مع التطور البالغ في كافة مناحي الحياة يبدو التعليم بحاجة إلى التطور أيضًا، في الوقت الذي تقدر منظمة "يونيسكو" أن هناك حاجة لإنفاق 39 مليار دولار سنويًا لتطوير التعليم بما يحقق أهداف التنمية المستدامة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة.
مهارات مختلفة
ويشير "المنتدى الاقتصادي العالمي" إلى أن العبرة ليست بالمبلغ الذي سيتم إنفاقه ولكن بكيفية توجيهه.
فالاستمرار في تعليم المهارات فحسب من شأنه الإبقاء على الاقتصاد دون طفرات وعلى عنصر رأس المال البشري بدون تطوير ملموس، باستثناء نوعية الآلات أو عدد اللغات التي يتقنها الشخص، بما سيؤدي لتراجع دور البشر في العملية الإنتاجية.
وفي هذا الإطار، يشدد مركز "راند" على الحاجة لتعليم 5 مهارات أساسية للجيل المقبل بما يجعله يتلاءم مع سوق العمل وهي: الوعي الذاتي، إدارة الذات، الوعي الاجتماعي، مهارات العلاقات، القرارات المسؤولة. وقدر أن تلقي تلك المهارات من شأنها زيادة إنتاجية متلقيها بنسبة 20-45%.
وتزداد أهمية تعلم مثل تلك المهارات على المستويين الشخصي والقومي، فدولة مثل الهند ستحتاج لخلق 12-15 مليون وظيفة سنويًا خلال العقد القادم لاستيعاب الملتحقين بسوق العمل، بما سيعني سوقًا ذات منافسة شرسة تحتاج للتميز بمهارات مختلفة تتجاوز مجرد المعارف التقليدية، ولذلك بدأت الهند برنامجًا للتأهيل المهني يتضمن تعليم الذكاء العاطفي.
ويشيد المنتدى الاقتصادي العالمي بتجربة جنوب إفريقيا في هذا المجال، حيث أصبحت الدولة الأكثر تنوعًا في نوعية التعليم وثراء المناهج التعليمية، وتجري تجارب متعددة على تحسين النظم التعليمية بها.
أنفقت مدينة جوهانسبرج 200 مليون دولار على تعليم التلاميذ لديها "الثقافة المالية"، وأقرت مناهج للذكاء العاطفي وتنمية القدرات الاجتماعية في مدارس مدينتين بها، ويبدو أن نتائج التجربة الإيجابية من شأنها دفع جنوب إفريقيا لتوسيع التجربة.
نسب نجاح أكبر
وتلفت دراسة لـ"بيزنيس إنسايدر" إلى تأثير ارتفاع الذكاء العاطفي، الذي يمكن تعليمه للأطفال في المدارس، حيث تصل نسبة نجاح هؤلاء الذين يتميزون بذكاء عاطفي إلى 90% بينما تصل إلى 77% لدى هؤلاء الذين يتمتعون بذكاء عاطفي جيد، و60% لهؤلاء الذين يتمتعون بذكاء عاطفي متوسط.
لذا تؤكد المجلة ضرورة تعليم الأطفال تلك المهارات، مضيفة أنه حتى في حالة العمالة البسيطة غير المدربة تحقق المهارات الشخصية فرقًا كبيرًاـ لقدرة الشخص على التكيف الإيجابي مع الظروف من حوله بما يحسن من إنتاجيته.
وتشير دراسة لـ"هارفارد" إلى أن إنتاجية الفريق الذي يتمتع غالبية أعضائه بدرجة عالية من الذكاء الاجتماعي ترتفع بنسبة تفوق 20% عن هذا الذي يتمتع أعضاؤه بذكاء متوسط، بما يؤكد على أهمية تعليم الأطفال لتلك المهارات.
وعلى المستوى الفردي، تؤكد "فوربس" تمتع أكثر من 80% من المديرين التنفيذيين ورجال الأعمال الناجحين في الشركات الأمريكية بمستوى ذكاء عاطفي مرتفع، وأن "قراءة البشر" وليس "الذكاء التقليدي" وسيلتهم للنجاح والترقي.
الذكاء العاطفي قابل للتعلم
وكشفت دراسة لـ"يونيسكو" عن خطأ الاعتقاد القديم القائل بأن الذكاء العاطفي أمر فطري ويخضع للجينات فحسب، بل تمكنت دراسات وتجارب عدة من رفع مستواه لدى الأطفال، وتتحسن النتائج كلما تم التماسه في سن مبكرة.
ويتم تعليم مهارات الذكاء العاطفي و"قراءة البشر" من خلال طريقة "السيناريوهات" حيث يتم عرض صورة لشخص غاضب أمام طفل، ويسألونه عما يقرأه في انفعالات هذا الشخص وكيف سيتصرف معه، وهكذا مع مشاعر أخرى كالسعادة والحزن.
والهدف هنا أن يكون الطفل مدربًا على التعامل مع كافة المواقف التي قد يتعرض لها بما يجعله متميزًا على أقرانه ليس بالمهارات التي يحصل عليها بالمساواة من المدارس التقليدية، ولكنه يصبح مؤهلًا للتواصل البشري الذي لا يقل أهمية عن إتقان مهارات العمل.
وتنقل "بيزنيس إنسايدر" عن دراسة حديثة كشفها بأن ارتفاع القدرة على إدراك مشاعر الآخرين واحتياجاتهم يحسن أداء الأفراد بنسب تتراوح بين 15-35%، كما يؤدي إلى شعور الآخرين بدرجة أكبر من القبول تزيد من إنتاجيتهم.
وبناء على ذلك يعتبر مركز "راند" تعليم المهارات الشخصية والذكاء العاطفي على نفس درجة أهمية تعليم العلوم النظرية والتطبيقية، وتضيف دراسة للمركز "لا شك أن العالم فقد الكثير من أصحاب المواهب، فقط لأنهم لم يمتلكوا قدرات جيدة في التواصل مع الناس وهذا خطأ لا يجب تكراره".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}