تطور علم التسويق عبر الزمن، ففي المرحلة الأولى له اقتصر الأمر على محاولة "بيع" ما تقوم المزارع والمصانع بإنتاجه قبل التطور لاحقا للبحث عما يرغب به المستهلك لإنتاجه أولا ثم بيعه لاحقا، في مرحلة شهدت ازدهار استطلاعات الرأي للجمهور.
السر في الإنفاق
وفي وقتنا الحالي أصبح أحد أهم وظائف التسويق هو "خلق" الحاجات والرغبات لدى المستهلكين وعدم انتظار تشكل رغباتهم بل العمل على توجيهها وفقا لرغبات تلك الشركات، ولذلك أصبح "اقتصاد الفكرة" والقائم على "اختراع" فكرة جديدة هو الأكثر تحقيقًا للأرباح حاليًا.
ويقول "فيليب كوتلر" رائد علم التسويق الأبرز عن هذا الأمر: "عندما لا يتعدى ما ينفقه المواطن الأمريكي على الغذاء 12% وينفق أقل من ثلثي دخله على احتياجاته الرئيسية مجتمعة (غذاء وسكن وانتقالات) يكون من الضروري البحث عن مجالات جديدة للإنفاق تستلزم أول الأمر أفكارا جديدة".
فعلى سبيل المثال، ظلت القيمة السوقية لـ"فيسبوك" خلال العام الحالي فوق مستوى 400 مليار دولار، على الرغم من تراجعها عن مستوياتها القياسية التي فاقت 600 مليار دولار، غير أن قيمة الموقع تبدو كبيرة للغاية إذا ما قورنت بأصوله على أي حال.
ويرجع هذا أول الأمر إلى استثمار "فيسبوك" (وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي)، واللعب على وتر خوف الكثيرين من الوحدة، في الوقت الذي تدفعهم وسائل التكنولوجيا إلى بذل مجهود أقل على كل الأصعدة، وبالتالي تبرز "الفكرة" التي تبقي الإنسان متصلًا بالآخرين ولكن دون عناء (بغض النظر عن آثار ذلك اجتماعيًا وإنسانيًا).
"سيلفي" بالطائرة
ولعل تطبيق المواعدة "بادو" أيضًا خير مثل عن "اقتصاد الفكرة"، حيث وصلت قيمة التطبيق الموجود على الهواتف الذكية إلى أكثر من 1.5 مليار دولار، بسبب فكرته المرتكزة على ترشيح شركاء الحياة في نطاق الشخص الجغرافي، رغم بدايته الضعيفة في روسيا قبل 4 أعوام.
ويمكن أن نضم "أمازون" الشركة التريليونية إلى القائمة أيضًا، بالفكرة القائمة على إيصال البائع بالمستهلك دون انتقال أيهما للآخر، وجعل السوق عالميا ومباشرا دون وسطاء (باستثناء الموقع نفسه بالطبع)، مع وجود الموقع كـ"حكم" بين البائع والمشتري حال وجود نزاع بينهما.
وتبرز صناعة الطائرات من دون طيار كإحدى الصناعات التي تستفيد أيضًا من اقتصاد الفكرة، ففي ظل وجود الكثير من المناطق النائية والبعيدة بدأت في الولايات المتحدة إيصال الطرود لتلك المناطق باستخدام تلك الطائرات، واستخدامها في تصوير الأراضي الزراعية، حتى أن تقديرات موقع "أوبرلو" تشير إلى سوق بقيمة 127 مليار دولار عام 2020.
بل وبدأت "صرعة" جديدة في هذا المجال تتمثل في استخدام تلك الطائرات في التقاط الصور الشخصية (السيلفي) بدلًا من العصا التقليدية المخصصة لذلك، بما يجعل الأمر أسهل، ولا شك أن هذا نوع من "خلق" الاحتياجات لدى المستهلكين وليس مواجهة لاحتياج حقيقي.
نعم للفكرة.. لا لرأس المال
ومن المتوقع على سبيل المثال أن يصل سوق "الساعات الذكية" إلى 53 مليار دولار عام 2019، بما يعكس أيضًا فكرة تضع الكثير من استخدامات الجوال الذكي في الساعة، بل وتضيف إمكانات جديدة ومنها قياس ضربات القلب ومعدل حرق السعرات وغيرها من أشكال مراقبة اللياقة البدنية.
وفي عام 2020 من المتوقع أن تصل صناعة الـ"باور بانك" حول العالم إلى 25.2 مليار دولار، فيما يعد استثمارًا مباشرًا أيضًا في فكرة احتياج مستخدمي الإنترنت عبر الجوالات (حوالي 80% من مستخدمي الإنترنت حول العالم لديهم جوالات يمكنها الاتصال به) لشحن تلك الجوالات باستمرار بسبب الاستخدام المكثف لها.
وتقدر "بيزنيس إنسايدر" مبيعات الشركات التي تبيع "فكرة" النحافة والجسد الممشوق من خلال بعض الأعشاب والمنتجات الطبيعية في الولايات المتحدة فحسب بأكثر من ملياري دولار في العام، في استغلال أيضًا لفكرة احتياج الناس ورغبتهم في الحصول على قوام جسد جيد.
والعوامل المشتركة الأهم في كافة المشاريع القائمة على الفكرة هي أنها أصبحت تحتل صدارة الشركات العالمية أولًا، وثانيًا أنها لم تقم باستخدام رؤوس أموال كبيرة، بل غالبًا بشكل مبادرات من عدد صغير من الأفراد غير أن "الفكرة" وليس رأس المال كانت وراء نموها جميعًا، وأخيرًا أن نموها يبدو متسارعًا وبلا سقف واضح.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}