تبدو معادلة الاستثمار سهلة/صعبة في آن واحد.. فأي استثمار عالي المخاطر يحقق أرباحًا كبيرة أو يتكبد خسائر قياسية، والعكس بالعكس، ليبقى السؤال (الصعب) المطروح طيلة الوقت عما إذا كان الوقت ملائمًا للمخاطرة أم أن على المستثمرين البحث عن ملجأ آمن لحين تحسن "الأجواء"، حتى لا يتكبدوا خسائر قياسية.
سحب أموال من السوق
وفي وقتنا الحالي يبدو أن كثيرين ارتأوا أن عليهم بدء البحث عن ملجأ أو "ساتر" يقيهم عواصف اقتصادية تبدو بوادرها في الأفق، والدليل على ذلك هو عودة الذهب للارتفاع بعد أشهر طويلة تراجعت فيها قيمة المعدن الأصفر.
ويعتقد بنك "بايبر جافري" إن المعدن الاصفر سيشهد المزيد من الارتفاع، في الفترة القصيرة المقبلة، بنسبة تتراوح بين 9-10% ليعود إلى مستوياته قبل بدء الانتعاش للاقتصاد الأمريكي، بما يؤكد اتساع دائرة المخاوف من أداء أسواق الأسهم.
ووفقًا لـ"بنك أوف أمريكا ميرل لينش" فقد سحب المستثمرون قرابة 27 مليار دولار من سوق الأسهم الأمريكية في الاسبوع الثاني من شهر ديسمبر فحسب، وتسبب ذلك في الهزة التي شهدتها السوق في ديسمبر، لا سيما أنه يعتبر ثاني أكبر سحب في التاريخ من الأسواق.
وتعتبر "بيزنيس إنسايدر" أن عمليات البيع المكثفة، وسحب أموال البيع من السوق وتجنب إعادة استثمارها فيه، يدل على أن قطاعات من المستثمرين ترى أن عليها الاستعداد من أجل صدمة أشد في الأسواق وبناء على ذلك تنسحب وتترقب.
السيولة كبديل
ومع ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية فوق 2% ترى شبكة "سي.إن.بي.سي" أن الكثير من المستثمرين قد يميلون إلى تسييل ما لديهم من أسهم وسندات لينسحبوا من الأسواق المالية ويكتفوا بامتلاك أصول سائلة قليلة المخاطر سهلة الحركة وإن كانت محدودة العائد.
وتربط الشبكة بين تراجع أسواق الأسهم في الولايات المتحدة، وبين إعلان البنك المركزي في التاسع عشر من ديسمبر توقعه حول بقاء سعر الفائدة بين 2.25-2.5% خلال الفترة المقبلة وخلال عام 2019 تحديدًا، حيث جاء ذلك بمثابة تحفيز للمترددين من المستثمرين بسحب فوري لأموالهم من السوق.
ولا شك أن اللجوء للسيولة أو "الكاش" كبديل ليس آمنًا على المدى الطويل، فإذا ازدادت نسبة اللجوء إليه فستقل أسعار الفائدة يقينًا، وستزداد نسبة التضخم، بما ينعكس على تراجع قيمة الأصول السائلة ويفقد المستثمر قيمة تحركه لإنقاد ما يمتلك، ولذلك يميل كثيرون إلى ودائع منخفضة المدد، لا سيما ودائع الـ90 يومًا التي تتمتع بنسب مخاطرة قليلة وفائدة متوسطة.
وأجرت مؤسسة "بيو" استطلاعا للرأي بين عدد من المستثمرين الأمريكيين، جاءت نتيجته أن نصفهم فقط يرون الاستثمار في الأسهم "جيدًا" بينما رأى البقية ضرورة البحث "فورًا" عن ملجأ آمن للاستثمارات بعيدًا عن التقلبات المتوقعة في سوق الأسهم.
أزمة 2008 ثانية؟
وترى "بيزنيس إنسايدر" أن المستثمر يجب أن يكون "قلقًا ومتيقظًا" في الفترة المقبلة، فأسواق السهم غالبًا ما ستستمر في اتجاه تنازلي خلال الفترة المقبلة، وإذا سادت حالة من الذعر فإن قلة قد تستفيد بالعودة إلى الأسواق بعد تراجع المؤشرات عن قيم متدنية يصبح فيها الشراء رابحًا لأنه "لم يعد بالإمكان أن ينخفض السوق أكثر من ذلك".
وعلى الرغم من رصد كثيرين لسوق العقار كبديل دائم وآمن لسوق الأسهم والسندات، إلا أن "فوربس" ترجح أن يبقى سوق العقار "متجمدًا" خلال النصف الأول من العام المقبل على الأقل، في ظل تراجع الطلب على العقار في الأسواق الرئيسية، وإن بقت الأسعار متماسكة بسبب تراجع حجم المشروعات الجديدة وبالتالي بقاء المعروض ثابتًا بشكل ما.
وعلى الرغم من كافة المؤشرات السلبية السابقة ترفض صحيفة "يو.إس.إيه توداي" اعتبار كل هذا بمثابة مؤشر على تراجع حاد في الأسواق أو على أزمة مالية مقبلة، أو حتى مقارنة الوضع الحالي بما سبق الأزمة المالية العالمية عام 2008 للعديد من الأسباب أولها وقوع الأزمة في القطاع البنكي بالأساس قبل 10 أعوام بما أدى لموجات عنيفة، بينما الأزمة الحالية هي في "تضخم" سوق الأسهم وليس في الأسواق المالية.
وقد يبدو هذا صحيحًا بدرجة ما، غير أن تراجعًا في أسواق الأسهم حدث، ويبدو آخر في الأفق، وبدأ كثيرون بالفعل في الاتجاه نحو الملاجئ الآمنة، وإذا لم تكن هذه هي بوادر حقيقية لأزمة مالية ذات انعكاسات اقتصادية تفرض على المستثمرين إعادة تقييم محافظهم الاستثمارية، أو انفجارا لفقاعة سوق الأسهم ذاته، فعلى الأقل يلزم التحوط ضد المخاطر.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}