"بمناسبة يوم الأرض والجهود العالمية من أجل الحفاظ على البيئة، تعلن الشركة عن برنامج يتيح لمستخدمي "أيفون" و"أيباد" وبقية المنتجات إرسالها إلينا ليتم إعادة تدويرها حفاظًا على البيئة".. كان هذا هو الإعلان الذي نشرته شركة أبل عام 2014 لتضرب عصفورين بحجر واحد، الأول تصدير واجهة إيجابية عنها كشركة تراعي البيئة، والثانية تحقيق وفورات مالية كبيرة.
وبناء على ذلك أقرت الشركة إنشاء عنوان بريدي مخصص لإرسال الجوالات القديمة لإعادة التدوير، فضلًا عن اتفاقها مع الكثير من الموزعين على استقبال الهواتف القديمة لإعادة إرسالها إليها تمهيدًا لإعادة تدويرها.
نفايات سامة
ومع مبيعات تقترب من 1.5 مليار جوال سنويًا، من كافة الشركات، يمكن تخيل حجم المخلفات التي تنتج عن تحولها بعد سنوات إلى "قمامة"، لا سيما في ظل ما كشفته دراسة للأمم المتحدة حول أن 10-40% فقط من المخلفات الإلكترونية يتم التخلص منها بشكل ملائم، باختلاف الدول، بما يؤشر لنمو مستمر ومضطرد في حجم المخلفات الإلكترونية والكثير منها "سام" للتربة، حتى أنه في عام 2016 فحسب، تم توليد 44.7 مليون طن متري من النفايات الإلكترونية، أي ما يعادل حجم حوالي 4500 برج إيفل.
وتعتبر "فوربس" أن هناك قرابة نصف مليار جوال غير مستخدم وتعد بمثابة "نفايات" في المنازل حول العالم، حيث قد يهمل البعض التخلص من الهاتف إذا أصبحت قيمته "صفرا" أي أصبح غير قابل لإعادة البيع، لتبقى كل تلك "المخلفات" بما تمثله من مواد خام وأخرى مصنعة "ثروة مهملة" في منازل الكثيرين. لتصبح الصورة العامة لنفايات الأجهزة الإلكترونية بوجه عام على مستوى العالم "مرعبة".
ووفقًا لدراسة نشرها موقع "ريكود" المتخصص في الشؤون التكنولوجية تمثل نفايات الأجهزة التكنولوجية 70% من النفايات "السامة" الملوثة للتربة حول العالم، بسبب إلقاء الناس لأجهزتهم التكنولوجية القديمة البالية غير الصالحة لإعادة البيع أو لقطع الغيار القديمة في مكبات النفايات حول العالم أو حتى رميها على الأرض خارج المكبات.
وهناك طريقتان لإعادة التدوير، الأولى تعتمد على جمع الأجهزة التكنولوجية مع بعضها البعض، ليتم صهرها جميعًا سويًا، ثم يتم وضعها في أجهزة كبيرة للطرد المركزي تعمل على فصل المواد ذات القيمة من المخلفات قبل التخلص من بقية المواد بالحرق المكثف، وهذه هي الطريقة القديمة لإعادة التدوير، وعلى الرغم من قدمها إلا أنها لا تزال مستخدمة.
أما الطريقة الأحدث فتقوم على فصل المخلفات الإلكترونية، بحيث يتم تجزئة الجوال إلى أجزاء متفرقة، يتم إعادة تدوير كل منها منفردة، بما يضمن استغلالًا أفضل لكافة المواد الخام، بل أحيانا ما يعاد استخدام بعضها في صورته المصنعة إذا كان على درجة عالية من الكفاءة إبان عملية إعادة التدوير.
آسيا "المتضرر" الأكبر
وتختلف نسب المخلفات الإلكترونية باختلاف الدول والقارات، وتشير دراسة للأمم المتحدة، أجريت عام 2015، إلى أن آسيا وحدها تنتج قرابة 16 مليون طن من المخلفات الإلكترونية سنويًا وأن الكمية تزايدت بنسبة 63% بين عامي 2010-2015، بينما الأمريكيتان تنتجان 12 مليون طن، بما يعكس مشكلة متفاقمة في القارة الصفراء، لا سيما في ظل مضاعفة الصين لمخلفاتها الإلكترونية بين عامي 2010-2015.
وتشير دراسة لموقع "ستاتيكا" المتخصص بالإحصاء إلى النمو المضطرد في عالم إعادة التدوير، ولا سيما للمخلفات الإلكترونية، حيث لم تكن تقديرات حجم السوق عالميًا تتجاوز 14 مليار دولار عام 2011 قبل أن تصل إلى 21 مليارا عام 2015، مع توقع وصول السوق العالمي إلى 35 مليارا عام 2020.
وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم في صناعة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، إذ تتجاوز قيمة تلك الصناعة 20 مليار دولار وفقًا لـ"المكتب العالمي لإعادة التدوير" وهو منظمة دولية غير حكومية تضم أكثر من 100 دولة ومئات الشركات الكبرى، وتمد تلك الصناعة الأسواق الأمريكية بما يزيد على 4 ملايين طن من المواد الخام.
أما في أوروبا فتبلغ قيمة صناعة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية وحدها حوالي 3 مليارات يورو، ومن المنتظر أن تصل إلى 3.67 مليار بحلول عام 2020، وفقًا للمنظمة الأوروبية للطاقة المتجددة، بينما تبقى الصناعة في آسيا وبقية قارات العالم دون رصد واضح لحجمها، الضئيل للغاية، واحتمالات التطور بما يجعل الأرقام تقديرية على أفضل تقدير.
وكشفت دراسة للمجلس العالمي لإعادة التدوير أن 15.5% فقط من النفايات الإلكترونية يتم إعادة استخدامها أو تدويرها، وهو ما يثير السخرية وفقًا للمجلس، حيث تعتبر الكثير من تلك المواد التي يتم إلقاؤها دون إعادة استخدامها أو تدويرها غالية الثمن أو نادرة أو صعبة الصناعة بما يثير التساؤل حول أسباب التقاعس عن تطوير وتوسيع نطاق عمل صناعة إعادة تدوير المخلفات الإلكترونية، حتى أن قيمة الذهب والفضة التي يتخلص منها الأمريكيون فحسب في أجهزتهم تتخطى 60 مليون دولار.
وفورات كبيرة
وتصل نسبة الذهب الذي يتم هدره بسبب إلقاء النفايات الإلكترونية إلى 11% من إجمالي ما يتم استخراجه سنويًا، وفقًا لموقع "ريكود"، حيث يستخدم المعدن النفيس بنسب ضئيلة للغاية في الكثير من المنتجات الإلكترونية لصفاته الفريدة في التوصيل والعزل، بما يعكس ثروة كبيرة يتم إلقاؤها في القمامة سنويًا، ويمكن إعادة استغلالها.
وبشكل عام تمدنا صناعة إعادة التدوير حول العالم بما نسبته 40% من المواد الخام خلال الأعوام الأخيرة، ويمثل هذا الجدول الوفورات الناتجة عن إعادة التدوير.
العنصر |
تقليل الانبعاثات الكربونية |
توفير الطاقة |
الألمنيوم |
92 % |
95 % |
النحاس |
65 % |
85 % |
الورق |
18 % |
65 % |
الزنك |
76 % |
60 % |
سبائك التوصيل الكهربي |
99 % |
65 % |
كما أن إعادة تدوير طن واحد من الفولاذ يوفر 1100 كيلوجرام من خام الحديد، و630 كيلوجرامًا من الفحم، و55 كيلوجرامًا من الحجر الجيري، بينما يوفر طن واحد من الألمنيوم المعاد تدويره ما يصل إلى 8000 كيلوجرام من البوكسيت، و 14000 كيلوواط في الساعة من الطاقة، و40 برميلًا (6300 لتر) من النفط. أما إعادة التدوير 1 طن من الألومنيوم يجنب العالم حوالي 9 أطنان من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون حيث يستخدم إعادة تدوير الألمنيوم طاقة أقل بنسبة 95٪ من إنتاج الألمنيوم باستخدام المواد الخام.
ونتيجة لزيادة الوعي البيئي بأهمية إعادة التدوير، بدأت الكثير من الشركات الترويج لمنتجاتها بالتأكيد على أنها ليست قابلة للتحلل –عكس ما كان سابقًا، بل إنها قابلة لإعادة الاستخدام بما يجعلها أفضل من تلك التي تذهب هباء بتحللها، ومن أكثر الشركات التي تصر على هذه القيمة "إنتل" و"أبل" و"ألفابيت" و"أمازون" لتبدو الشركات التكنولوجية في الطليعة التي تواكب الطفرات في عالم إعادة التدوير.
أكثر الشركات تدويرًا للمخلفات
ويترافق هذا الاهتمام مع رغبة -طبيعية- في تعظيم الربحية، حيث أعدت الكثير من جمعيات حقوق المستهلك قوائم بالشركات التي تعمل على مراعاة البيئة وتقوم بعمليات إعادة تدوير على درجة عالية من الكفاءة، في مقابل الشركات التي تهمل تلك العملية، ولا شك أن غالبية الشركات تحب التواجد في القائمة الأولى التي سيتجه إليها المستهلك "الواعي".
وفي تصنيف "فوربس" لأكثر الشركات مراعاة للبيئة وتنفيذًا لعمليات إعادة التدوير، جاءت 3 من أول 5 شركات من الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا، من بينها شركة "إنتل"، وشركة "تكساس إنسترومينس" الأمريكية لأشباه الموصلات وتصنيع الرقائق الإلكترونية، وشركة "إيتون" الآيرلندية لتصنيع الإلكترونيات وإدارة الطاقة، بما يؤكد أهمية صناعة إعادة التدوير في هذا المجال دون غيره.
وعلى سبيل المثال، وفي عام 2008، فرضت "إنتل" على نفسها التخلص من أكثر من 75% من مخلفاتها وإعادة تدويرها، قبل أن تضع هدفًا بإعادة تدوير كافة مخلفاتها "الخطرة" (100%) و90% من مخلفاتها غير الخطرة بحلول عام 2020 وهو الهدف الذي تقترب من تحقيقه بتخطي نسبة تدوير المخلفات 85 % في عام 2017، مع تزايد قدرتها على التعامل مع النفايات الأشد خطورة على البيئة.
ويرى "بيتر هولجيت" الاقتصادي المتخصص في شؤون إعادة التدوير في تصريحات لمجلة "تايم" أنه في الوقت الذي يظهر فيه منتج جديد، لشركة "آبل" أو "سامسونج" مثلا، فقد يبتهج المستخدمون بالتطور ويقبلون على شرائه، وفي الوقت نفسه فهذا يعني قرارًا بضخ المزيد من النفايات الإلكترونية إلى السوق، مشيرًا إلى أن المقلق في الأمر اقتصار الإحصاءات الرسمية عن النفايات الإلكترونية على 41 دولة بينما تغيب تلك الإحصاءات عن باقي العالم.
وعلى الرغم من ارتفاع نسبة المواطنين الذين يعيشون "في ظل تشريعات تحكم المخلفات الإلكترونية" ، إلا أن "هولجيت" يحذر من غياب التطبيق الحقيقي لتلك التشريعات بخلاف "دول العالم المتقدم" بما يعكس فجوة كبيرة بين الواقع الحالي والوضع المأمول، ويعكس عجزًا عالميًا كبيرًا عن تحويل ما هو "أزمة" بيئية، إلى فرصة اقتصادية.
وختامًا تبقى الإشارة إلى الدور التوعوي الخيري الذي تقوم به "جمعية ارتقاء" التي لا تستهدف الربح واجباً، عن طريق إعلاء شأن ثقافة حماية البيئة وإعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية، حيث تقوم الجمعية بدور خيري ريادي في هذا المجال عن طريق جمع أجهزة الحواسب المستخدمة وتعيد تأهيلها لتوزيعها على الجهات التي تقدم خدمات اجتماعية وتعليمية.. فهل من مشارك في دعم هذا الفعل الخيري؟
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}