نبض أرقام
02:35
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

التعريفات الجمركية "الترامبية" .. لماذا الصلب تحديدا؟ وهل ينقلب السحر على الساحر في النهاية؟

2018/08/31 أرقام - خاص

في الثامن من مارس/آذار من العام الجاري قرر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" فرض تعريفات جمركية نسبتها 25% على واردات بلاده من الصلب، وذلك في إطار سعيه لدعم صناعة الصلب المحلية التي ادعى أنها تواجه منافسة غير عادلة تضعف الاقتصاد الأمريكي وتهدد الأمن القومي للولايات المتحدة.

 

 

وبعدها بأسبوعين، وتحديداً في الثالث والعشرين من نفس الشهر، دخل القرار حيز التنفيذ، وأشار البيت الأبيض إلى أن التعريفات المفروضة ضرورية من أجل ضمان وجود إنتاج محلي لمادة حيوية كالصلب. غير أن الهدف الحقيقي هو حماية الصناعة الأمريكية من الصلب الأجنبي الرخيص والذي تدعي الإدارة الأمريكية أنه مدعوم بشكل غير عادل.

 

تستورد الولايات المتحدة بالفعل ما يوازي 4 أضعاف صادراتها من الصلب، وتؤمّن احتياجاتها من هذا الخام من أكثر 100 دولة، غير أن ثلاثة أرباع وارداتها تأتي من 8 بلدان فقط، من بينها كندا والبرازيل وكوريا الجنوبية والمكسيك وروسيا وتركيا، وذلك وفقاً لبيانات منظمة التجارة الدولية.

 

لماذا الصلب بالتحديد؟

 

شهدت صناعة الصلب في الولايات المتحدة تغيرات واسعة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فمن ناحية ساهمت سلسلة التطورات التكنولوجية التي شهدتها الصناعة في تحسين الإنتاجية، مما سمح لمصنعي الصلب برفع طاقتهم الإنتاجية من خلال الاستعانة بعدد أقل من العمال.

 

ووفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل، يوظف قطاع الصلب الأمريكي حالياً ما يقرب من 140 ألف عامل بشكل مباشر، وذلك مقارنة مع 650 ألفاً قبل ما يزيد على نصف قرن.

 

ومن ناحية أخرى، أسهمت المنافسة الأجنبية القوية وارتفاع حجم الواردات في تعميق جراح الصناعة الأمريكية وخسارة المزيد من الأمريكيين لوظائفهم، وذلك على الرغم من أن الكثير من الأبحاث تشير إلى أن واردات البلاد ليست هي السبب الرئيسي لما تعاني منه الصناعة المحلية.

 

 

لكن هناك الكثير من الصناعات الأمريكية التي تعاني من ظروف مشابهة، فلماذا الصلب بالتحديد؟ باختصار الواردات الأمريكية من الصلب لطالما كانت مسألة حساسة سياسياً، وذلك لأن أغلب الطاقة الإنتاجية المحلية من الصلب تتركز في ولايات متأرجحة انتخابياً بين الجمهوريين والديمقراطيين مثل بنسلفانيا.

 

يأمل "ترامب" أن تساعده تلك الإجراءات في إمالة الكفة ناحية الجمهوريين في الانتخابات القادمة، غير أنه أثناء سعيه لحماية منتجي الصلب أضر بمستهلكيه من الشركات المحلية. فالتعريفة المفروضة على الصلب ربما أفادت مصنعي الخام الأمريكيين، ولكنها في نفس الوقت أضرت بالقدرة التنافسية لكل الصناعات الأمريكية الأخرى التي تستخدم الصلب.

 

ببساطة، التعريفات الجمركية تأخذ أموال المستهلكين وتنقلها إلى جيوب المنتجين. لنفترض مثلاً أن ماليزيا فرضت تعريفة قدرها 25% على وارداتها من اللحوم. هذا بالتأكيد خبر سار بالنسبة لمنتجي اللحوم المحليين، حيث إن اللحوم المستوردة أصبحت أغلى بنسبة 25%، ولكنه في نفس الوقت يمثل خبراً سيئاً بالنسبة للمطاعم والمستهلكين بالتبعية الذين سيتحملون الزيادة التي ستشهدها الأسعار.

 

تباً للحلفاء .. "أمريكا أولاً"

 

البعض هنا قد يتساءل، أمريكا دولة مصدرة للصلب فلماذا لا تعتمد الشركات الأمريكية على المنتج المحلي بدلاً من المستورد؟ والإجابة هي أن الصلب كمادة له أنواع كثيرة تنتج بعضها الولايات المتحدة في حين توجد هناك أنواع أخرى تحتاج إليها الشركات الأمريكية لا ينتجها سوى المصانع الأوروبية واليابانية.

 

أي أن الصلب ليس عبارة عن نوع واحد، بل توجد منه أنواع مختلفة مخصوصة لتطبيقات محددة تحتاج إلى تقنيات إنتاجية عالية جداً. وهناك بعض الأنواع التي يتخصص فيها الأوروبيون والآسيويون وأنواع أخرى يتخصص فيها المنتجون الأمريكيون.

 

واعتبرت الإجراءات الحمائية الأمريكية بمثابة الرصاصة الأولى في حرب تجارية تشنها الولايات المتحدة ليس على الصين وإنما على حلفائها التاريخيين. فعلى عكس ما يعتقده البعض، لم تتضرر الصين بشكل كبير من تعريفات الصلب الأمريكية، وذلك لأنها على الرغم من كونها تسيطر على نصف إنتاج العالم من الصلب إلا أنها تأتي في المرتبة الحادية عشرة في ترتيب أكبر مصدري الصلب للولايات المتحدة.

 

 

أكبر دولة مصدرة للصلب إلى الولايات المتحدة وبالتبعية أكبر المتضررين هي كندا تليها البرازيل ثم كوريا الجنوبية والمكسيك، وجميعها دول لطالما اعتبرها الساسة الأمريكيون حلفاء تاريخيين للولايات المتحدة.

 

ولكن، كما هو متوقع لم تقف الدول المتضررة من التعريفات مكتوفة الأيدي، فالكنديون على سبيل المثال بعد أن صفعهم "ترامب" على خدهم الأيمن لم يديروا له الأيسر كما توقع وإنما ردوا له الصفعة من خلال فرض تعريفات مماثلة على وارداتهم الأمريكية. ووصف رئيس وزرائهم الإجراءات الأمريكية بأنها "إهانة" لبلاده.

 

على خطى "بوش"

 

في أوائل عام 2002 فرضت إدارة الرئيس "جورج دبليو بوش" رسوماً جمركية على واردات البلاد من الصلب في محاولة لحماية صناعة الصلب الأمريكية من الإغراق الأجنبي.

 

الرسوم الجمركية التي دخلت حيز التنفيذ في مارس/آذار من ذلك العام – والتي كان من المفترض أن تستمر لثلاث سنوات – وصلت قيمتها إلى 30%، وتم فرضها على كل دول العالم باستثناء عدة دول من بينها كندا والأردن والمكسيك.

 

لكن هذه التعريفات فشلت في تحقيق الأهداف المرجوة منها وألحقت بالاقتصاد الأمريكي أضراراً جسيمة. وربما تعطينا هذه الواقعة فكرة حول ما يمكن أن نتوقعه من نتائج التعريفات المفروضة مؤخراً من جانب "ترامب" على الصلب والألمنيوم.

 

أثرت هذه التعريفات بشكل سلبي على أسعار المنتجات التي يدخل الصلب في تصنيعها وأضرت بصناعات كثيرة أهمها، المعادن المصنعة والآلات والمعدات الثقيلة ومعدات النقل وقطع الغيار وشركات المقاولات ومصنعو الإطارات، وغيرها من الصناعات الأخرى التي تستخدم الصلب كأحد مدخلات الإنتاج.

 

وأشارت ورقة بحثية نشرتها شركة الاستشارات الاقتصادية "ترايد براتنرشيب ورالدوايد" في الرابع من فبراير/شباط 2003 تحت عنوان "العواقب غير المقصودة للتعريفات المفروضة على واردات الصلب بالولايات المتحدة: تقدير كمي للآثار المترتبة في عام 2002" إلى أنه في نفس العام الذي قررت فيه إدارة "بوش" فرض التعريفة الجمركية كان عدد العمال الذين فقدوا وظائفهم بسبب ارتفاع الأسعار أكبر من مجموع ما وظفته شركات الصلب الأمريكية.
 

كانت الغالبية العظمى من الشركات الأمريكية المستهلكة للصلب عبارة عن شركات صغيرة. فوفقاً لذات الدراسة، كان 98% من الشركات الأمريكية المستهلكة للصلب والبالغ عددها 193 ألف شركة توظف أقل من 500 عامل.

 

هذا يعني أن هذه الشركات لم يكن أمامها خيار آخر سوى تقبل تلك الأسعار. بعبارة أخرى، كانت هذه الشركات أصغر من أن تمتلك القدرة على التأثير في الأسعار، ولذلك كان عليها قبول حقيقة أن تكلفة المدخلات ارتفعت، ولا يوجد مفر من تمرير الجزء الأكبر من هذه الزيادة إلى المستهلك.

 

 

تسببت التعريفات في ارتفاع أسعار الصلب، وهو ما أثر سلباً على كل الصناعات الأمريكية المستخدمة لهذا الخام، والتي اضطرت إلى تسريح 200 ألف عامل خلال ما يقرب من عام، وهو ما يتجاوز إجمالي الوظائف التي خلقها قطاع إنتاج الصلب في نفس الفترة والتي بلغت نحو 187.5 ألف وظيفة.

 

لكن الآثار السلبية لهذه التعريفات لم تتوقف عند هذا الحد. فبسبب أن أسعار الصلب في الولايات المتحدة أصبحت أعلى مقارنة مع الدول الأخرى، أصبح لدى المصنعين الأجانب للمنتجات المحتوية على الصلب ميزة التكلفة على المصنعين الأمريكيين لنفس المنتجات، وهو ما شجع المتعاملين مع الشركات الأمريكية إلى التحول نحو نظيرتها الأجنبية الأقل تكلفة.

 

بعد حوالي 21 شهراً من إقرارها، وتحت وطأة ضغوط داخلية وخارجية تزعمها الاتحاد الأوروبي الذي كان يستعد للرد بإجراءات قاسية، اضطرت إدارة "بوش" لإلغاء التعريفات بعد أن اتضح للجميع أن الفوائد التي سيحصل عليها المنتجون المحليون من هذه التعريفة أقل بكثير من التكلفة التي سيتحملها المستهلكون.

 

باختصار، تتضاءل فوائد السياسات الحمائية الهادفة إلى إنقاذ عدد قليل جداً من الوظائف في صناعة الصلب الأمريكية أمام العواقب السلبية على الاقتصاد الناجمة عن ارتفاع الأسعار وخسارة العمال في صناعات أخرى لوظائفهم.

 

عواقب التعريفات التي فرضها "بوش" ليست فريدة من نوعها، ويتوقع الكثير من الخبراء حدوث تأثيرات مشابهة من التعريفات الجديدة المفروضة من قبل إدارة "ترامب".

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة