أصبح تضخم موضوعات المجلات الاقتصادية مثار غضب وانتقادات الخبراء بعدما ارتفع متوسط حجم الأوراق البحثية المنشورة إلى ثلاثة أمثال ما كان عليه خلال العقود الأربع الماضية، حتى أن بعض الأكاديميين سئموا من النظر فيها، بحسب تقرير لـ"وول ستريت جورنال".
وفي مؤتمر جمعية الاقتصاديات الأمريكية لهذا العام، شبه الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "ديفيد أوتور" ورقة عمل مؤلفة من 94 صحفة حول الحد الأدنى للأجور بمحاولة لضرب المرء بعصا حتى الموت، وبدأ حملة عبر "تويتر" لرفض مثل هذه الأوراق.
يريد الاقتصاديون من أقرانهم التحدث بشكل أقل، وخلال 2017 أعلنت جمعية الاقتصاديات الأمريكية عزمها إطلاق مجلة مخصصة لنشر الأوراق البحثية الاقتصادية المختصرة فقط، ووفقًا لمعايير خبرائها، فهذه الأوراق يجب ألا تزيد على 6 آلاف كلمة أو 15 صفحة. (للمقارنة، هذا الموضوع يتكون من 625 كلمة)
من جانبها تقول أستاذة الاقتصاد لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "أمي فينكلشتاين" إنه لا ينبغي اختصار جميع الأوراق البحثية، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أنه لا يجب إطالة جميع الأوراق أيضًا.
وتشير "أمي" إلى أن الأبحاث التي صدرت في خمسينيات القرن العشرين من قبل "بول سامويلسون" و"جون ناش" كُتبت في بضع صفحات فقط لنقل رؤيتهم المتعلقة بالسلع وما يعرف بنظرية اللعبة، وهو ما كان كافيًا ليفوز الاقتصاديان بجائزة "نوبل".
وتضيف "أمي": ومع ذلك تخشى بعض المجلات من نشر مثل هذه القراءات السريعة، إذا كنت ترغب في نشر ورقة بإحدى المجلات الرئيسية، حتى إذا كنت تعتقد أن لديك فكرة رئيسية واحدة يمكن نقلها بإيجاز، فإن المراجعين الاقتصادين لن يقبلوها.
بين عامي 1970 و2017، تضاعف متوسط طول الأبحاث المنشورة في خمس من المجلات الاقتصادية الرئيسية من 16 صفحة إلى 50 صفحة، وفقًا لتحليل أجراه اقتصاديان من جامعة كاليفورنيا يدعيان "ستيفانو ديلا فيجنا" و"ديفيد كارد".
ويخمن بعض الاقتصاديين أن هذا التضخم في الأوراق البحثية هو نتاج عمليات مراجعة الأقران المضنية، حيث يعمل الاقتصاديون الآخرون كحكام على جودة وصحة البحث ويقيمون المسودات الخاصة به ثم يطلبون بعض الإضافات قبل النشر، وفي هذا الصدد يقول "أوتور": سيكون كل شيء على ما يرام إذا كان من غير المجدي أن تكتب الأوراق البحثية أو أن تقرأها، لكن أيًا من ذلك ليس حقيقة.
ليس غريبًا على الاقتصاديين إدراج عدد من القراءات الإحصائية لتأكيد صحة كل نتيجة توصلوا إليها، واستعراض نقاط مماثلة أشير إليها مع مجموعات سابقة من البيانات، أو إضافة المراجعات المطولة لأبحاث قديمة، أو ملاحق التفاصيل التقنية والصيغ المكتوبة بالأحرف اليونانية، والتي تحتاج لدكتوراه من أجل فهمها.
وتعلق أستاذة الاقتصاد بجامعة كارنيجي ميلون "كاثرين أندرسون" قائلة: إنه لأمر سيئ للجميع، حيث يستغرق مؤلف البحث سنوات لإعداد ورقته البحثية، وخلال هذه الفترة يمكن أن يفكر أي شخص آخر بنشرها، وهو أمر سيئ أيضًا على لجان المراجعة التي ينبغي عليها قراءة 40 أو 60 صفحة قد يكون كل ما فيها محض هراء بالنسبة لهم.
تقول "كاثرين" إن القاعدة في الاقتصاد هي اشتمال كل ورقة بحثية على عدد من النقاط المختلفة، كل منها بحاجة للدعم والتحقق، في حين أن بعض المجالات الأكاديمية الأخرى تتمتع بقدر أكبر من التساهل فيما يتعلق بالأوراق البحثية التي تقدم ملاحظة أو اثنتين رئيسيتين.
يميل الاقتصاديون إلى الكتابة بشكل دفاعي، ما يجعلهم يميلون إلى تضمين المواد الزائدة عن الحاجة في أوراقهم، حتى في الإصدارات المبكرة –غير النهائية- من أبحاثهم، لاكتشاف الأخطاء والخفايا التي قد تظهر أثناء عمليات المراجعة والتقييم، وفقًا لأستاذ الاقتصاد في جامعة بوسطن "كمويل بزاي".
ويضيف "بزاي": في مرحلة مبكرة من عملك الأكاديمي، سيصبح من الواضح تمامًا أنك بحاجة للتحقق من قائمة طويلة جدًا من العناصر لإقناع الناس حقًا بأن الطريقة التي تفسر بها نتائجك هي في الواقع الطريقة الصحيحة للقيام بذلك.
هذا هو ما حدث تقريبًا عند إعداد الورقة البحثية المؤلفة من 94 صفحة والتي انتقدها السيد "أوتور" في مؤتمر جمعية الاقتصاديات الأمريكية خلال يناير/ كانون الثاني الماضي، وترى أستاذة الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس- أمهرست "آريندراجيت دوبي" المشاركة في إعداد الورقة، أنه بالنظر إلى الانتقادات المتوقعة لموضوع حساس كالحد الأدنى للأجور، وضرورة مراعاة وضع الأبحاث في سياقها السليم، فمن الطبيعي أن يكون الاستعراض مطولًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}