نبض أرقام
04:23
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

هل تقضي الرغبة "المحمومة" في النمو على الاقتصاد العالمي؟

2018/10/20 أرقام - خاص

بعد عقد كامل على الأزمة المالية العالمية ما زال الكثير من المفكرين الاقتصاديين يتساءلون عن أسبابها الحقيقية (بعيدًا عن تلك المباشرة)، وكيف يمكن تجنب تكرارها في المستقبل، خاصة مع التخوفات من حجم الأزمة المالية العالمية القادمة، وأنها قد تكون الأشد في التاريخ المعاصر.

 

 

منذ فجر التاريخ

 

ويرى الكاتب والاقتصادي الفرنسي الشهير "دانيال كوهين" في كتابه "رغبة لا نهائية للنمو" أن "الشغف" في النمو بنسب كبيرة بلا توقف هو السبب الرئيسي وراء حدوث الأزمة المالية العالمية، لا سيما مع العجز عن توفير سبل جديدة ومبتكرة لهذا النمو.

 

فمنذ تلاشي معاناة الإنسان مع حرفتي الجمع والالتقاط والرعي والزراعة الموسمية، وتوجهه للنشاط الاقتصادي المنظم في الزراعة القائمة على الري، عمد البشر إلى تطوير سبل الإنتاج باستمرار بما يتوافق مع رغبة دائمة في الحصول على "الوفرة"، وتقدمت التكنولوجيا بشكل مضطرد باستمرار لتواكب تلك الرغبة.

 

وكانت تلك هي المرحلة الأولى لـ"ثورة التطلعات المتصاعدة في النمو" ثم أتت المرحلة الثانية التي ارتبطت بالثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لتأتي المرحلة الأخيرة في هيئة الثورة التكنولوجية التي غيرت شكل النشاط الاقتصادي مجددًا.

 

وهنا بدأت الحكومات في صياغة النمو بشكل مختلف، فبدلًا من الحديث عن النمو الحقيقي، بمعنى ما يحصل عليه الناس من سلع وخدمات، تحول الأمر إلى التعبير الرقمي، والذي يتأثر بالعديد من العوامل أبرزها التضخم وسعر الصرف.

 

معدل نمو حقيقي سالب

 

ولذا فعلى الرغم من تحقيق الغرب لمعدلات نمو موجبة بشكل عام خلال العقود الأخيرة، إلا أن معدل النمو الحقيقي جاء سالبًا لغالبية الدول الغربية منذ سبعينيات القرن الماضي، تقلص ما بوسع المواطن الأوروبي والأمريكي الحصول عليه من سلع وخدمات.

 

 

وما يُبقي تأثير هذا الأمر غير ملموس، هو استمرار الفجوة الاقتصادية القائمة بين الدول الغربية ونظيرتها النامية، بما يجعل المواطنين في الأولى يشعرون بتميز "مزيف" خاصة إذا ما قارنوا حالة اقتصاداتهم بما كانت عليه قبل 40 عامًا.

 

فحجم الاقتصاد العالمي يبلغ 6 أمثال حجمه قبل 50 عامًا، وتضاعف متوسط الدخل العالمي ثلاث مرات على الأقل خلال الفترة نفسها، ورأى مئات الملايين دخولهم وهي تنمو بشكل ملحوظ، غير أن النمو الحقيقي يبقى محل تساؤل.

 

كما أتى الاستهلاك السريع للغاية للموارد الطبيعية أيضًا ليجعل النمو الاقتصادي أكثر تكلفة، خاصة مع ظهور مشاكل مستحدثة مثل الاحتباس الحراري وارتفاع منسوب المياه وأمراض مرتبطة بالتلوث مثل أمراض التنفس وحتى بعض أنواع السرطان.

 

"الموت الأسود"

 

ويبلغ معدل النمو "الرقمي" في الخمسين عامًا الأخيرة أربعة أمثال نظيره بين القرنين الثامن عشر والعشرين، غير أن الأسعار بقيت في المرحلة الأقدم أكثر استقرارًا على المستوى العالمي ما كانت عليه خلال السنوات الأخيرة، كما كان توزيع الدخل أفضل.

 

ويأتي هنا ما يعرف بـ"الموت الأسود" ويقصد به الاستهلاك المتسارع للموارد بما يهدد الكثير منها بالنضوب، وذلك لإبقاء الاقتصاد العالمي قادرًا على الوفاء بإمداد النمو السكاني المتصاعد باحتياجاته المختلفة، ولا سيما من الأغذية والسلع المصنعة.

 

فكافة دول العالم أصبحت مضطرة بشكل أو بآخر لتوجيه جزء من ثمار النمو المتراجعة لمواجهة تلك الظواهر الطبيعية، التي أصبحت تستهلك 15% تقريبًا من ثمار النمو العالمي بفعل الاضطرار لإقرار برامج لمكافحة التغير المناخي وتحسين الصحة العامة ومكافحة الأمراض المستحدثة.

 

 

كما تراجعت "الرغبة" العالمية في تحسين معادلات الإنتاج، بسبب القدرة الكبيرة على استخراج المواد الأولية، وبالتالي أصبحت فكرة استخدام مواد أولية أقل للحصول على نفس المنتجات غير مرغوبة بشكل كبير، على الرغم من أن هذه الفكرة كانت أساس النمو الاقتصادي على مدى التاريخ.

 

ويحذر "كوهين" في نهاية كتابه من أن عدم اكتشاف شكل جديد من أشكال التكنولوجيا كفيل بجعل الناس تتأكد، عاجلًا وليس آجلًا، من زيف النمو الذي تقدمه لهم حكوماتهم ومؤسساتهم الاقتصادية، بما يهدد بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بل والسياسية على مستوى العالم أجمع.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة