شهد العالم ثلاث ثورات صناعية سابقة، انتقلت به أخيرًا إلى عالم "الرقمنة"، غير أن الثورة الصناعية الرابعة ستغير كافة ملامح الاقتصاد ليبدو بصورة جديدة ماثلة في الأفق.
ويمكن تعريف الثورة الصناعية الرابعة على أنها إزالة الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية عبر جميع القطاعات (أطلق مصطلح الثورة الرابعة المنتدي الاقتصادي العالمي عام 2016). فعلى سبيل المثال، ستحل تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، وتكنولوجيا النانو، والحوسبة الحكومية، والأحياء التخليقية، وعلم الآليات المبرمجة محل غالبية التطبيقات القائمة خلال سنوات معدودة.
خسائر للعاملين
وسيخلق هذا حقائق جديدة كنا نظنها سابقا غير واردة، مما سيغير "نموذج العمل الطبيعي" الخاص بكل صناعة على حدة. هذه التغيرات دفعت "ماكس نويفيلد" "جاكلين أوريلي" لتقديم كتاب "العمل في العصر الإلكتروني: تحديات الثورة الرابعة".
فعالم العمل والطلب في سوق العمل يتغيران بسرعة كبيرة، وقد يحتاج ما يصل إلى 375 مليون عامل إلى تغيير فئاتهم الوظيفية بحلول عام 2030، كما يمكن أن يسهم العمل الرقمي في إضافة 2.7 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2025.
ولا يقتصر الأمر على اضطرار البعض لتغيير طبيعة عملهم بل قد يتم تسريح قرابة 800 مليون شخص من وظائفهم بحلول عام 2030 بسبب التغير والميكنة، بما سيؤدي لظهور بطالة كبيرة يجب العمل على امتصاصها بشكل أو بآخر.
وبناء على ذلك، من المتوقع أن تستمر التكنولوجيا في تغيير القيم المجتمعية فيما يتعلق بالعمل، حيث وصلت نسبة العمالة المستقلة اليوم إلى 36٪ من القوى العاملة في الولايات المتحدة، فيما تحركت نسبة متصاعدة من العمالة الأمريكية إلى العمل لحسابهم الخاص لأسباب تشمل الاستقلالية والمرونة والدخل الإضافي.
فرص للشركات المتوسطة
وبحلول عام 2027 سيصبح أكثر من نصف العمال الأمريكيين يعملون بشكل مستقل، وفي مجالات ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي، بما سينعكس بالتأكيد على فقدان المزيد من العمال لوظائفهم المستقرة أو التقليدية.
وسيكون هؤلاء القادرون على تطوير تطبيقات أو مشاريع إلكترونية (مثل البيع عبر الإنترنت أو خدمات استضافة المواقع) قادرين على تحقيق أرباح تفوق الوقت الحالي بقرابة 300% مع استقرار تكنولوجيا "بلوك تشين" وخلقها للكثير من الفرص.
وعلى الرغم من أن الشركات العملاقة هي من تقود التغيير في الثورة الصناعية الرابعة، إلا أن طبيعة تلك الثورة "اللامركزية" ستسمح بالمزيد من الازدهار للشركات الصغيرة والمتوسطة، بفعل زيادة قدرتها على الوصول للمستهلك النهائي دون الحاجة لوسطاء.
بل ومن المنتظر أن تشهد المجالات التعليمية تطورًا كبيرًا، فمع انتشار تطبيقات التعلم عن بُعد، من المتوقع الاعتراف بالعديد منها كمكافئ للمؤسسات التعليمية التقليدية، بما سيمنح المستهلكين فرصة للمزيد من التعلم بالحد الأدنى من النفقات.
ففي الولايات المتحدة يحصل قرابة 40% من الطلبة في يومنا هذا على دبلومات التأهيل المهني والدورات التخصصية عبر الإنترنت، ومن المنتظر ارتفاع هذا العدد إلى 75% بحلول عام 2027 حيث ستتراجع المؤسسات التقليدية كثيرًا في هذا المجال.
مواجهة التغيير
وعلى الرغم مما يفرضه هذا الوضع المستجد من تحديات، إلا أنه يحمل فرصًا أيضًا بطبيعة الحال، وتتمثل –وفقًا للكتاب- في فرصة تعلم مهارات جديدة، فضلًا عن بناء وظائف جديدة تتطلب مجموعات فريدة من المهارات التي لا وجود لها اليوم، واستكشاف المواهب التي لم نكن نعرف بوجودها قبل ذلك وسيكون التعاون بين القطاع الخاص والكيانات الأكاديمية وصانعي السياسات في الحكومات أمراً أساسياً للتعاطي مع التحديات التي سيواجهها مستقبل العمل.
ولذلك تحتاج المدارس إلى العمل مع الشركات والقطاع العام لتطوير المناهج المناسبة، والقابلة للتكيف مع التغيير المستمر، وحسب الطلب في الأسواق، كما يتعين على الحكومات استغلال التكنولوجيا المتقدمة لتقديم رؤى آنية وتقديم رؤية بعيدة المدى لاستبصار سوق العمل بما يسمح بتطوير سياسات وبرامج وميزانيات ملائمة.
وأخيراً تحتاج الشركات إلى اعتماد استراتيجيات أكثر كفاءة للتوظيف حيث يجب أن يكون قرار التوظيف قائماً على الكفاءات وليس على الشهادات العلمية فقط، والأهم من ذلك، أن تأخذ زمام المبادرة في دعم مهارات القوى العاملة الحالية وتوفير فرص التعلم مدى الحياة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}