كما كانت البنوك الأمريكية سببًا في اندلاع أزمة الرهن العقاري التي أشعلت نيران أزمة مالية على نطاق أكبر وجدت سبيلها إلى باقي أنحاء العالم، كان الاحتياطي الفيدرالي سببًا في وقوع أكبر كارثة اقتصادية في القرن العشرين والمعروفة باسم الكساد الكبير أو الكساد العظيم والتي اندلعت عام 1929 ولم يتلاش أثرها تمامًا حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في الواقع كانت أزمة 2008 والمعروفة أيضًا باسم "الركود الكبير" تيمنًا بـ"الكساد الكبير" أخف وطأة على الصعيدين الأمريكي والعالمي، وهنا يجدر التفريق بين الركود والكساد، فالأول هو انكماش الاقتصاد على مدى أشهر متتالية، والثاني يعكس تدهورًا اقتصاديًا حرجًا قد يستمر لسنوات، ويمكن التعرف على الفرق بين الاثنين بشكل مفصل من هنا.
وبحسب "وول ستريت جورنال"، كان الكساد الكبير أشبه بالسقوط من القمة إلى الحضيض بالنسبة للعالم، الذي لم يختبر أي تجربة قاسية شبيهة به منذ مدة طويلة، ولا حتى خلال الأزمة المالية الأخيرة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 15% خلال الفترة من عام 1929 إلى 1932 -مع العلم أن الآثار السلبية والتداعيات امتدت إلى ما بعد ذلك- فيما تراجع بنسبة 1% فقط بين عامي 2008 و2009.
ميلاد الكساد الكبير
- تشير بعض التقديرات إلى استمرار الكساد لمدة 10 سنوات، لكن مؤرخين واقتصاديين يعتقدون أن آثاره السيئة استمرت أطول من ذلك ولم تتلاش بشكل كامل حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وتحديدًا في عام 1946.
- على أي حال، كانت البداية في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1929، عندما باع المتداولون 12.9 مليون سهم في يوم واحد، وهو ثلاثة أضعاف الحجم المعتاد في "وول ستريت"، وعلى مدى الأربعة أيام التالية، تراجعت أسعار الأسهم بنسبة 23% خلال ما عرف بانهيار البورصة الأمريكية آنذاك، بحسب موقع "ذا بالانس".
- طالت آثار الكساد الكبير جميع جوانب المجتمع في الولايات المتحدة، وبحلول عام 1933 قفزت البطالة من 3.2% إلى قرابة 25% من القوى العاملة بالبلاد، وانخفضت الأجور بنسبة 42%، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 55 مليار دولار من 103 مليارات، وكان ذلك نتيجة طبيعية للانكماش، الذي دفع الأسعار للهبوط بنسبة 10% سنويًا.
أمريكا تصدر الأزمة
- مع ذعر القادة السياسيين، قررت واشنطن تمرير ما يعرف بتعريفة "سموت- هاولي" لحماية الصناعات المحلية والوظائف، ونتيجة ذلك، انخفضت التجارة العالمية بنسبة 65% وفقًا لقيمتها الدولارية في ذلك الوقت، وبنسبة 25% وفقًا لعدد الوحدات.
- رغم التدخلات غير المسبوقة والإنفاق الحكومي الكبير من قبل إدارات "هربرت هوفر" و"فرانكلين روزفلت"، ظل معدل البطالة في أمريكا قرب 19% في عام 1938، وبقي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي دون مستويات ما قبل 1929 في الوقت الذي كانت تقصف فيه اليابان البحرية الأمريكية في بيرل هاربور أواخر عام 1941.
- رغم أن انهيار البورصة حفز الانكماش الاقتصادي على مدى عقد من الزمان، يرى المؤرخون أنه ليس السبب الوحيد وراء الكساد الكبير، ولا يفسر لماذا كان عميقًا وطويلًا إلى هذه الدرجة الكبيرة، ويؤكدون أن مجموعة متنوعة من الأحداث والسياسات أدت إلى إطالة أمده.
خطيئة الفيدرالي
- وفقًا لموقع "إنفستوبيديا"، أساء الاحتياطي الفيدرالي إدارة إمدادات النقود والائتمان قبل وبعد انهيار سوق الأسهم عام 1929، وهو أمر أقر به الاقتصادي الشهير "ميلتون فريدمان" ورئيس الفيدرالي الأسبق "بن برنانكي".
- لم ينشط دور الاحتياطي الفيدرالي طيلة السنوات الثماني الأولى بعد تأسيسه عام 1913، وعقب تعافي الاقتصاد من الكساد الذي ضرب البلاد بين عامي 1920 و1921، سمح البنك المركزي الأمريكي بتوسع نقدي كبير.
- نما إجمالي المعروض النقدي بمقدار 28 مليار دولار، بزيادة نسبتها 61.8% بين عامي 1921 و1928، وارتفعت الودائع المصرفية بنسبة 51.1%، وزادت المدخرات بنسبة 224.3%، وقفز صافي احتياطيات التأمين على الحياة بنسبة 113.8%.
- من خلال زيادة المعروض النقدي، وإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، حرض الاحتياطي على التوسع السريع الذي سبق الانهيار، حيث غذى المعروض النقدي الفقاعات في سوق الأسهم والعقارات، وحتى بعد الانهيار، اتخذ البنك المركزي مسارًا معاكسًا تمامًا بخفض معروض النقود بمقدار الثلث، وهو ما تسبب في مشكلات حادة بالسيولة لدى العديد من البنوك الصغيرة وخنق آمال الانتعاش السريع.
الحرب تنقذ الأمريكان
- وفقًا لبيانات الناتج المحلي الإجمالي وسوق العمل، بدأت آثار الكساد الكبير تتلاشى فجأة في الفترة بين عامي 1941 و1942، تمامًا مع دخول الولايات المتحدة إلى الحرب العالمية الثانية.
- انخفضت البطالة إلى أقل من مليون فرد عام 1943 بعدما بلغت 8 ملايين عام 1940، مع العلم أنه تم تجنيد أكثر من 16.2 مليون مواطن للقتال في صفوف الجيش الأمريكي، ومع ذلك نما معدل البطالة الحقيقي في القطاع الخاص خلال الحرب.
- بسبب نقص الإمكانات في ظل الحرب، انخفض مستوى المعيشة، وارتفعت الضرائب بشكل كبير لتمويل العمليات العسكرية، وتراجع الاستثمار الخاص إلى 5.7 مليار دولار في 1943 من 17.9 مليار دولار عام 1940، وانخفض إجمالي إنتاج القطاع الخاص بنحو 50%.
- لكن بعد انتهاء الحرب، ارتفعت الاستثمارات الخاصة إلى 30.6 مليار دولار خلال 12 شهرًا من 10.6 مليار دولار، وبدأت سوق الأسهم موجة صعودية خلال سنوات قليلة.
- في غضون 100 يوم من انتخابه رئيسًا للبلاد عام 1932، أقر "فرانكلين روزفلت" قانون ما يعرف بـ"الاتفاق الجديد"، والذي نص على إنشاء عشرات الوكالات وخلق فرص العمل والسماح بتدشين النقابات وتقديم تأمين ضد البطالة، مع ذلك، يزعم الكثيرون أن الحرب العالمية الثانية، وليس "الاتفاق الجديد"، هي ما أنهت فترة الكساد الممتدة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}