين لإمدادها بالسلع، ومع تحركها لتعزيز مكانة قطاع التصنيع في سلسلة القيمة ضمن استراتيجية "صنع في الصين 2025"، فإن نقاط ضعفها بسبب هذا الاعتماد تتزايد، وكذلك الاهتمام القومي بحماية أمن الإمدادات.
وفي حين أن البورصة العالمية هي أحد الخيارات المتاحة للتعامل مع الواقع، فإن السؤال يظل قائمًا، هل تنجح "أبيكس" في أن تكون سوقًا موثوقًا رغم كون الصين الجهة المشغلة له وأيضًا أكبر مستهلك.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}