نبض أرقام
01:28
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

لا تثق في الميزانية أكثر من اللازم.. "مضاعف القيمة الدفترية" والاستنتاجات الخاطئة

2019/05/15 أرقام - خاص

إذا حاولنا إعداد قائمة تضم أعظم مستثمري الأسهم في التاريخ، فستتبادر إلى الذهن حتماً أسماء مثل الأمريكي "وارن بافيت" والبريطاني "بنيامين جراهام"، وهما اثنان من أشهر مؤيدي استثمار القيمة على الإطلاق.

 

وفي عالم استثمار القيمة ربما لا توجد أداة تحليلية أكثر ارتباطاً بالقيمة من "مضاعف القيمة الدفترية". وعلى الرغم من أنك لن تصبح على الأغلب ثرياً مثل "وارن بافيت" إلا أنه يمكنك على الأقل الانضمام إلى النادي الذي يضم مجموعة من المستثمرين الهادئين الذين يشجعون اللعبة طويلة الأجل.

 

 

وفي هذا التقرير سنستعرض معاً "مضاعف القيمة الدفترية" باعتباره من أشهر الأدوات التحليلية التي يستخدمها مستثمرو القيمة، وسنوضح المشاكل المرتبطة به والتي لا ينتبه إليها أغلب المشاركين في سوق الأسهم وخصوصاً قليلي الخبرة منهم، وكيف أنها قد تقودهم إلى استنتاجات خاطئة.

 

أقل من واحد .. تجب التصفية

 

في علم التحليل المالي يتم استخدام النسب المالية كمقاييس لتقييم الأداء المالي والتشغيلي للشركات وتلخيص البيانات الواردة في القوائم المالية، حيث إن الأرقام المحاسبية الواردة في تلك القوائم لا توفر في أكثر الأحيان أي معلومة ذات معنى يمكن أن يبني عليها المستثمر قراره.

 

ومضاعف القيمة الدفترية هو من هذه النسب المالية المستخدمة في تحليل الأداء المالي الماضي والحالي والمتوقع للشركة من أجل تحديد نقاط القوة والضعف المالية لديها، وتوفير الأساس الضروري لاتخاذ القرارات الاستثمارية.

 

ويتم حساب مضاعف القيمة الدفترية للسهم من خلال قسمة سعره السوقي على قيمته الدفترية. السعر السوقي للسهم يمكن الحصول عليه بسهولة، ولكن ماذا عن قيمته الدفترية؟ ببساطة القيمة الدفترية للسهم هي حاصل قسمة صافي حقوق الملكية (أصول الشركة يطرح منها الخصوم والأصول غير الملموسة) على عدد الأسهم المصدرة.

 

على سبيل المثال، إذا كان لدى الشركة أصول بقيمة 200 مليون ريال وخصوم بقيمة 120 مليون ريال فضلاً عن أصول غير ملموسة قيمتها 5 ملايين ريال، ففي هذه الحالة ستبلغ القيمة الدفترية لحقوق الملكية 75 مليون ريال (200 مليون – 120 مليونا – 5 ملايين).

 

عدد الأسهم المصدرة من قبل الشركة يبلغ 30 مليون سهم، وهذا يعني أن القيمة الدفترية للسهم الواحد تساوي 2.5 ريال. وإذا افترضنا أن السعر السوقي الحالي للسهم الواحد يبلغ 7.5 ريال فإن مضاعف القيمة الدفترية لذلك السهم سيساوي 3 مرات. أي أن السعر السوقي للسهم أعلى ثلاث مرات من قيمته الدفترية.

 

 

والاعتقاد الشائع بين أغلب المشاركين في السوق هو أنه كلما قلت قيمة مضاعف القيمة الدفترية كان ذلك أفضل، وأن السهم الذي تقل قيمة ذلك المضاعف لديه عن واحد هو على الأغلب سهم مقوم بأقل من قيمته الحقيقية.

  

لكن في البداية يجب أن نوضح أنه من وجهة نظر رياضية بحتة يجب أن تتم تصفية أي شركة يقل مضاعف قيمتها الدفترية عن واحد أو يتم تداولها بسعر أقل من سعرها الدفتري. فعندما تكون القيمة السوقية للشركة أقل من قيمتها الدفترية الموضحة في ميزانيتها العمومية فهذا يعني أنه توجد هناك فرصة مراجحة أو آربيتراج.

   

أي أن المستثمرين من المفترض أن يقوموا بشراء أسهم تلك الشركة ومن ثم تصفية وبيع جميع أصولها وتسديد التزاماتها، والاحتفاظ بالباقي لأنفسهم كربح.

 

على سبيل المثال، لنفترض أن هناك شركة رأسمالها السوقي يبلغ 10 مليارات ريال، في حين أن مجموع أصولها يقدر بنحو 18 مليار ريال، والتزاماتها تبلغ حوالي 3 مليارات ريال، وهو ما يعني أن قيمتها الدفترية تساوي 15 مليار ريال (18 مليار طرح 3 مليارات) ومضاعف قيمتها الدفترية يساوي 0.66 مرة (حاصل قسمة 10 مليارات على 15 مليارا).

 

في هذه الحالة إذا كان باستطاعة المستثمرين أن يقوموا بالاستحواذ على جميع أسهم الشركة بسعرها السوقي الحالي، فيمكنهم إيقاف عمليات الشركة على الفور وبيع جميع أصولها وسداد كافة التزاماتها، وحينها سيتبقى معهم بعد البيع والتسديد 5 مليارات ريال يوزعونها فيما بينهم. وهكذا سيتمكنون من تحقيق ربح قدره 50%.

 

نظرياً، الخطوات السابقة منطقية جداً تجاه أي شركة يتم تداولها مقابل سعر أقل من قيمتها الدفترية. ولكن على أرض الواقع، هذا لا يحدث عادة لعدة أسباب أهمها الآتي:

 

أولاً: هذه الخطوة تتطلب أن يكون هناك تحكم في الشركة من قبل الراغبين في المضي قدماً في هذا الاتجاه، وهذا أمر يصعب تحقيقه حتى على المستثمرين الذين يمتلكون كميات كبيرة من رأس المال الاستثماري الذي يكفي لتمويل هذه العملية. فببساطة، قد لا يرغب كبار المساهمين بالشركة في التخلي عن حيازاتهم وقد يطلب بعض المساهمين (الكبار أو الصغار) علاوة على السعر الحالي للسهم.

 

 

ثانياً: غالباً ما تختلف القيمة المحاسبية للأصول والخصوم المسجلة في الميزانية العمومية بشكل كبير عن العائدات الفعلية المتلقاة أثناء عملية التصفية، وخصوصاً وأن المشترين دائماً ما يرغبون في دفع أقل سعر ممكن. أيضاً في بعض الأحيان يتم إهلاك بعض الأصول إلى الصفر في حين أنها في الواقع لا تزال تحتفظ ببعض القيمة ومن الممكن بيعها بسعر أعلى من قيمتها الدفترية.

 

ثالثاً: قد يحقق المساهمون ربحاً أكبر بكثير إذا استمرت الشركة في العمل، لأنه في حالة سيناريو التصفية، سيحصل المساهمون على عائد لمرة واحدة فقط، في حين أنه إذا استمرت الشركة في النشاط فسيكون لدى المستثمرين إمكانية الاستفادة من الارتفاع المستقبلي لسعر السهم وأرباحه الموزعة، وهو ما يقودنا إلى النقطة التالية:

 

يرتبط مضاعف القيمة الدفترية بشكل كبير بالعائد على حقوق المساهمين، حيث إن الشركات التي تحقق عوائد مرتفعة عادة ما يتم تداول أسهمها مقابل سعر أعلى من قيمتها الدفترية، في حين أن تلك التي تحقق عوائد ضعيفة أو تسجل خسائر يتم تداولها مقابل سعر يقل أو يساوي قيمتها الدفترية.

 

مشاكل المضاعف .. طرق التلاعب كثيرة

 

لكن لماذا مضاعف القيمة الدفترية بالتحديد؟ هناك العديد من الأسباب التي تجعل المستثمرين يعتقدون أن القيمة الدفترية للسهم ومضاعفاتها مفيدة في تحليل الاستثمار. والأول هو أن القيمة الدفترية توفر مقياساً ثابتاً وبسيطا للقيمة يمكن مقارنته مع السعر السوقي للسهم.

 

والثاني هو أن المعايير المحاسبية المتسقة إلى حد كبير، تسمح للمستثمر بإجراء مقارنات بين الشركات العاملة في نفس القطاع باستخدام مضاعف القيمة الدفترية، وهو ما قد يوفر له بعض الإشارات حول ما إذا كانت تلك الأسهم مقومة بأقل أو بأعلى من قيمتها الجوهرية.

 

أما السبب الثالث، فهو أنه ينظر دائماً إلى القيمة الدفترية باعتبارها أساس رأس المال الذي تصنع منه الشركة أموالها، وبما أن المنافسة من المفترض أنها تضمن أن رؤوس الأموال بشكل عام يجب أن تحقق نفس العوائد (بعد التعديل حسب المخاطر) فإن مجموع رأس مال الشركة يمثل قيمتها بالنسبة للمساهمين.

 

ومن هنا تظهر المشكلة الأولى، وهي أن القيمة الدفترية لا تمثل في الواقع القيمة الحقيقية لأصول الشركة، هي تعبر فقط عن قيمة ما دفعته الشركة مقابل تلك الأصول مطروحاً منها مصروفات مختلفة أهمها مصروف الإهلاك.

 

لذلك يجب على المستثمر توخي الحذر بشأن القيمة الدفترية للأصول المشار إليها في ميزانية الشركة وأن لا يثق بها ثقة عمياء. فمن الوارد جداً أن تكون القيمة الدفترية لحقوق الملكية أقل بكثير من قيمتها الحقيقية أو العكس.

 

 

باستطاعة إدارة الشركة إذا أرادت التلاعب بالقيمة الدفترية للسهم إما من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ أو عن طريق إبقاء أصول أو خصوم خارج الميزانية العمومية للشركة بحيث لا تنعكس على القيمة الدفترية للسهم.

 

تعتبر عمليات الاندماج والاستحواذ من أشهر مصادر القيمة الدفترية الاصطناعية. فعندما تستحوذ شركة على شركة أخرى بعلاوة أو بسعر أعلى من سعرها السوقي، يتم تسجيل المبلغ الزائد عن السعر السوقي كشهرة. والشهرة يتم تسجيلها كجزء من القيمة الدفترية، ولكن غالباً ما يتم تعديل قيمة ذلك البند بالخفض إذا لم تحقق صفقة الاستحواذ النتائح المتوقعة.

 

هذا يعني أن المستثمرين الذين اشتروا سهم الشركة المستحوذة بسبب أن انخفاض قيمة مضاعف القيمة الدفترية (على خلفية ارتفاع المقام في معادلة حسابه أو القيمة الدفترية للسهم) سيواجهون مفاجأة غير سارة حينما يتم خفض أو شطب قيمة بند الشهرة – والذي قد يقدر بالمليارات – من الميزانية العمومية للشركة.

 

أيضاً، قد تقوم الشركة بإخفاء جزء من الأصول أو الخصوم من الميزانية العمومية من خلال تسجيلها كاحتياطيات أو عقود إيجار تشغيلي أو تعويضات مؤجلة وغيرها من التقنيات والأساليب المحاسبية الأخرى.

 

وفي هذه الحالة، سنجد أن بند حقوق المساهمين المذكور في الميزانية العمومية لا يعكس كمية كبيرة من الموارد التي تستخدمها الشركة في عملياتها.

 

أعقد مما تتخيل!

 

بناء على ما سبق، كون أن مضاعف القيمة الدفترية لأي سهم يساوي أو يقل عن واحد لا يعني إطلاقاً أن الشركة موضع التحليل جيدة وأن هذا السهم مقوم بأقل من قيمته ويجب اقتناصه.

 

من يتسرع ويقفز إلى هذا الاستنتاج يتجاهل دون أن يدري أهمية الأصول غير الملموسة للشركة والتي تشمل على سبيل المثال الموظفين المدربين والسمعة التجارية والعلاقات مع العملاء والموردين. كل هذه الأشياء هي ما يفرّق بين مجموعة من المكاتب والآلات والأبنية وبين الشركة الحقيقية، ولكن يتم استبعادها أثناء حساب مضاعف القيمة الدفترية.

 

الحافز الرئيسي لأغلب المهتمين بالأسهم ذات مضاعف القيمة الدفترية المنخفض هو أنهم يرغبون في شراء أسهم رخيصة، غير أن معظم مستثمري القيمة ذوي الخبرة ينظرون دائماً إلى ما هو أكثر عمقاً من ذلك، ولذلك تجدهم يستخدمون مضاعف القيمة الدفترية جنباً إلى جنب مع غيره من أدوات التحليل الأخرى.

 

السهم ذو مضاعف القيمة الدفترية البالغ 0.5 مرة ليس بالضرورة أفضل من ذلك الذي تبلغ نفس النسبة لديه 3 مرات. فلا تزال هناك حاجة لفحص الكثير من العوامل الأخرى. لذلك، ليس من الحكمة أبداً أن تعتمد على مضاعف القيمة الدفترية بمفرده في تحديد ما إذا كان السهم يمثل فرصة جيدة أو لا.

 

يجب أن يتم استخدام هذه النسبة إلى جانب أساليب التحليل الأخرى، وذلك لأن الميزانية العمومية ليست مقياساً دقيقاً للقيم الحالية للأصول، بل هي مجرد تقدير محاسبي لأصول وخصوم الشركة في يوم محدد، في حين أن القيمة الفعلية للأصول والخصوم تتغير كل يوم.

 

حتى الفكرة القائلة بأن مضاعف القيمة الدفترية المنخفض يحد من احتمالية الهبوط المحتمل خاطئة. حيث إنه من الممكن جداً أن ينخفض سعر السهم إلى ما دون قيمته الدفترية إذا تم إجراء عمليات شطب كبيرة لأصول أو في حال حققت الشركة عوائد سلبية على رأس المال المستثمر.

 

 

كما أوضحنا بالأعلى، في أكثر الأحيان توجد هناك علاقة طردية بين قيمة مضاعف القيمة الدفترية وبين العائد على حقوق المساهمين. فليس من المستغرب أن نرى الشركات التي تحقق عوائد مرتفعة يتم تداولها مقابل سعر أعلى من قيمتها الدفترية، والعكس صحيح.

 

ولذلك فإن الشركات التي يجب أن تلفت انتباه المستثمر هي تلك التي تعطي إشارات متضاربة، بمعنى أنها تحقق عوائد عالية بالمقارنة مع السوق ولكن في نفس الوقت مضاعف قيمتها الدفترية منخفض (سهم مقوم بأقل من قيمته). أو أن العائد على حقوق المساهمين لديها منخفض ومضاعف قيمتها الدفترية مرتفع (سهم مبالغ في تقييمه).

 

باختصار، إن العلاقة بين السعر السوقي للسهم وبين قيمته الدفترية أكثر تعقيداً بكثير مما يدركه معظم المستثمرين. وعلى الرغم من أن مضاعف القيمة الدفترية يبدو مفهوماً ومباشراً جداً بالنسبة لكثيرين إلا أن تلك المعادلة البسيطة التي لا تحتوي سوى على عنصر واحد في البسط وآخر في المقام تتأثر بمتغيرات كثيرة أهمها على الإطلاق هو العائد على حقوق المساهمين.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة