جرت العادة أن يشتري الناس الحقائب ليحتفظوا بأموالهم داخلها لكن في بلد يفترض أنه غني نفطيًا وكان يومًا من أقوى اقتصادات العالم، انقلبت الآية بعض الشيء، فالآن يصنع الناس حقائبهم ومتعلقات الزينة وغيرها من الأوراق المالية مباشرة، في عملية أشبه بحياكة بنطال من القماش، بحسب تقرير لـ"بي بي سي".
تمامًا كما كانت الحاجة هي الدافع وراء ابتكار النقود كوسيلة وسيطة لتبادل السلع وإتمام عمليات البيع والشراء، دفعت الحاجة الفنزويليين إلى استخدام عملاتهم الورقية التي تتميز بألوانها الجذابة -ربما يكون ذلك كل ما تتميز به بعدما فقدت قيمتها كاملة تقريبًا- في محاولة تحقيق قيمة لها عبر إعادة تشكيلها وبيعها.
ومع بلوغ التضخم معدلات مرعبة وتوقع المزيد من التدهور في الوضع الاقتصادي، باتت عملة البوليفار بلا قيمة، أو كما يقول البعض: "حبر على ورق"، وذلك رغم إصدار البوليفار السيادي الجديد بعد حذف خمسة أصفار من العملة، لكن بالنسبة لأصحاب الحرف الفنية فإن هذه الأوراق الملونة عديمة الجدوى تشكل فرصة اقتصادية لهم.
يعاني البلد اللاتيني على مدى السنوات القليلة الماضية من انهيار اقتصادي مصحوب بتدهور حاد في قيمة العملة، ما جعل الملايين من السكان يعانون الجوع والفقر المدقع، وهو ما شجع حرفيين أمثال "إديسون إنفانتي" البالغ من العمر 23 عامًا على نسج العملات الورقية معًا لتشكيل الحقائب ومجسمات للحيوانات.
ومثلهم مثل الملايين الآخرين من سكان بلادهم، غادر الكثير من هؤلاء الحرفيين فنزويلا ويعملون الآن في مدينة كوكوتا الحدودية الكولومبية لدعم أسرهم داخل الوطن، وقد اجتذبت أعمالهم المشترين من جميع أنحاء كولومبيا والعالم، نظرًا لرمزيتها عن فشل الاقتصاد.
ويمكن أن تتكون الحقيبة الواحدة مما يزيد على ألف عملة ورقية، والتي تبلغ قيمتها بضعة سنتات أمريكية، وتتراوح أسعار هذه الأعمال بين 7 إلى 15 دولارًا، وهو مبلغ يكفي لإطعام أسرة كاملة لمدة أسبوعين على الأقل في فنزويلا، وفقًا لـ"إنفانتي".
السقوط في غياهب التضخم الجامح جفف حسابات التوفير ودمر قيمة أجور المواطنين في فنزويلا، وفي كل صباح جديد، يضطر عشرات الآلاف لعبور الحدود الغربية إلى كوكوتا -التي تبعد نحو 680 كيلومترًا عن العاصمة كاراكاس- آملين في العثور على عمل أو التمكن من شراء طعام نادرًا ما يجدونه داخل بلادهم، أو حتى للهجرة إلى مكان آخر.
ويتوقع صندوق النقد الدولي وصول معدل التضخم السنوي في البلاد إلى مليون في المائة بنهاية العام الجاري، وذلك رغم محاولة الحكومة للحد من التضخم، والتي أسفرت عن إصدار البوليفار السيادي والذي يفترض أن تساوي قيمته 100 ألف بوليفار قديم، لكن لم تظهر أي مؤشرات تبرهن على نجاح هذه الخطوة في محاصرة الأزمة، بل يحذر محللون من تسببها في تأجيج الوضع.
على الحدود الفنزويلية، يجلس أشخاص في الطرقات واضعين أمامهم مبالغ مالية كبيرة من فئة 20 ألفا و50 ألفا و100 ألف بوليفار -لم تصل العملة الجديدة إلى كاكوتا حتى الآن- حيث يستبدل آلاف الفنزويليين العائدين إلى ديارهم العملات التي لديهم قبل الدخول إلى البلاد.
فيما تُعامل الفئات الأقل من العملة القديمة كالنفايات، مثل الأوراق النقدية فئة 10 بوليفارات المطبوعة في عام 2011، أو 100 بوليفار و1000 بوليفار المطبوعتين في 2015 و2016 على التوالي، حيث توضع مبعثرة داخل أكياس القمامة.
ويشتري الفنانون مثل هذه العملات، ويدفعون دولارًا واحدًا مقابل كيس كبير مليء بهذه الفئات الأموال، وهو أكثر مما تستحق، لكنهم يعيدون توجيهها بالطبع إلى صناعة منتجات فنية وعملية أيضًا نظرًا لقوة أوراق البنكنوت المقاومة للماء، وهو ما يضمن لهم عائدا أعلى.
بالنسبة لـ"إنفانتي" فإن الحقائب والمنتجات المنسوجة من العملات الورقية وفرت له سبيلا للعيش بشكل جيد نسبيًا، في الوقت الذي يلجأ فيه الكثير من أبناء شعبه لبيع الحلوى أو ممارسة أعمال شاقة، لكنه يمكنه الآن العودة لمنزله حال باع وحدة واحدة فقط في اليوم.
يأمل الفنزويلي الشاب أن تؤهله مهنته إلى الابتعاد عن المنطقة الحدودية والوصول إلى مدن كبرى أخرى حيث يمكنه كسب المزيد من المال، مثل بوغوتا في كولومبيا، أو ليما في بيرو، لكن أمله الأكبر والأشد إلحاحًا كما يقول، هو العودة إلى فنزويلا سليمة معافاة من السقم يومًا من الأيام.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}