نبض أرقام
03:25 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

إفلاس الدول.. عندما تتجاوز "توابع" الزلزال آثاره المباشرة

2018/08/22 أرقام - خاص

أصبحت الاضطرابات الاقتصادية أمرًا متكررًا في الكثير من الدول، بما يدفع الكثير منها للاستدانة، ومع عجزها عن السداد تبدأ رحلة "إعادة جدولة" الديون، والتي تعني بالأساس عجز الدولة عن سداد ما عليها من التزامات في المواعيد المقررة، وإذا ساءت الأمور بصورة أكبر تضطر الدولة للتوقف عن السداد وتعلن إفلاسها.

 

 

الإفلاس قديم

 

ففي عهد فيليب الثاني ملك إسبانيا، وبالتحديد في عام 1557، عرف الاقتصاد العالي ظاهرة جديدة، تتمثل في إعلان دولة إفلاسها وعدم قدرتها على سداد ديونها لدائنيها وبناء على ذلك رفضها للوفاء بأية أموال مستحقة عليها للعديد من الدول، وذلك بسبب انخفاض قيمة الذهب حينها والقروض الكبيرة التي اضطرت لها بفوائد قياسية (بلغت 50% سنويًا) لتمويل الحملات العسكرية.

 

وفي هذا العصر كان التقليدي هو "إعلان الحرب" على الدولة التي تمتنع عن السداد أو الاستيلاء على قطعة من أراضيها أو الأراضي التي تحتلها كمقابل، وعلى سبيل المثال اضطر "نابليون بونابرت" بعد هزائم عسكرية مني بها من التوجه إلى الرئيس الأمريكي الأسبق "توماس جيفرسون" للحصول منه على أموال تنقذ بلاده من الإفلاس مقابل حصول الولايات المتحدة على مساحات من الأراضي في أمريكا الشمالية، وذلك نظير قرابة 350 مليون دولار فقط بأسعار الزمن الحالي.

 

أما في عصرنا الحديث، فلم يصبح اتجاه الدول للإفلاس أمرًا سريًا أو "يُدبر بليل"، في ظل وجود تقديرات واضحة لأوضاع الدول الاقتصادية ونسبة الديون للدخل القومي وما إلى ذلك، ولذلك بدأت رحلة إفلاس الأرجنتين عام 2001 عندما عانت من ديون تقدر بحوالي 81 مليار دولار وعرضت حينها سداد الثلث فقط لكل دائنيها لكن عرضها قوبل بالرفض، لتسقط عنها 93% من الديون لاحقًا بين عامي 2010-2015.

 

وعانت الأرجنتين طويلًا نتيجة ذلك، فعلى سبيل المثال لم تتمكن من شراء أي سلع بالأجل، أو بالتقسيط، بما في ذلك السلع الاستراتيجية والغذائية، بين عامي 2001-2015، حتى تمكنت من التوصل لاتفاق مع الدائنين في عام 2016 وبناء عليه عادت مجددًا لسوق السندات العالمي، غير أنها اضطرت لإصدار السندات بأسعار فائدة تفوق المتوسط بدرجة ملحوظة في محاولة لإغراء المستثمرين باستعادة الثقة في السندات الحكومية (وصلت النسبة 7% للسندات ذات الأجل الطويل "30 عامًا").

 

حتى في الإفلاس تختلف الدول

 

أما في اليونان فقد كانت التأثيرات المباشرة للإفلاس أكثر وضوحًا، حيث تصف مجلة "تايم" المدن اليونانية بمدن الأشباح في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة إفلاسها حي لم تعد الشرطة تعمل وتوقفت الخدمات الحكومية بكافة أشكالها، وتوقفت محطات الوقود ونفد الطعام والدواء لتكالب الناس عليها.

 

 

وكثرت الاتهامات الموجهة لمجموعة "الترويكا"، بالتحرك لإنقاذ الحكومة اليونانية إبان إفلاس الأخيرة، وعدم الاهتمام بالناس، غير أن الحقيقة تتمثل في تمويل ألمانيا تحديدًا للمشتريات الضرورية للحكومة اليونانية لبضعة أشهر وضمانها لديون الأخيرة أيضًا، حتى أصبحت أثينا قادرة على تمويل مشترياتها.

 

وتختلف حالات الإفلاس وفقًا لاختلاف نسب الديون بالعملة المحلية إلى تلك بالعملة الأجنبية، فالأرجنتين على سبيل المثال عانت من ديون أكثر من 70% منها بالعملة الأجنبية، وبالتالي اضطرت الحكومة للضغط على العملة المحلية كثيرًا، مما أدى في النهاية إلى اعتبار "البيزو" الأرجنتيني ضمن أكثر العملات تقلبًا خلال العقد الأخير مما انعكس مثلًا على تراجع العملة مؤخرًا مع رفع أسعار الفائدة الأمريكية.

 

أما في الحالة اليونانية فإن الديون كانت باليورو أو بالدولار، واليورو، عملة اليونان، ليست عملة محلية بالمعنى التقليدي بما قلل كثيرًا من "القلق" حول تدهور العملة المحلية لارتباطها باقتصاد مجموعة اليورو القوي ككل.

 

"انعكاسات سياسية"

 

وتبرز "الحالة المكسيكية" في ثلاثينيات القرن الماضي كإحدى أكثر الحالات تطرفًا لمواجهة الإفلاس، حيث عانت البلاد من الكساد الكبير وتدهور الصادرات للولايات المتحدة تحديدًا، بما رفع من مستوى الديون إلى مستويات تقترب من 200% من الناتج المحلي الإجمالي، وبناء على ذلك عانت المكسيك لعقد من الزمان.

 

فالعملة المكسيكية "لم تكن لها قيمة" في جميع الدول، بعد أوامر البنوك المركزية الأجنبية برفض التعامل بها، كما يشير تقرير لصحيفة ”الجارديان" إلى اضطرار الحكومة لإيقاف كافة برامج البنية التحتية في البلاد واقتصارها على الصيانة فحسب لأكثر من 6 سنوات لمحاولة العودة إلى سداد الديون، غير أن ذلك كله لم يكن كافيًا.

 

وما أنقذ المكسيك حينها كان اضطرار الولايات المتحدة لزيادة حجم التبادل التجاري مع جارتها الجنوبية مع دخول واشنطن للحرب العالمية الثانية وحاجتها لكافة "الحلفاء الاقتصاديين" المتاحين، وهو ما استفادت منه المكسيك بشدة بعد "إدماج" واشنطن لها في الاقتصاد العالمي مجددًا.

 

وفي كافة حالات الإفلاس –باستثناء اليونان بوصفها جزءا من أوروبا- عانت الدول لتوفير احتياجاتها الرئيسية في ظل نظام عالمي يعتمد باستمرار على الشراء بالأجل وإصدار السندات، كما ظهرت الاضطرابات الاجتماعية وانفلات الشوارع والاحتجاجات الشعبية.

 

 

وفي كل حالات الإفلاس كانت هناك "انعكاسات سياسية" للتراجع الاقتصادي، فإسبانيا سقطت كدولة عظمى بعد إفلاسها اقتصاديا بفترة وجيزة وبدأ عهد التنافس الإنجليزي- الفرنسي عالميًا، و"نابليون" خسر أهم معاركه الحربية، واليونان ملزمة ببرامج للإنفاق الاقتصادي يراقبها الاتحاد الأوروبي لضمان إعادته لحوالي 270 مليار دولار من الديون، أما المكسيك فالتزمت بتحالف غير مشروط استمر عقودًا مع الولايات المتحدة، بينما عانت الأرجنتين من اضطرابات سياسية طويلة بعد إفلاسها.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.