نبض أرقام
17:18
توقيت مكة المكرمة

2024/07/22
14:15
12:06

ديسمبر 1991.. حين اختفى نفط السوفيت في ظروف غامضة

2018/12/29 أرقام - خاص

في مساء الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول من العام 1991 ظهر الرئيس السوفيتي "ميخائيل جورباتشوف" على شاشة التلفزيون الوطني ليعلن الخبر الجلل الذي لم يكن من الممكن تخيله حتى قبل عام أو عامين من ذلك التاريخ: استقال الرجل من منصبه كرئيس لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية معلناً حل أحد قطبي العالم.

 

 

"لدينا الكثير من كل شيء – الأرض والنفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى – ولدينا كذلك وفرة في المواهب والكفاءات، ورغم ذلك حالنا أسوأ بكثير من حال الناس في الدول الصناعية... لكن في يوم من الأيام سوف تؤتي جهودنا المشتركة ثمارها وسوف تعيش دولنا في مجتمع ديمقراطي مزدهر... أتمنى للجميع كل خير".

 

بهذه الكلمات أنهى "جورباتشوف" خطابه الذي استمر 12 دقيقة، والذي اعتبر إيذانا بتفكيك الاتحاد السوفيتي فعليا ودخوله في ذمة التاريخ بعد مسيرة استمرت 7 عقود.

 

الإجابة ليست هي النفط

 

في نهاية ستينيات القرن الماضي، بدأت علامات التدهور تظهر على الاقتصاد السوفيتي. لكن بفضل كونه مصدرا مهماً للنفط، حقق الاتحاد السوفيتي مكاسب هائلة من الحظر النفطي الذي فرض خلال حرب أكتوبر 1973، والذي تسبب في ارتفاع أسعار النفط أربع مرات.

 

استفاد الاقتصاد السوفيتي بشكل أكبر عندما تضاعفت أسعار النفط مرة أخرى في أوائل الثمانينيات تزامناً مع اندلاع الثورة الإيرانية. وساعدت الزيادات التي شهدتها أسعار النفط على استمرار الاقتصاد السوفيتي المتأزم لعقد آخر، مما مكن البلاد من تمويل طموحها العسكري وتلبية احتياجات مُلحة أخرى.

 

 

كانت الواردات الغذائية على رأس هذه الاحتياجات، والتي كانت تدرك الحكومة أن غيابها أو نقصانها الحاد من شأنه تهديد الاستقرار الاجتماعي. وبالفعل، في بعض الأحيان كان خطر نقص الغذاء وشيكاً جداً لدرجة أن رئيس الوزراء السوفيتي السابق "ألكسي كوسيجين" هاتف ذات مرة رئيس المؤسسة المسؤولة عن إنتاج النفط والغاز قائلاً له: "لدينا مشكلة خبز. أَنْتِجُوا ثلاثة ملايين إضافية من النفط فوق الكمية المخططة".

 

سمحت الزيادات التي شهدتها أسعار الخام للاتحاد السوفيتي بالاستمرار لفترة أطول دون أن يضطر لإصلاح اقتصاده أو تغيير سياسته الخارجية. وقد أخفقت القيادة السوفيتية قصيرة النظر في التفكير بجدية في احتمال انهيار أسعار النفط في يوم من الأيام، ناهيك عن الاستعداد لهذا الاحتمال.

 

"عزيزي جون، ساعدنا!"

 

بعد عام واحد من تولي "جورباتشوف" السلطة، وتحديداً في العام 1986، تسببت التخمة التي كان يعاني منها المعروض العالمي من النفط بالإضافة إلى تراجع مستويات الطلب في انهيار أسعار النفط، وهو ما أدى إلى انخفاض حاد في إيرادات البلاد من العملة الصعبة التي تحتاجها لكي تؤمن وارداتها الأساسية.

 

على الرغم من أن صناعة النفط السوفيتية – التي كانت تتركز في غرب سيبيريا – استمرت في رفع إنتاجها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإنقاذ الاقتصاد السوفيتي الغارق.

 

يقول الاقتصادي "إيجور جيدار" القائم بأعمال رئيس الوزراء الروسي في عام 1992، إن الانهيار الذي شهدته أسعار النفط في أواخر الثمانينيات كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، موضحاً أن أساس الفشل كان يكمن في خصائص النظام الاقتصادي والسياسي للاتحاد السوفيتي الذي لم يفلح في إدراك حقيقة أن أسعار النفط المرتفعة لا يمكن أن تكون أساساً يعتمد عليه في الحفاظ على الإمبراطورية السوفيتية.

 

بحلول نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، بدأت الحكومة السوفيتية في استبدال كلمة "أزمة" في خطابات أعضائها بكلمة "أزمة حادة" ولم يمر الكثير قبل أن تصبح كلمة "كارثة" هي الأكثر شيوعاً أثناء محاولة وصف الوضع الاقتصادي في البلاد. كانت البلاد تعاني من نقص حاد في الغذاء، لدرجة أن مدينة بطرسبرج نفدت منها في مرحلة ما منتجات الألبان الخاصة بالأطفال.

 

 

في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1991، طلب "جورباتشوف" من أحد مساعديه إرسال رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك "جون ميجور" والذي كان يشغل في نفس الوقت منصب رئيس مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. وكانت الرسالة مكونة من ثلاث كلمات: "عزيزي جون، ساعدنا!".

 

بعد شهر واحد فقط من إرساله هذه الرسالة، خرج "جورباتشوف" على شاشة التلفاز ليعلن حل الاتحاد السوفيتي.

 

كان رجل الأعمال الأذربيجاني "فاليري جريفير" واحداً من بين عشرات الملايين الذين استمعوا لخطاب "جورباتشوف" في ذلك اليوم. وبالنسبة لـ"جريفير" لم يكن سقوط الاتحاد السوفيتي سوى كارثة كبرى. فعلى مدار نصف عقد كان هذا الرجل هو الشخصية الأهم في صناعة النفط والغاز السوفيتية.

 

فعندما تعثر الإنتاج النفطي السوفيتي في منتصف الثمانينيات، أرسلت الحكومة السوفيتية "جريفير" إلى منطقة غرب سيبيريا ليقود العمليات هناك ويستعيد مستويات الإنتاج. وبالفعل نجح الرجل في دفع مستويات الإنتاج إلى مستوى قريب من 8 ملايين برميل يومياً، وهو ما اقترب من الإنتاج الإجمالي للسعودية.

 

ولكن فجأة دخل القطاع واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه، والتي لم يكن بمقدور "جريفير" أو غيره السيطرة عليها.

 

النفط السوفيتي مهدراً بين القبائل

 

كانت الموارد الطبيعية – ولا سيما النفط والغاز – مهمة جداً بالنسبة للدولة الروسية الجديدة تماماً كما كان هو الحال مع الاتحاد السوفيتي السابق. فبحلول منتصف التسعينيات كانت إيرادات روسيا من صادراتها النفطية تمثل تقريباً ثلثي إيرادات الحكومة من العملة الصعبة.

 

لكن قبل ذلك، وحين أعلن "جورباتشوف" حل الاتحاد السوفيتي، لم يكن قطاع النفط والغاز بعيداً عن الفوضى التي عمت اقتصاد البلاد في ذلك الوقت. ففجأة وبدون مقدمات حلت الإمبراطورية السوفيتية.

 

أضرب العمال الذين لم يتقاضوا رواتبهم عن العمل وأغلقوا حقول النفط التي يعملون بها، ليتم تعطيل الإنتاج. في جميع أنحاء البلاد اندلعت أنشطة الاستيلاء على النفط أو سرقته وبيعه بعملة صعبة في الغرب. فلم يكن هناك من يعرف من يمتلك هذا النفط.

 

بعد عقود من المركزية والبيروقراطية الصلبة، أضحت صناعة النفط السوفيتية تدار فجأة من قبل ما يقرب من 2000 شركة مؤسسة فردية في أجزاء مختلفة من غرب سيبيريا. الكل بدأ يعمل لحسابه بشكل مستقل، وحاول الدخول في صفقات تجارية بنفسه.

 

أدت هذه الفوضى إلى تراجع الإنتاج الروسي من النفط، ثم انهياره. ففي خلال فترة تزيد قليلاً عن نصف عقد، تراجع الإنتاج الروسي من الخام بأكثر من 50%، وهو ما مثل نحو 5 ملايين برميل يومياً.

 

 

في محاولة للسيطرة على الأوضاع ووضع حد لحالة الفوضى التي شهدها قطاع النفط والغاز، أقر الرئيس الأول للاتحاد الروسي "بوريس يلتسن" في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1992 المرسوم رقم 1403 بشأن خصخصة القطاع.

 

نص القانون الجديد على السماح لثلاث شركات نفط متكاملة رأسياً – "لوك أويل" و"يوكوس" و"سورجوت" – بالسيطرة على مناطق إنتاج النفط وأنظمة التكرير والتسويق التابعة لها. ومع الوقت، نجحت هذه الشركات في فرض سيطرتها على مجموعات الإنتاج الفردية شبه المعزولة وتهدئة الشركات المتمردة والسيطرة على مبيعات وصادرات النفط.

 

بحلول العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عادت روسيا إلى الواجهة مرة أخرى كأحد أكبر منتجي النفط في العالم، بعد أن استعادت مستويات إنتاجها القياسية التي حققتها في ظل الاتحاد السوفيتي قبل عقدين من الزمن. ولكن قطاع النفط الذي قاد هذا الانتعاش مختلف جداً عن السابق.

 

ذات مرة، وبينما كان الإنتاج الروسي وعائدات النفط تتصاعد، سئل "فلاديمير بوتين" عما إذا كانت روسيا قوة عظمى بمجال الطاقة، ليجيب بأنه لا يحب هذه العبارة، لأنها مرتبطة في أذهان الناس بحقبة الحرب الباردة، قبل أن يستدرك قائلاً: إذا جُمعت قدرات الطاقة الروسية – النفط والغاز والطاقة النووية – ستدرك بسهولة أن بلدنا هو الزعيم بلا شك.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة