حققت ألمانيا انطلاقة اقتصادية لافتة خلال الأعوام الأخيرة، مكنتها من الاحتفاظ بمكانتها كرابع أكبر اقتصادات العالم، بل وتمكنت من تحقيق معدلات نمو لافتة تخطت الكثير من الدول المتقدمة، رغم وصول ألمانيا إلى مرحلة "الاقتصاد الناضج" بكل تأكيد.
معاناة منتجي السيارات
وعلى الرغم من ذلك يبدو الوقت الحالي والمستقبل القريب "أقل إشراقًا" بالنسبة للألمان، حيث حذر المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين (جيسيي) من تراجع النمو الاقتصادي لعام 2018 إلى 1.6%، وإلى 1.5% في عام 2019، بالمقارنة مع 2.2% في عام 2017.
وبحجم ناتج محلي إجمالي يصل إلى 3.67 تريليون دولار سنويًا، وفقًا لبيانات البنك الدولي، فإن التراجع في نسب النمو الألمانية ولو بنسب ضئيلة أمر هام ليس فقط، لبرلين فحسب ولكن لأوروبا بأكملها، بوصفها "قاطرة النمو" للقارة العجوز كما يتم وصفها دومًا.
ولتراجع النمو الألماني أسباب، منها ازدياد المنافسة في سوق السيارات العالمية، حيث يشير "بزنيس إنسايدر" إلى تراجع أرباح الشركات الألمانية الكبرى المصنعة للسيارات، وتضرب مثلًا بـ"بي.إم.دبليو" التي تراجعت أرباحها خلال الربع الثالث من 2018 بنسبة 27%.
وتشير "فاينانشيال تايمز" إلى الصعوبات التي تواجهها الشركات الألمانية للتوافق مع مطالب الاتحاد الأوروبي بخفض الانبعاثات بنسبة 30% من مختلف دول الاتحاد.
وترجح "فاينانشيال تايمز" وصول نسبة تأثر الناتج المحلي الإجمالي من معاناة الشركات المنتجة للسيارات حتى 0.1%، وهي نسبة كبيرة للغاية إذا راعينا أن الانخفاض في النمو الألماني بين العامين الحالي والماضي يبلغ 0.7%.
تراجع للصادرات
ومن المرجح ازدياد معاناة الشركات الألمانية المصنعة للسيارات حال توسيع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" نطاق عقوباته على الصين، حيث تتركز صناعة السيارات "إس.يو.في" لـ"مرسيدس" و"بي.إم.دبليو" التي يتم تصديرها للولايات المتحدة في الصين.
واللافت أيضًا أن إجمالي الصادرات الألمانية شهد تراجعًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لأول مرة منذ 7 سنوات، كان آخرها شهر سبتمبر/ أيلول الذي شهد تراجع نسبة الصادرات بـ1%، وذلك بسبب عدم التوصل لاتفاق مرض حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتناقض تلك النتائج مع التوقعات التي سبقت العام بارتفاع الصادرات بنسبة 7%، مع ملاحظة أن 60% من الصادرات الألمانية تقريبًا موجهة للدول الأوروبية بينما تتجه النسبة الباقية إلى باقي دول العالم، بما يحد نوعًا ما من تأثيرات التغيرات العالمية على برلين.
وتعتبر "دويتش فيلا" أن هذا التراجع يبقى خطرًا، فمع حجم صادرات يتجاوز 1.57 تريليون دولار (في عام 2017) يصبح الاقتصاد القومي مهددًا بالتراجع بل والانكماش إذا ما استمر تراجع الصادرات، حيث سيكون لها تأثير يشبه إلقاء الحجر في الماء الراكد (وما يتبعه من تموجات واسعة).
الحروب الأمريكية
وما يثير المخاوف هنا أن هذا التراجع يأتي متأثرًا أيضًا بحالة عدم الوضوح والتشاؤم التي تسود الأسواق الدولية والعالمية حول مستقبل التجارة ككل في ظل الحروب التجارية الأمريكية الصينية ونمو الاتجاهات الحمائية بشكل عام، وألمانيا تعتمد بشدة على الصادرات.
وما يزيد المخاوف الألمانية هنا حقيقة أن بكين تعتبر الشريك التجاري الأكبر لبرلين (بحجم تجارة 230 مليار دولار عام 2017 وفقًا لتقديرات "رويترز")، كما أن "ترامب" انتقد في فبراير الماضي "الزيادة الكبيرة" في صادرات ألمانيا عن وارداتها، بما يوحي أنه قد يتم استهدافها أمريكيًا في وقت لاحق.
ويبلغ حجم الفائض في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة وألمانيا (لمصلحة الأخيرة) 50 مليار يورو، فيما تبقى الموازين التجارية المختلة تشكل أولوية واضحة للإدارة الأمريكية في المرحلة المقبلة.
ومما يثير المخاوف أيضًا وجود "الكثير من الاستثمارات الألمانية المهددة" كما وصفها "بزنيس إنسايدر"، سواء في إيطاليا أو اليونان حيث أنفقت برلين عشرات مليارات الدولارات من أجل العمل على إنقاذ اقتصادي البلدين غير أنهما يبدوان في حاجة لمزيد من الأموال.
وأتت التطورات الأخيرة باضطرار المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" للخروج من السلطة، (وإن لم يكن آنيًا) لتشير إلى قدر من عدم الاستقرار السياسي المقبل على برلين، ومع تلك التطورات الخارجية المثيرة للقلق، يبدو الاقتصاد الألماني (القوي) بحاجة لإعادة ترتيب كما وصفت "فاينانشيال تايمز".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}