ارتفاع سعر خام "برنت" إلى 85 دولارًا للبرميل مؤخرًا، وتوقع بعض المحللين وصوله إلى 100 دولار في وقت قريب، أعاد للأذهان ما حدث عند وصول النفط إلى مستوى قياسي بلغ 147.5 دولار للبرميل عام 2008، لكنه على أي حال ما زال بعيدًا عن هذه المحطة، بحسب تقرير لـ"بلومبرج".
ورغم أن ابتعاد النفط عن مستواه التاريخي المرتفع يبدو مريحًا، فمن الخطأ الاستسلام لهذا الشعور، لأن أغلب سكان العالم يعيشون الآن أو على الأقل يقتربون من استشعار مستويات أسوأ من الضغوط التي تحملوها أثناء الطفرة السعرية في 2008.
بينما لا يزال سعر خام "برنت" الدولاري منخفضًا مقارنة بما حققه قبل عقد من الزمان أثناء صحوته، إلا أن القصة تختلف عند تسعيره وفقًا لقيم عملات الأسواق الناشئة، ففي البرازيل على سبيل المثال، ارتفع سعر النفط بالريال إلى مستوى قياسي جديد يتجاوز ما سجله في 2008 بنحو 50%.
وفي المكسيك أيضًا تجاوز سعر "برنت" بالبيزو مستواه القياسي المسجل قبل 10 أعوام، وخلال الشهر الماضي، تحركت الأسعار في بولندا وجنوب إفريقيا أعلى مستوياتها القياسية المسجلة خلال عام 2008، أما الأسعار في الهند وإندونيسيا فلم تكن بعيدة عن كسر مستويات مرتفعة جديدة.
تعميق الجراح: انهيار العملات المحلية
- مع انخفاض عملات الأسواق الناشئة مقابل العملة الأمريكية، فإن السعر الدولاري للنفط الخام يتزايد بالنسبة للمستهلكين في البلدان الأقل ثراءً، وهو ما يفسر دخول سائقي الشاحنات البرازيليين في إضراب عن العمل خلال مايو/ أيار الماضي.
- كما تُلقي هذه الديناميكية الضوء على تزايد الشعبية السياسية لزعيم اليمين الشعبوي المتطرف في البلاد "يائير بولسونارو"، والذي يتمتع بحظوظ لا بأس بها للفوز بالانتخابات الرئاسية التي ستجري يوم الأحد المقبل بعد دعمه لإضرابات العمال.
- في المكسيك، ساهمت هذه الديناميكية في إعادة إحياء سياسي لـ"أندريس مانويل لوبيز أوبرادور" الذي فاز برئاسة البلاد في الأول من يوليو/ تموز الماضي، بعد وعوده بتثبيت أسعار الوقود عبر بناء المزيد من مصافي النفط وزيادة الإعانات الحكومية.
- بنفس الطريقة يمكن أن تتأثر الانتخابات الهندية، فتحرير الأسعار وفرض حزمة من الضرائب الإضافية على أعمال التجزئة للوقود أثناء انهيار أسعار النفط عام 2014، دفع تكلفة الوقود في بعض المدن الهندية إلى مستويات قياسية اليوم.
- في بعض المناطق داخل البلاد يصل سعر غالون البنزين (3.78 لتر) إلى أكثر من ثلاثة أرباع متوسط الدخل اليومي، فيما تبلغ تكلفة اللتر في مانيلا عاصمة الفلبين 1.10 دولار، وهو ما يزيد بمقدار الربع عما كانت عليه في بداية العام.
سلاح الدعم ومخاوف الاستهلاك
- لدى بعض الدول آليات مختلفة لتخفيف هذه الآثار، فقد أنفقت حكومات العالم 105 مليارات دولار على دعم أسعار النفط في 2016، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، وهو رقم من المرجح أن يكون قد ارتفع بشكل كبير منذ ذلك الحين، نظرًا للتغير الكبير في قيمة الخام.
- عادة ما تسهم مثل هذه الإجراءات في تهدئة المستهلكين، لكنها تأتي مصحوبة بتكلفة، فمثلًا لا يتجاوز سعر لتر البنزين واحد سنت في فنزويلا، لكن التباين الشديد مع الأسواق المجاورة يغذي الجريمة المنظمة وعمليات التهريب على طول الحدود.
- علاوة على ذلك، تضر هذه الإعانات بالميزانيات الحكومية، خاصة عندما تتزايد بالتوازي مع انخفاض العملة المحلية، وهو خطر بدا جليًا في إندونيسيا التي ألغى رئيسها "جوكو ويدودو" دعم الوقود عقب اعتلائه السلطة عام 2014.
- قد يميل "ويدودو" إلى إعادتها مرة أخرى قبيل انتخابات العام المقبل، وفقًا لوكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز جلوبال ريتنجز"، وبجانب إندونيسيا فقد تلجأ ماليزيا وتايلاند أيضًا إلى دعم أسعار الوقود.
- مع الضغوط المرتقبة على الإمدادات الإيرانية بفضل العقوبات الأمريكية، وتدهور الأوضاع في فنزويلا، يبدو أن جانب العرض سيظل مقيدًا، ومع ذلك يأمل المستهلكون والحكومات في الأسواق الناشئة أن تتسبب معاناتهم مع أسعار الوقود في تهدئة حدة تحركات النفط.
- الأسعار المرتفعة سيكون لها تأثير على الطلب عند نقطة معينة، إذ تقول شركة "بي بي": استهلاك النفط في الدول المتقدمة بلغ ذروته بالفعل، لذا فإن الطلب المتزايد في المستقبل يعتمد على المستهلكين في العالم الناشئ، والذي إذا ما عطس، سيصاب سوق النفط العالمي بالبرد.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}