الحديث عن زيادة النمو الاقتصادي، عادة ما يثير عاطفة المواطن العادي، إذ يترجم الناس التوقعات الإيجابية في هذا الشأن إلى تحسن مباشر في أوضاعهم المعيشية، سواء عن طريقة ارتفاع الأجور أو تطور الخدمات التي تقدمها الدولة إليهم.
لكن تحسن الأوضاع المعيشية لا ينبغي أن يكون مقترنًا فقط بزيادة النمو، فالتنمية الاقتصادية هي الأخرى تشكل محورًا أساسيًا للتعبير عن رؤية أوسع وأشمل للتطور وتحسين أوضاع البلاد ومواطنيها، وقبل أن تتداخل المصطلحات مع بعضها البعض، دعنا عزيزي القارئ ننتقل مباشرة إلى تعريف كل من "النمو" و"التنمية".
النمو الاقتصادي
- يقصد به، الزيادة في إنتاج الاقتصاد من السلع والخدمات على مدار فترة زمنية محددة، ويتم قياسه كنسبة مئوية للزيادة المحققة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (المعدل وفقًا لتغيرات التضخم)، وبعد ذلك يمكن احتساب الزيادة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
- رغم أن قياس النمو الاقتصادي يقوم على زيادة الناتج المحلي الإجمالي مع استبعاد آثار التضخم، ليعطي نتائج أكثر دقة، يمكن أيضًا قياسه وفقًا للقيمة الاسمية للناتج المحلي الإجمالي (يشمل التغيرات الآنية للأسعار).
- كما يمكن قياس النمو الاقتصادي وفقًا لبيانات الدخل القومي الإجمالي، وهي الطريقة التي يعتمدها البنك الدولي في حساباته، وتشمل هذه البيانات الدخل الذي تحققه البلاد خارج أراضيها، وهو مصدر دخل مهم للعديد من الأسواق، ومن دونه ستكون قيمة اقتصادات بعض الدول أقل.
- وفقًا لموسوعة المعلومات المالية والاقتصادية "إنفستوبيديا"، فإن النمو الاقتصادي له تأثير مضاعف، فمع نمو الاقتصاد، تحقق الشركات طفرة في الأرباح وبالتالي ترتفع أسعار الأسهم أيضًا، ومع مكاسب الشركات تتزايد الاستثمارات، ما يعني إضافة المزيد من فرص العمل، وزيادة الدخل، وتشجيع المستهلكين على إنفاق المزيد.
- بطبيعة الحال، يؤدي نمو الاستثمارات والأرباح وزيادة الدخل وفرص العمل والإنفاق، إلى مزيد من النمو الاقتصادي، لذا تستهدف الحكومات بشكل رئيسي تحقيق معدلات نمو موجبة لتحسين أوضاعها ورفع مستوى رفاهية المواطنين (وإن كان تحقيق الرفاهية ما يزال محل جدل).
- بما أن النمو الاقتصادي يقاس كنسبة مئوية من التغير في الناتج المحلي الإجمالي، فإنه يخضع لمزايا وعيوب هذا المؤشر، فعلى سبيل المثال، يقيس الناتج المحلي الإجمالي اقتصاد السوق فقط، والذي يميل للمبالغة في النمو أثناء التحول من اقتصاد الزراعة والإنتاج الأسري.
- أثناء احتساب الناتج المحلي الإجمالي، يتم تعديل بيانات الإنتاج والاستهلاك الزراعي، لكن لا تخضع بيانات الإنتاج المنزلي لأي تصحيح، كما لا يسمح هذا المقياس باستيعاب بيانات نضوب الموارد الطبيعية، بحسب موقع "ساينس ديلي".
- مع ذلك، لا يزال الناتج المحلي الإجمالي هو أفضل طريقة لقياس النمو الاقتصادي، بحسب موقع "ذا بالانس"، كونه يشمل جميع السلع والخدمات التي تنتجها البلاد بغض النظر عن بيعها في السوق المحلي أو في الخارج.
- لا تتضمن بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأجزاء التي يتم تصنيعها لتدخل في إنتاج سلع نهائية أخرى، وتشمل الصادرات لأنها تعبر عن جزء من إنتاج البلاد، لكنها تستبعد الواردات، ويتم احتساب هذه البيانات بشكل دوري كل ثلاثة شهور.
- لتحقيق النمو الاقتصادي، قد تكون هناك حاجة لاكتشاف مورد جديد أو بديل أفضل، مثلما حدث عند اكتشاف وقود البنزين والذي منح النفط قيمة اقتصادية أكبر، وربما عن طريق تعظيم تعزيز القوى العاملة، فقيام المزيد من العمال بمزيد من الأعمال سيعظم الإنتاج.
- خلال القرن التاسع عشر، تدفقت العمالة المهاجرة الرخيصة إلى الولايات المتحدة، وكان لها فضل كبير في نمو الاقتصاد آنذاك.
- يمكن أيضًا تعزيز النمو الاقتصادي عبر ابتكار تقنيات حديثة أو سلع رأسمالية أخرى، وهما عاملان يعتمدان بشكل كبير على معدل الادخار والاستثمار، وأخيرًا يمكن لزيادة معدلات التخصص تعظيم النمو الاقتصادي، إذ يعني ذلك أن العمال سيصبحون أكثر مهارة وإنتاجية.
- لتحفيز النمو الاقتصادي، تلجأ الحكومات إلى السياسات المالية التوسعية، ويشمل ذلك، زيادة الإنفاق، وخفض الضرائب، مع العلم أن هذا التوسع يجب دراسته وتقييده، حتى لا يتسبب في عجز بالموازنة.
التنمية الاقتصادية
- يقصد بها تحول الاقتصادات الناشئة إلى أخرى متقدمة، أو تحويل الاقتصادات البسيطة إلى أخرى صناعية حديثة، وبمعنى آخر تحويل البلدان ذات مستويات الدخل والمعيشة المنخفضة إلى أخرى مرتفعة، وهي أيضًا العملية التي يتم خلالها تحسن الصحة العامة ورفع مستوى الرفاهية والتعليم العام للمواطنين.
- رغم أن المصطلح يستخدم أحيانًا كمرادف للنمو الاقتصادي، إلا أنه يعكس التحسن النوعي والكمي في الاقتصاد، وبحسب الموسوعة البريطانية "بريتانيكا"، فإن نظرية التنمية الاقتصادية، التي تتناول كيف يمكن للاقتصادات البدائية الفقيرة التطور والازدهار النسبي، هي ذات أهمية حاسمة للبلدان المتخلفة.
- وفقًا لموقع "ماركيت بزنس نيوز"، فأثناء التطور المنشود تطرأ تغيرات سكانية، مثل التحول من الزراعة إلى الصناعة ثم إلى الخدمات، ومن بين النتائج المترتبة على العملية، زيادة متوسط العمر المتوقع، وتحسين الإنتاجية، ورفع معدلات المعرفة والقراءة والكتابة، وتقديم خدمة تعليمية أفضل.
- أصبحت الدول أكثر اهتمامًا بمفهوم التنمية الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، ومع إنهاء حقبة الاستعمار الأوروبي، لُقبت المستعمرات والبلدان ذات مستويات العيش المنخفضة بالدول المتخلفة، مقارنة بنظيرتها المتقدمة، وهي كندا وأوروبا الغربية وبعض دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي واليابان وجنوب إفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا.
- لكن مع ارتفاع مستويات المعيشة في معظم البلدان الفقيرة على مدار العقود اللاحقة، تم تغيير اسمها إلى البلدان النامية، ومع ذلك، فلا يوجد تعريف مقبول عالميًا حول ماهية البلد النامي أو توصيف عملية التنمية الاقتصادية.
- عادة ما يتم تصنيف البلدان النامية وفقًا لمعيار نصيب الفرد من الدخل، وتحدث التنمية الاقتصادية مع ارتفاع نصيب الفرد من الدخل، والذي يعكس قيمة السلع والخدمات المتاحة لكل شخص في المجتمع.
الخلاصة
- بذلك، وللتفرقة بين "التنمية" و"النمو"، فالأخير كل ما يركز عليه هو تعزيز الناتج المحلي الإجمالي، والذي يعبر عن إجمالي النشاط الاقتصادي في البلاد خلال فترة معينة، أو باختصار جعل حجم اقتصاد البلاد أكبر.
- أما التنمية فتنظر إلى نطاق أوسع من التطوير، وليس فقط الناتج المحلي الإجمالي أو نصيب الفرد منه، فهي تتطرق إلى كيفية تأثر الناس ومعيشتهم في بلد معين، وبصرف النظر عن مستويات المعيشة، فهي تهتم بأمور مثل حريتهم في الاستمتاع بهذه المستويات المعيشية.
- بشكل تفصيلي، تهتم التنمية بمتوسط عمر المواطنين ومعايير التعليم والمعرفة والقراءة والكتابة، والمعايير البيئية، وتوافر المساكن ونوعيته، وسهولة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، ونسبة الأطباء المتوافرين لكل ألف شخص، والأسعار المقبولة للدواء، بجانب متوسط دخل الفرد.
- بالعودة إلى النمو الاقتصادي، فهو لا يكفي لإشعار المواطنين بالتحسن، لكنه خطوة جوهرية في سبيل تحقيق التنمية المنشودة التي يقطف خلالها المواطنون ثمار التطوير.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}