نبض أرقام
11:09 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/10/02
2024/10/01

لماذا انتعشت صناعة الدواء بعد "سنين عجاف"؟

2018/12/15 أرقام - خاص

لم تكن الشركات التكنولوجية وتلك الخاصة بالاتصالات على قمة "الهرم الاقتصادي" قبل عشرين عامًا، حيث كانت مجالات أخرى تسبق، ومن بينها النفط والمأكولات ومنتجو الأسلحة ومصنّعو الأدوية، وتميزت الفئة الأخيرة بقدرتها على حصد أرباح قياسية، غير أن الوضع تغير كثيرًا في الأعوام الأخيرة مع تغير "الخريطة الاقتصادية، وتراجع الشركات المنتجة للدواء بدرجة ما.

 

وعلى الرغم من هذا التراجع النسبي، بلغت حجم السوق الدوائية حوالي 1.11 تريليون دولار عام 2017، وتتوقع شبكة "برو كلينيكال" المتخصصة في الشؤون الصحية ارتفاع حجم السوق إلى قرابة 1.43 تريليون دولار بحلول عام 2020، بفعل زيادة التنافس بين الشركات واتساع السوق وزيادة الطلب بشكل غير مسبوق، والاختراقات في الأبحاث.

 

 

أسباب التراجع

 

وتتصدر شركة "جونسون أند جونسون" السوق بصافي دخل 15 مليار دولار في عام 2017، تليها شركة "نوفارتس" السويسرية بصافي دخل 13.8 مليار دولار، لتتراوح الشركات بين الثالثة والعاشرة بين 4.1 مليار دولار دخلا صافيا إلى 11.9 مليار دولار.

 

وعلى الرغم من الأرقام الكبيرة التي تحققها شركات الدواء، فإنها تحصل إجمالًا على متوسط أرباح 16.2% سنويًا (خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة) في مقابل نسب أعلى لصناعات مثل الكمبيوتر (31%) والمشروبات (27.4%) والفضاء والدفاع (23%) والنقل (19%).

 

ووفقًا لـ"فوربس" فإن الصناعات الدوائية عانت من تراجع كبير خلال السنوات العشر الأخيرة، جعلها تتراجع من الترتيب الأول على مستوى الربحية بين مختلف الصناعات إلى مرتبة متوسطة بينها، بعد أن كانت مصنفة كأكثر الصناعات حصدًا في بداية الألفينات.

 

فالصناعات الدوائية حققت متوسط أرباح يربو على 30% في المتوسط خلال الفترة بين 1990-2005، وجعلها ذلك فوق الصناعات العسكرية والعديد من الاستثمارات ذات العوائد العالية، غير أنها شهدت تراجعًا بعد ذلك، ، وذلك للعديد من الأسباب.

 

فلم تحدث أي اكتشافات "ذات قيمة تجارية" خلال الفترة الأخيرة في الصناعات الدوائية، وبقي الأمر في حدود "تطوير ما هو قائم بالفعل"، وبالتالي عانت الصناعة من ضعف "الاختراقات" وإعادة إنتاج الوصفات الدوائية القائمة بالفعل ذات القيمة المضاف الأقل.

 

بينما شهدت الصناعات التكنولوجية اختراقات لافتة في كل المجالات، ما جعل مؤشر "داو جونز" يرتفع بنسبة 64% منذ عام 2014 حتى بدايات العام الحالي، بينما لم تزد النسبة نفسها بالنسبة للشركات الدوائية عن 15%، فيما انعكس على إقبال المستثمرين على ضخ أموالهم في القطاع التكنولوجي على حساب الدوائي.

 

2018 "عام التعافي"

 

غير أن الكثير من الشركات بدأت في التعافي في هذا العام تحديدًا، وفي العام الماضي بدرجة أقل، بسبب الاختراقات المتوالية في مجال بعض الأمراض ولا سيما فيروس سي والسرطان، فضلًا عن اتفاقات الدمج وصفقات الاستحواذ بين عدد من الشركات الدوائية.

 

 

فعلى سبيل المثال، ظهر عقار "كيترودا" لعلاج السرطان، والذي أنتجته شركة "ميرك" (merck & co) الأمريكية لصناعة الدواء، وتتوقع شبكة "بلومبرج" أن تصل مبيعاته وحده بحلول عام 2020 إلى حوالي 100 مليار دولار، على الرغم من أنها لم تتعد 10% من هذا الرقم عام 2018، حيث لم يتم اعتماده من كافة السلطات الصحية في العالم بعد ومع اعتماده ستزداد المبيعات.

 

وازدادت مبيعات الشركة بعد اكتشاف الدواء نهاية العام الماضي بشكل لافت، حيث أعلنت زيادة المبيعات بنسبة 150% في الربع الأول للعام الحالي، و90% في الربع الثاني، فيما تُعد نتائج قياسية بطبيعة الحال.

 

وتقدر شبكة "سي.إن.بي.سي" حجم الإنفاق على علاج السرطان وحده حول العالم بحوالي 107 مليارات دولار عام 2015 (كآخر عام متاح به بيانات كاملة تخص العالم بأسره)، مشيرةً إلى أن التقديرات تؤكد زيادة الإنفاق عليه سنويًا بنسبة 7-10% خلال السنوات العشر المقبلة.

 

ولا تقتصر علاجات السرطان على العقارات التي يتناولها المرضى فقط، ولكنها تمتد إلى العلاجات الإشعاعية والكيميائية التي تتكلف مبالغ طائلة وتجعل السرطان أحد أكثر الأمراض كلفة في علاجه حول العالم.

 

الأبحاث والتطوير

 

ولذلك لا تقتصر النتائج الإيجابية للشركات نتيجة محاولات اكتشاف علاج ناجح للسرطان على "ميرك"، بل سبقتها إليها شركة "جونسون أند جونسون" العام الماضي بوصول سهمها إلى أسعار قياسية وزيادة القيمة السوقية بنسبة 15.4% في الربع الثالث العام الماضي فحسب (الذي شهد الإعلان عن اكتشاف الشركة).

 

وتستفيد كل تلك الشركات مما يصفه موقع "فارماسوتيكال" بالتقنية الجديدة في علاج السرطان، وتعتمد على أدوية "تقنع" الجهاز المناعي بالتعرف على الخلايا السرطانية ثم العمل على محاربتها، وأثبتت نجاحًا في بعض أنواع السرطان لا سيما الرئة والدم.

 

وتؤدي المنافسة بين الشركات الدواء إلى إنفاقها لحوالي 150 مليار دولار على الأبحاث خلال عام 2017، في محاولة لتقديم علاجات ناجعة للأمراض المختلفة، في محاولة للتفوق على الشركات الأخرى وكسب أكبر حصة ممكنة من السوق، بما يجعل الإنفاق على الأبحاث أكثر من 13.5% من حجم السوق، وهي نسبة مرتفعة بالطبع.

 

 

وتزداد أهمية هذه النسبة مع الأخذ في الاعتبار حقيقة وجود الكثير من الشركات، لا سيما في الدول النامية التي تعتمد على شراء حقوق تصنيع الدواء ووصفاته دون إجراء أبحاث دوائية على الإطلاق، وتبقى الأبحاث الدوائية متركزة بين شركات الصفوة فحسب.

 

فعلى سبيل المثال أنفقت "جونسون  أند جونسون" 10.5 مليار دولار على الأبحاث خلال عام 2017، فيما يصل إلى 16% من مجمل دخلها في هذا العام، بينما لا تنفق شركات الأدوية في كافة دول الجنوب (أفريقيا وأمريكا الجنوبية واستراليا) مجتمعةً هذا المبلغ، وفقًا لتقديرات "فوربس".

 

أزمة في الطلب

 

وتشير مؤسسة "هيلث أفيرز" إلى أن هناك أزمة كبيرة تعترض الصناعات الدوائية مع الارتفاع الكبير في تكلفة الأبحاث والتطوير، وتتعلق تلك المشكلة بضعف الطلب على المنتجات الحديثة التي يتم إنفاق مبالغ كبيرة على تطويرها، بما يجعل العائدات عليها تتأخر ويعيق دورة رأس المال.

 

وتضرب المؤسسة مثلًا بعلاجات بعض أنواع السرطان التي تكلف المريض حوالي 200 ألف دولار، بسبب تكلفة الأبحاث والتطوير بالأساس، قياسًا بالعلاجات التي سبقتها وتكلف حوالي النصف، ومع اضطرار بعض المرضى للإنفاق على علاجهم بأنفسهم أو تحملهم نسبة منه، فإن الغالبية تلجأ للعلاج الأقدم (والأقل فاعلية في حالات كثيرة) لأنها غير قادرة على تحمل تكلفة العلاج ببساطة.

 

وغالبا ما تتحمل شركات الدواء تكلفة الأبحاث والتطوير لمدة 3-10 سنوات على الدواء بما يجعله غالي الثمن في فترته الأولى، ليقل سعره تدريجيًا ويصل إلى فرض نسبة ربح ليست كبيرة على بيعه بعد مرور سنواته الأولى، بما يجعل سعره في أولى سنوات طرحه في الأسواق أعلى كثيرًا من بعد ذلك، وينعكس في ضعف الطلب عليه لارتفاع سعره.

 

 

 

ولعل هذا هو ما دفع الكثير من شركات الدواء إلى الدخول في تحالفات للتوصل لإنتاج أدوية لعلاج بعض الأمراض، كفيروس سي والسرطان والأيدز وغيرها من الأمراض المستعصية، على أن يتم تسويقها بعد ذلك بأسماء تجارية مختلفة، ولكن تلك التحالفات تقلل كثيرًا من تحمل كل شركة لتكلفة الأبحاث والتطوير.

 

وتُعد تلك بمثابة محاولة من جانب شركات الأدوية للعودة إلى صدارة هرم الاقتصاد مجددًا، كما ترى "بروكينجز"، التي تعتقد أن عودة شركات الأدوية للصدارة مجددًا "مسألة وقت" في ظل حتمية تراجع شركات التكنولوجيا (نسبيًا) إن آجلًا أو عاجلًا، فضلًا عن عودة "زمن الاختراقات" مجددًا لشركات الدواء بما سيعود بها إلى قلب المشهد مرة ثانية.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.