كثُر الحديث إبان الاضطراب الأخير في الأسواق الناشئة عن احتمالات ومخاطر انتقال ما يعرف بـ"العدوى" من هذه البلدان المضطربة إلى تلك التي ما زال يظهر عليها علامات الاستقرار، واتسعت دائرة المناقشات والتحذيرات بين المحللين لتشمل أسواق السلع وعلى رأسها النفط وحتى دول متقدمة مثل الولايات المتحدة.
وفي خضم الأزمة التركية الأخيرة التي هبطت خلالها العملة المحلية بشكل حاد، قال مصرف "جولدمان ساكس" إن فرض أنقرة لضوابط على حركة رأس المال، ربما يتسبب في انتقال عدوى الاضطراب إلى أسواق ناشئة أخرى بشكل سريع.
أما "نومورا هولدينجز" فقالت إن هناك سبعة أسواق ناشئة هي الأكثر احتمالًا للتعرض لأزمة سعر الصرف، وهي سريلانكا وجنوب إفريقيا وباكستان ومصر وأوكرانيا والأرجنتين وتركيا، أي أن خمسة أسواق منها عرضة لانتقال العدوى التي أصابت الأرجنتين وتركيا بالفعل، لكن تُرى ما المقصود بالعدوى وكيف تنتشر إلى اقتصادات أخرى؟
التعريف والأسباب
- تُعرف العدوى بأنها انتقال التغيرات من سوق إقليمي إلى آخر، وقد يشمل ذلك الطفرات والأزمات الاقتصادية على حد سواء، ويمكن أن تقع على الصعيدين العالمي والمحلي، لكنها أصبحت ظاهرة بارزة مع توسع الاقتصاد العالمي وتزايد الترابط الاقتصادي في بعض المناطق الجغرافية، وفقًا لموقع "إنفستوبيديا".
- في ورقة بحثية مشتركة نشرها البنك الدولي عام 2000، قال الاقتصاديون الثلاثة "ستيجن كلاسينس" و"يونغ تشول بارك" و"رودي دورنبوش"، إن مصطلح العدوى بشكل عام يستخدم غالبًا للإشارة إلى انتشار الاضطرابات من سوق ناشئ إلى آخر، وهي عملية تتم خلالها حركات متزامنة لأسعار الصرف والأسهم وفروق عائدات السندات السيادية وتدفقات رأس المال.
- وفقًا للاقتصاديين الثلاثة، فأسباب حدوث العدوى مختلفة، لكن يمكن تقسيمها إلى فئتين، الأولى تحتوي الآثار غير المباشرة الناتجة عن الترابط الطبيعي بين اقتصادات السوق، حيث يعني الترابط أن الصدمات سواء كانت ذات طابع عالمي أو محلي، سوف تنتقل عبر البلدان بسبب الروابط الحقيقية والمالية، وتسمى أيضًا هذه الفئة "العدوى القائمة على الأساسيات".
- على سبيل المثال، الطريقة والظروف التي تؤدي إلى انتقال المضاربات الحادة على عملة بعينها إلى عملات أخرى وفقًا لبعض العلاقات الأساسية التي تجمعها، ورغم تنوع واختلاف هذه العملات.
- تركز الفئة الثانية على الأزمة المالية التي لا يمكن ربطها بالتغيرات الملحوظة في الاقتصاد الكلي أو العوامل الأساسية الأخرى، وهي فقط نتيجة سلوك المستثمرين أو غيرهم من الوكلاء الماليين، وبموجب هذا التعريف، تنشأ العدوى عندما يكون هناك حركة لا يمكن تفسيرها ضمن العوامل الأساسية، أي أنه لا توجد صدمات عالمية أو اعتماد متبادل.
- مثال ذلك، أن تؤدي أزمة في بلد ما إلى دفع المستثمرين لسحب استثماراتهم من العديد من الأسواق دون تمييز الاختلاف في الأساسيات الاقتصادية للبلدان، لذا كثيرًا ما توصف هذه الفئة بأنها ناجمة عن ظواهر غير عقلانية، مثل الذعر المالي وسلوك القطيع وفقدان الثقة وتزايد كره المخاطر.
الأصل التاريخي للعدوى
- من أمثلة العدوى، الاضطرابات المالية التي ضربت العديد من بلدان شرق آسيا عام 1997، وانتقلت إلى أجزاء أخرى من العالم، وواصلت ضغوطها الهبوطية القاسية حتى أواخر عام 1998، وطبعًا الأزمة المالية لعام 2008 التي بدأت في الولايات المتحدة بسبب قروض الرهن العقاري السيئة ومن ثم توسع نطاقها لتشمل بلدانا أخرى من العالم خاصة في أوروبا.
- رغم أن الظاهرة لها تاريخ طويل ومبكر، لكن مصطلح "العدوى" صيغ للمرة الأولى خلال أزمة الأسواق المالية عام 1997، التي بدأ بعدها الباحثون التحقيق في كيفية انتشار الأزمات المالية السابقة وانتقالها عبر حدود البلدان، وخلصوا إلى أن القرن التاسع عشر شهد أزمات مالية دولية دورية كل عقد تقريبًا منذ عام 1825.
- في ذلك العام، انتشرت الأزمة المصرفية التي اندلعت في لندن، إلى بقية أوروبا حتى وصلت إلى أمريكا اللاتينية في نهاية المطاف، وبعد استقلال الكثير من البلدان اللاتينية عن الحكم الإسباني أوائل القرن التاسع عشر، ضخ المضاربون الأوروبيون أموالهم بكثرة، بحسب "إنفستوبيديا".
- أصبح الاستثمار في أمريكا اللاتينية فقاعة مضاربة، وبحلول عام 1825، رفع بنك إنجلترا سعر الخصم خوفًا من التدفقات الخارجة الضخمة من الذهب، وهو ما أدى بدوره إلى انهيار سوق الأسهم وانتشار الذعر في أرجاء أوروبا.
- لعل أيضًا الكساد الكبير، الذي نتج عن انهيار البورصة الأمريكية عام 1929، أحد أبرز الأمثلة على تأثير العدوى في الاقتصاد العالمي المترابط.
التنبؤ بالعدوى
- بينما كانت تعم الفوضى المالية أرجاء العالم في ديسمبر/ كانون الأول عام 2008، كانت ملكة بريطانيا "إليزابيث" تزور كلية لندن للاقتصاد ، فاغتنمت الفرصة للتساؤل "لماذا لم ير أحد الاضطراب قادمًا.
- حتى قراءات صندوق النقد الدولي أخطأت، ففي أبريل/ نيسان عام 2007، خلص تقرير توقعات الاقتصاد العالمي إلى أن التباطؤ في الولايات المتحدة من غير المحتمل أن ينتقل إلى بقية العالم ما دام بقيت مشاكل أمريكا مقتصرة على سوق الإسكان المتعثر.
- يقول "جيمس مورلي" أستاذ الاقتصاد والعميد المساعد بكلية إدارة الأعمال في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية: لا يوجد أبدًا تفسير سحري للأزمات، فكل واحدة مختلفة في مصادرها، ما يجعل من الصعب للغاية التنبؤ بسبب الأزمة المقبلة.
- يضيف "مورلي" في تصريحات لموقع الجامعة: الخصائص المالية مثل مستويات الديون والعجز مهمة للغاية، ومع ذلك فإنها ليست دائمًا دليلًا على تعرض البلدان للخطر، فالأزمة المالية الأخيرة لم تنتقل إلى اليابان رغم امتلاكها نسبة دين هائلة مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.
- عندما تكون هناك أزمة في مكان آخر، يتعين على صانعي السياسة التفكير مرارًا وتكرارًا في ما هو أبعد من الروابط التجارية المباشرة، لكنهم يقفون عند إمكانية انتشار الأزمة في الأسواق المالية، والصحيح أنهم بحاجة لتأمين ضد هذا الانتشار عبر تعديل أسعار الفائدة وليس فقط التركيز على ما يتوقعون حدوثه للطلب الأجنبي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}