على الرغم مما حققته الصين من معدلات نمو قياسية خلال العقود الثلاثة الماضية دفعت بكثيرين إلى توصيف الصين بـ"المعجزة"، إلا أن الأمر كان له تكلفته الأكيدة بزيادة كبيرة في الديون تهدد التجربة الصينية كلها بالتراجع، وربما بالفشل.
ديون تتفاقم
وشهدت الديون الصينية نموًا متسارعًا للغاية منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، إذ انطلقت من 171% كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي وقتها إلى قرابة 300% عام 2018 (التقديرات الرسمية تشير إلى 260% وصندوق النقد الدولي يقدرها بـ235%).
وبرغم وصول إجمالي ديون بعض الدول المتقدمة إلى قرابة 400% (إجمالي الديون وليس تلك الحكومية فحسب)، إلا أن متوسط النسبة في الدول النامية لا تتجاوز 130%، لتبدو الصين في منطقة وسط بين الطرفين بديون أكبر من الدول النامية وأقل من تلك المتقدمة (الصناعية).
وبتحليل الديون الصينية يلاحظ استحواذ ديون الشركات غير المالية على نصيب الأسد بنسبة تصل إلى 160% من الناتج المحلي، بينما تأتي الديون الحكومية ثانية (46%)، وتتقاسم الشركات المالية والقروض الشخصية وقروض الإسكان النسبة الباقية (93%).
ولعل السبب وراء تركز النسبة الأكبر من الديون لدى الشركات الصينية غير المالية في رغبة تلك الشركات في مواكبة النمو الكبير عالميًا على مختلف السلع والخدمات، والتي تعد الصين في صدارة الدول التي تواجهها وتعيد حالة التوازن للسوق العالمي (من خلال إنتاج كبير رخيص الثمن نسبيًا).
كما أن الأسلوب الذي تعمل به بكين في الحفاظ على النمو الاقتصادي بالتركيز على قطاعات بعينها يزيد من ديون تلك القطاعات، فعلى سبيل المثال ومع التركيز على قطاع السيارات خلال عام 2017 زادت ديون هذا القطاع بنسبة 21% عما كانت عليه خلال عام 2016. وفي قطاع إنتاج الرقائق الإلكترونية ارتفعت نسبة ديون القطاع بـ14% خلال عام 2017 أيضًا.
تداخل سياسي
والسبب الرئيسي وراء تسبب الأزمة المالية بزيادة الديون الصينية ليس التأثر المباشر للصين نفسها، ولكن التوسع الصيني في الاستثمار والإقراض في العديد من المناطق، ولا سيما في جنوب شرق أسيا (بوصفها محيطها المباشر) وأفريقيا (منجم ثرواتها الطبيعية).
ففي إفريقيا على سبيل المثال، أقامت الصين الكثير من الطرق في كينيا بهدف نقل المواد الخام إليها، غير أن هذه الطرق تنقل فقط 20% مما يجب نقله لتعويض تكلفتها، بينما موّلت أيضًا إنشاء طرق في لاوس حيث منحت الصين الدولة الصغيرة قرضًا بآجال طويلة بدون فوائد. أما في سريلانكا فقدمت الصين قروضًا لإنشاء موانئ يتم تسديدها على 99 عامًا للدولة الفقيرة.
يعكس هذا أزمة تعترض طريق الصين –والكثير من الدول- في تداخل الأغراض السياسية مع الاقتصاد، بما يؤذي الأخير، ولا سيما في ظل معاناة شركائها السياسيين من أوضاع اقتصادية سيئة.
ولعل هذا هو ما جعل بكين معتادة على الإنفاق لإنقاذ الشركاء السياسيين المتعثرين، سواء كان ذلك في فنزويلا، والتي تقدر "فوربس" المساعدات الصينية لها منفردة بأكثر من 60 مليار دولار على مدى عقد ونصف العقد تقريبًا، أو في دول أخرى لدول مثل كوريا الشمالية والأرجنتين وغيرهما.
تأثير عالمي
وتحذر "فوربس" من أن استمرار نمو الديون الصينية من شأنه التأثير لاحقًا ليس فقط على الاقتصاد الصيني ولكن على العالم أجمع، فالتداخل الصيني في التجارة العالمية يفوق أية دولة أخرى –بما في ذلك الولايات المتحدة- وبالتالي فإن أزمة ديون أو أزمة بنكية في البلاد ستؤثر عالميًا بشكل سريع.
ولعل الولايات المتحدة نفسها ستكون من كبار المتضررين من أزمة ديون صينية، حيث ستعمل الصين على بيع 1.2 تريليون دولار سندات أمريكية بحوزتها، كما ستقل الاستثمارات الصينية الكبيرة في الولايات المتحدة كثيرًا بطبيعة الحال.
وتشير شبكة "بلومبرج" إلى أن الأمر الوحيد المبشر في "المعضلة الصينية" المتعلقة بالديون هو توقفها عن الزيادة (ككل) خلال عام 2018 وفقًا لغالبية التقديرات المستقلة، بما يعني أنها قد تتراجع مستقبلًا أو على الأقل تبقى كما هي (تشير تقديرات الشبكة إلى ديون بإجمالي 266% من الناتج المحلي الإجمالي).
وتحذر "رويترز" من أن ثبات الديون الصينية أو حتى تراجعها لن يكون أمرًا إيجابيًا إذا لم يستمر النمو الاقتصادي بمعدلات كبيرة، حيث يضمن الأخير استمرار "طمأنة" الأسواق للقدرة الصينية على سداد ما عليها من التزامات.
وبلغ الأمر بأزمة الديون الصينية إلى الحد الذي دعا كاتبا أمريكيا لإصدار كتاب يحذر فيه من "سور الصين العظيم الجديد سيكون من الديون"، لافتًا إلى أن السعي الصيني لكي تصبح بكين "الأكبر في كل شيء"، قادها لأزمة ديون متفاقمة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}