تعاني العديد من الدول، بل والأفراد، من الفقر المدقع الذي يصعب التخلص منه، بسبب عدم القدرة على تلبية متطلبات النمو، من تعليم وصحة وبنية تحتية وغيرها، لتدخل فيما يعرف في علم الاقتصاد بـ"دائرة الفقر الشديد"، والتي تعني غياب القدرة على تحقيق اختراق اقتصادي يخرج بالدولة من دائرة الفقر.
الأفراد أولًا
وتعني دائرة الفقر الشديد (أو "اللعين" كما يطلق عليها أحيانًا) ألا تكون الدولة قادرة على ادخار أية موارد تعينها على تكوين رأس مال يتراكم بحيث يخرجها من دائرة العوز إلى دائرة الرفاهية، وذلك بسبب عدم كفاية مواردها إلا للتصدي للاحتياجات العاجلة من غذاء ودواء فضلًا عن الحد الأدنى من البنية التحتية.
وعانت الكثير من الدول حول العالم من هذه الظاهرة ومنها دول أفريقيا جنوب الصحراء، وأبرزها تشاد على سبيل المثال، وبعض الدول في آسيا مثل بنجلاديش وأفغانستان، حتى تحولت هذه الدول إلى ما يعرف في علم الاقتصاد والسياسة بـ"الدولة الفاشلة" التي تعجز عن تلبية الحد الأدنى من احتياجات مواطنيها.
ويعتبر "صندوق سان فرانسيسكو" للدراسات الاقتصادية أن إخراج أية دولة من الفقر يستلزم انتزاع المواطنين من دائرة الفقر، بمعنى حل المشكلة على المستوى الجزئي ليتم حلها على الصعيد الكلي.
غير أن الأمر ليس بهذه السهولة، فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة –وهي دولة غنية وليست فقيرة بما يجعل المشكلة أقل حدة بالطبع- فإن إخراج الأسر الفقيرة يستلزم حصولها على دخل إضافي يبلغ 150% قدر الحد الأدنى لدخل الطبقات الأفقر هناك.
ولذلك فإن 90% من الأطفال الذين ينشؤون في كنف الخُمس الأفقر من الأسر الأمريكية يبقون في هذه الطبقة ولا يتمكنون من الفكاك من أسرها، في ظل تمييز أصحاب العمل في التوظيف ليس بناءً على المرحلة الدراسية التي يصل إليها المتقدم للعمل فقط، ولكن على "اسم" المدارس التي يُدرَج فيها المرشحون للعمل.
فقر يمتد لأجيال
ويرجح موقع "إيكونوميك ديسكاشن" احتياج الأسر الفقيرة إلى 3-5 أجيال لكي تتمكن الأسرة من الخروج من "دائرة الفقر اللعينة"، وذلك حال توافر مساعدات خارجية، أو وجود أفراد"استثنائيين" في الأسرة، ممن يحصلون على منح دراسية أو يحققون إنجازات متفردة.
ولهذا السبب فإن 43% من الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية يحيون في ظل الفقر، في معدل هو الأعلى بين الأجناس المختلفة في الولايات المتحدة، بسبب معاناتهم من التمييز العنصري لفترات طويلة، بحسب مجلة "أتلانتيك".
وتذكر المجلة إقرار برنامج "أبيسيدران" لمحاولة إخراج الأسر الأفقر من "دائرة الفقر"، حيث تبنى البرنامج العديد من العائلات لدى وصول أبنائهم لسن التعليم (5 سنوات)، وتحمل البرنامج نفقات تعليم الأبناء ونظم برامج توعية لأفراد الأسر لتبصيرهم بأهمية تلقي الأبناء للتعليم الملائم.
وتمكن هذا البرنامج من انتزاع 89% من الأسر التي شاركت في البرنامج من دائرة الفقر بعد مرور جيلين فحسب، حيث بدأ البرنامج في ستينيات القرن الماضي، وبدأت نتائجه بالظهور مؤخرًا ليحقق اختراقًا لافتًا في هذا الشأن.
المساعدات الخارجية أم الاعتماد على الذات
وبخلاف ذلك تحتاج الأسر إلى أكثر من 10-15 جيلًا لكي تخرج من دائرة الفقر، هذا إن تمكنت من هذا في ظل تراكم خبرات و"ثقافة" الفقر، حتى أن بعض الأسر الفقيرة في الولايات المتحدة تعاني الفقر منذ عهد العبودية وبعضها من قبل ذلك.
ولذلك فإن الدول التي نجحت في الخروج من "دائرة الفقر اللعينة" أقرت أول الأمر برامج على المستوى القومي من أجل إصلاح التعليم، بل ومنحت سنغافورة على سبيل المثال "رواتب" لكي تتمكن الأسر الفقيرة من الالتحاق بالتعليم ولا تلتحق بسوق العمل مبكرًا.
أما فيما يتعلق بالتغلب على صعوبة مراكمة رؤوس الأموال، فيكون على الدولة اتباع سياسة "الاعتماد على الذات" من خلال تشجيع الأفراد على الادخار، حتى المبالغ الصغيرة، والتخلص من الاختلالات الكبيرة في الأسواق والتي تعرقل عمل المصارف وتجعل الاستثمارات "مترددة" في التوسع في تلك الدولة.
وعلى الرغم من أن الاعتماد على المساعدات الخارجية يبدو أكثر "إغراء" للدول التي تعاني من صعوبة مراكمة رؤوس الأموال، إلا أن دراسة لـ"هارفارد" تؤكد عجز أية دولة اعتمدت على برامج المساعدات الخارجية في الخروج من دائرة الفقر.
وتمتد وسائل التخلص من الفقر على المستوى القومي إلى العديد من العناصر ومنها محاربة الفساد الذي يحول دون استغلال الموارد بكفاءة، وتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه، والحد من الصادرات غير الضرورية وتشجيع المصدرين، والتخلص من حالات الاحتكار التي تقترن مع الفساد.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}