كان تطوير المهاجر الأسكتلندي "ألكسندر غراهام بيل" للهاتف الأرضي وحصوله على براءة اختراع من السلطات الأمريكية خلال القرن التاسع عشر -نسب مجلس النواب الأمريكي الفكرة الرئيسية للابتكار إلى المخترع الإيطالي "أنطونيو ميوتشي" عام 2002- بمثابة ثورة تكنولوجية وطفرة في مجال التواصل أنهت عقوداً من الاعتماد على ناقلات الصوت الميكانيكية.
وكانت الناقلات الصوتية الميكانيكية، المعروفة أيضاً باسم "هواتف العشاق"، والتي تشبه في مفهومها إلى حد كبير لعبة الأطفال المصنوعة من وعاءين من القصدير متصلين عبر سلك أو سلسلة، تستخدم للتواصل في نطاق محدود يمتد إلى مئات الأمتار أو ربما بضعة كيلومترات في الظروف العادية.
وبطبيعة الحال وجود جهاز يمكن البشر من نقل رسائلهم الصوتية بشكل مباشر وسريع اعتماداً على الأسلاك الكهربائية، غَيَّر وجه العالم، فبهذه الطريقة أصبح بمقدور الناس التواصل فيما بينهم بشكل فعال مع التغلب على أغلب الظروف المناخية.
ورغم أن هاتف "بيل" كان ابتكاراً ثورياً في حد ذاته لما قدمه من سهولة في الاتصال، فإنه غذى موجة من المنافسة على مدار السنوات اللاحقة لطرحه عام 1876، أثمرت مجموعة من الهواتف المطورة التي جعلت الاتصال أنقى وأسرع وأكثر فاعلية.
وبعد قرن من الزمان تقريبًا بلغت هذه الموجة مرحلة استثنائية، ويمكن القول إنها أشعلت فتيل ثورة جديدة من الابتكار، عندما ظهر الهاتف النقال (بشكله المتعارف عليه الآن)، والذي منح الإنسان العديد من المزايا الإضافية، فعلاوة على سهولة وسرعة التواصل، امتازت هذه الأجهزة بخفتها وضمانها حرية الحركة أثناء الكلام.
وبعد ذلك، يتذكر الجميع ما حدث؛ هيمنت شركات مثل "نوكيا" و"موتورولا" على سوق الجوال العالمية، إلى أن أطاحت "آبل" و"سامسونج" بهما بفضل الجوالات الذكية، ثم لحقت بهما الشركات الصينية -التي تهيمن على حصة لا بأس بها من السوق العالمية الآن- أمثال "هواوي" و"شاومي" و"أوبو".
بديل للأجهزة وللبشر
- من الأنماط الملحوظة في طفرة الاتصال التي اندلعت منذ قرون، أنه بمجرد الوصول إلى حل ثوري مبتكر للتواصل، تعقبه سلسلة من المنتجات الأكثر تطوراً التي تجعل مهمته أكثر فعالية وتأثيرًا في حياة البشر، وأيضاً تقل الفترة الزمنية بين الابتكار والآخر.
- في كل مرة وصلت هذه الطفرة إلى محطة جديدة، كان يعتقد البعض أنها بلغت منتهاها، لكنها أثبتت دائماً "لا نهائية" الطريق الذي تمضي فيه، والآن هي بصدد اصطحاب البشر ومستخدمي الجوالات إلى أبعد الحدود للاستمتاع بتجربة استثنائية وغير مسبوقة.
- الآن، وبعد أكثر من عقد من الزمان على ظهور أجهزة مثل "آيفون" و"جالاكسي"، لم تستبدل الجوالات الذكية نظيرتها التقليدية فحسب، بل أصبحت بديلًا لأجهزة تحديد الموقع "جي بي إس" ومنصات الألعاب المحمولة والكاميرات والآلات الحاسبة.
- على سبيل المثال، انخفضت مبيعات الكاميرات الرقمية منذ عام 2008 بنسبة 78%، تزامناً مع تحسن جودة عدسات التصوير المدمجة في الجوالات الذكية بشكل كبير، حسبما أفاد تقرير لشركة الإلكترونيات الفرنسية "ميراكسيس" نشرته عبر موقعها الرسمي.
- خلصت دراسة حديثة لجامعتي نوتنغهام ترينت الإنجليزية وفورتسبيرغ الألمانية، إلى أن الجوالات الذكية أصبحت أكثر أهمية للبشر مقارنة بمهام عدة في حياتهم اليومية، بل باتت أكثر أهمية من بعض البشر مثل الجيران والمعلمين والزملاء.
مفتاح المستقبل: الذكاء الاصطناعي
- مع اقتراب نشر تكنولوجيا الجيل الخامس، ستصبح عملية تحميل المعلومات عبر شبكة الإنترنت إلى الجوال الذكي أسرع بمئات المرات وستغدو إشارة الاتصال أقوى حتى في الأماكن المزدحمة.
- هذه التكنولوجيا هي ميزة واحدة مرتقبة في سوق الجوال من بين ميزات عديدة أخرى، مثل الشاشات القابلة للطي، والجوالات المزودة بعدسات تصوير أكثر وأنقى، وتصميمات خالية من الحواف والمفاتيح (شاشة كاملة).
- لكن أهم ما تترقبه الأسواق والمستخدمون هو مزيد من الذكاء، وتعمل شركات عديدة حالياً على تعزيز جوالاتها بأنظمة ذكاء اصطناعي، تمكنها من القيام بمهام أكثر وأكبر مما مضى دون جهد يذكر من قبل المستخدم.
- تقول "بلومبرج" في تقرير لها إن هناك ثورة جديدة تلوح في أفق سوق الجوال ستجعل الهواتف المحمولة أكثر انتشاراً من ذي قبل، على أن يكون الذكاء الاصطناعي هو وقود هذه الثورة الجديدة.
- نظراً لاعتماد الجوالات الذكية المتزايد على الخدمات، وفي ظل انتشار الأجهزة المتصلة، فإن الذكاء الاصطناعي سيقود التنافسية خلال الأعوام المقبلة، حيث من المتوقع نمو السوق الخاص بهذه التقنية إلى 46.3 مليار دولار بحلول عام 2020، ارتفاعًا من 19.8 مليار دولار في 2018.
- وتزامناً مع هذا النمو، يتوقع محللون أن تشكل الجوالات المزودة بقدرات الذكاء الاصطناعي ما نسبته 80% من مبيعات الهواتف المحمولة الذكية عام 2022، مقارنة بـ10% فقط في عام 2017.
الجوال الفائق
- تتحدث "ميراكسيس" عن تطور الجوال الذكي التقليدي إلى "سوبر فون" أو الجوال الفائق، والذي تقول إنه سيكون بمثابة جوال وحاسوب في آن واحد، وتقول: إنه لن يحاول تقليد خصائص الحاسوب بل إنه سيتضمنها بشكل كامل وفعال، والذي سيكون ملائماً بما فيه الكفاية للقيام بنفس مهام الحاسوب الشخصي.
- تشير الشركة الفرنسية إلى أن الجوالات الذكية الحالية يمكن أن تصل ذاكرتها العشوائية إلى 8 جيجابايت، مع معالج مزود بـ12 نواة، إضافة إلى سعة تخزينية قدرها واحد تيرابايت، وهي قدرات تماثل ما يتم تزويد الحواسيب به، معتبرة جهازي "سامسونج جالاكسي إس 8" و"هواوي ميت 10" أمثلة على الجوال الفائق.
- رغم التقدم المثير للإعجاب في خصائص مثل التعرف على الوجه والصوت، والملاحة الذكية، لا تزال تقنية الذكاء الاصطناعي في مهدها، لكن الصناعة تتجه نحو عصر ستتمكن فيه التكنولوجيا من تعلم وتطوير الذكاء العاطفي وتحديد الحلول المتاحة للمستخدمين.
- جوالات "هونور" (التابعة لـ"هواوي" الصينية) هي أحد الأجهزة التي تقود الثورة المرتقبة في سوق الهواتف المحمولة بحسب "بلومبرج"، حيث أصبحت واحدة من العلامات التجارية للجوال الأسرع نموًا في العالم خلال خمس سنوات فقط، ونمت مبيعاتها خارج الصين بنسبة 150% في النصف الأول من هذا العام.
- مؤخراً، أطلقت الشركة جوال "ماجيك 2"، بعد نجاح النسخة الأولى "ماجيك 1"، وهو أول جوال ذكي يعمل بنظام الذكاء الاصطناعي في العالم، وتم طرحه في الأسواق عام 2016.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}