تزدهر التكنولوجيا الحضرية في الأسواق المزدحمة بالمدن الكبرى مثل داكار وكراتشي والتجمعات غير الرسمية في مدن مثل أديس أبابا وريو دي جانيرو على حد سواء، حيث يشيع استخدام الجوالات الذكية والتطبيقات في طلب سيارة للتنقل أو معرفة أماكن الازدحام المروري أو شراء القهوة، وفقاً لما ناقشه أحد تقارير "المنتدى الاقتصادي العالمي".
بالنسبة للمواطنين الذين يعيشون في حواضر العالم ذات الدخل المتوسط والمنخفض تبدو الشركات التكنولوجية مثل "ويز" و "أوبر" والشركات المماثلة على المستوى الداخلي محلية بالكامل، حيث تأخذ الشركات الأجنبية شكلاً محلياً.
يفشل العديد من الشركات التكنولوجية الأجنبية والشركات الناشئة في تلبية المطالب الملحة لأغلبية سكان المدن في الدول النامية، ورغم تبني الوسائل التكنولوجية واسع الانتشار، يمكنها فقط تقديم خدماتها لطبقة النخبة، بينما تترك الغالبية من الفقراء في إفريقيا وآسيا والأمريكتين يصارعون للحصول على الخدمات الأساسية مثل الأمن والصرف الصحي.
نمو سريع للمدن الآسيوية
- انصب تركيز الجيل الأول من مقدمي خدمات المدن الذكية إلى حد كبير على المدن الثرية في الاقتصادات المتقدمة، فكانت أولى الشركات التي تتنافس على تقديم هذه الخدمات مثل "آي بي إم" و "سيسكو" تركز على مدن أمريكا الشمالية وأوروبا قبل الانتشار في المراكز الحضرية سريعة النمو في شرق وجنوب غرب آسيا.
- في الفترة الأخيرة، تتبنى شركات التكنولوجيا الحضرية المحلية في المدن سريعة النمو في الصين والهند وسنغافورة مناهج مشابهة لتلك التي تتبناها الشركات الأمريكية والأوروبية الكبرى، ويبدو الأمر غير مفاجئ، لأن المدن الآسيوية الكبيرة تمتلك الثروة والقدرة والعزم للاستفادة من الابتكارات الحديثة، كما أن لديهم عقولا مبدعة تفكر في إيجاد حلول للمشكلات المحلية.
- اعتادت المجموعات الإعلامية المؤثرة مثل "الإيكونوميست" و"ماكنزي" أن تصنف المدن العالمية مثل نيويورك ولندن وباريس وسنغافورة وسول على أنها "الأذكى تكنولوجياً"، وتركز الشركات التي تستثمر في تقنيات المدن الذكية على نطاق محدودة يقع بين ثلاثمائة إلى ستمائة مدينة متقدمة تقود الاقتصاد العالمي.
- كثيراً ما ينزعج كبار المسؤولين أو المواطنون في المدن الفقيرة من غلاء أسعار الأنظمة التي تقدمها الشركات الأجنبية، وفي أكثر الأحيان لا تناسب منتجاتهم الواقع المحلي، لكن في بعض الأحيان يستطيعون تعزيز الانقسامات الرقمية والاستفادة من خدمة الإنترنت المنتظم التي يتمتع بها فئة قليلة.
بيئة أفضل لتطوير الحلول الذكية
- يعتقد علماء التكنولوجيا في أهمية المبادئ الأولية كقاعدة لحل المشكلات وتصميم الحلول بطريقة إبداعية، ومع ذلك قد تبدو التقنيات الموجهة حصرياً لمستهلكي الحواضر الثرية أكثر تطوراً وأقل أصولية من المفترض، ذلك لأنها صُممت وفقاً للبنيات التحتية القائمة والمؤسسات الصارمة ومستوى منخفض من العزوف عن المخاطرة.
- على النقيض، هناك حاجات ملحة تخلق ظروف أفضل للابتكارات الأصولية والانتشار واسع النطاق، حيث إن 90% من نمو السكان بالحضر بحلول عام 2025 سيكون في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، في حين أن هذه المناطق هي الأقل في الحصول على خدمات التكنولوجيا الحضرية.
- لكن هناك حدودا يتوقف عندها الإنجازات التكنولوجية، فالفقر وعدم المساواة وضعف المؤسسات والبنية التحتية المتهالكة لا يمكن مواجهتها من خلال لوحات المعلومات وأجهزة الاستشعار والتطبيقات الذكية.
ومن ثم، كيف يمكن تحديد القطاعات التي تستطيع التكنولوجيا الحضرية صنع فارق كبير بها؟
نظرة على تكنولوجيا المدن الفقيرة
المواصلات العامة: تعتمد المدن منخفضة الدخل على شبكة مواصلات مصغرة بأسعار مناسبة وعالية الاستجابة للطلب وتُعرف بأسماء مختلفة مثل "ماتاتوس" أو "بسيروس" وتقتصر خدماتها على وجهات معينة، وتتمثل المشكلات التي تواجهها في المخاطر الأمنية وفقر الأدوات والفساد.
بالتالي، فإن وجود شركة عملت على تطوير الحلول التكنولوجية وتنظيم المواصلات غير الرسمية في إفريقيا وآسيا والأمريكتين مثل مشروع "ماتاتوس الرقمي" في نيروبي، قد يساعد على حل المشكلات التي تواجه شبكات المواصلات المصغرة في المدن الأكثر ثراءً.
المشي وركوب الدراجات: تسعى بعض المدن الثرية إلى تبني خطة لتعزيز أمن المشاة وراكبي الدراجات لكنها ما زالت لم تتمكن بعد من إدارة التدفق المروري لهم بنفس الطريقة التي تُطبق على التدفق المروري للمركبات، لكن تبدو المدن منخفضة الدخل أكثر احتياجاً لمثل هذا النظام، نظراً لأن حوالي 40% من سكانها يسيرون على الأقدام أو يركبون الدراجات.
هنا يمكن أن تصنع التكنولوجيا فارقاً عظيماً من خلال تركيب نظام كاميرات وأجهزة استشعار تساعد على توليد بيانات حول حركة المشاة وراكبي الدراجات واتخاذ تدابير وقائية لتعزيز أمنهم، أما في الدول الأكثر ثراء فيمكن حل المشكلة بتعديل أنظمة الإشارات القائمة.
المعاملات العقارية: تعاني غالبية المدن في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية من مشكلات جوهرية عند البحث عن عقارات مثل إثبات وتتبع ملكية العقارات في مناطق وتجمعات غير رسمية ليس لها أي سجلات.
"بيتلاند" إحدى الشركات التي ظهرت في غانا تعمل على تطبيق تكنولوجيا "بلوك شين" على سندات الملكية، ما يساعد على التخلص من مخاطر تزوير الوثائق وضعف الحفاظ على السجلات.
التشييد: رغم انتشار بناء الوحدات فإنه نادراً ما يُمارس في تشييد المباني الكبيرة وما زال مكروهاً في كثير من المدن الثرية، حيث إن قوانين البناء وتوقعات المستهلكين تجعل سرعة ابتكار تكنولوجيا جديدة في المدن الأمريكية والأوروبية أكثر صعوبة، لكن العوامل الضرورية للنمو وتقليل التكلفة تتيح فرصة أكبر في إفريقيا، حيث إن 60% من سكان المدن يعيشون في تجمعات غير رسمية.
توصيل المياه: تعاني المدن الفقيرة من تركيب أنظمة توصيل مياه صغيرة الحجم بالنسبة لمعدلات التوسع الحضاري، وترتفع معدلات تسريب المياه وقد تصل إلى 50%، ومن ثم يعتمد السكان على إمدادات مياه غير رسمية من خلال موزعين، ما يخلق ضغطا كبيرا على المياه المحلية.
يمكن تطوير تقنيات حديثة مثل أجهزة الاستشعار لتتبع استخدام المياه، وروبوتات لإصلاح أنابيب نقل المياه.
الأمن: يستعين سكان المدن الفقيرة بمجموعات محلية مأجورة للدفاع عن النفس أو حتى بعصابات الشوارع للحماية داخل التجمعات غير الرسمية.
ومن ثم، توفير مناهج جديدة تستخدم تكنولوجيا تعزز السلامة الجسدية قد يتم اعتمادها ونقلها بسهولة إلى تلك المدن، وهناك بالفعل شركات كثيرة تُعرف بـ"فيكتيك" في المدن الأكثر تعرضاً للجرائم في الدول النامية.
الفساد: ينتشر الفساد بشكل أكبر في المدن الفقيرة، وتقدم شركات مثل "كوبكاست" في "ريو دي جانيرو" بالتعاون مع تطبيق "جيجسو" الذي تطوره "ألفابت" جوالا بسيطا يعمل بنظام "أندرويد" يمكنه تتبع ممارسات الفساد بتكلفة قليلة، ويُستخدم حالياً في مدن فلوريانوبوليس وكيبتاون وجيرسي سيتي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}