نبض أرقام
09:55 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/03
2024/11/02

كيف تحول نَهَم "سيمنز" للربح والهيمنة إلى واحدة من أكبر فضائح الفساد المالي؟

2019/01/04 أرقام

قبل أكثر من عشر سنوات، صُدم العالم بعد الكشف عن فضيحة فساد هائلة تورطت فيها شركة "سيمنز"، وهي واحدة من أكبر شركات الهندسة الكهربائية في العالم، ونظرًا لحجمها الضخم عرفت الأزمة بأنها الأكبر آنذاك، بحسب تقرير لموقع "ذا كونفرزشن".

 

 

وبعد بضع سنوات، وصفت "ليندا تومسن"، مديرة قسم إنفاذ اللوائح والقوانين بلجنة الأوراق المالية الأمريكية، نمط الرشوة المرتبط بالأزمة قائلة إنه لم يسبق له مثيل من حيث الحجم والتوزيع الجغرافي، حيث بلغ 1.4 مليار دولار من الرشى المقدمة لمسؤولين حكوميين في آسيا وإفريقيا وأوروبا والأمريكتين.

 

"سيمنز" تحمل لواء النزاهة

 

- قبل فضيحة الفساد، كانت سمعة "سيمنز" جيدة للغاية، واشتهرت بمنتجاتها التكنولوجية وخدماتها الموثوقة في مجال الاتصالات والطاقة والنقل والمعدات الطبية، وكانت المقالات التي تتناول نجاحها ومنتجاتها عالية الجودة، شائعة.

 

- لنفس السبب شعر العالم بالصدمة عندما داهمت الشرطة مقر الشركة في ميونيخ، بالإضافة إلى مقرات وحدات أخرى تابعة لها في الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2006، وكان رد الفعل الأول لـ"سيمنز" هو ادعاء البراءة وإلقاء اللائمة على ما سمته "جماعة إجرامية صغيرة".

 

 

- لسنوات، تظاهرت الشركة بممارسة أعمالها التجارية وفق أعلى المعايير الأخلاقية والقانونية، ومنذ عام 1991، طورت "سيمنز" قوانينها الخاصة لمكافحة الفساد، وقواعد صارمة للسلوك، وإرشادات تجارية.

 

- الأكثر من ذلك، هو اختيارها لتصبح عضوًا بالفرع الألماني لمنظمة الشفافية الدولية عام 1998، وهي منظمة غير حكومية تم إنشاؤها لمحاربة الفساد، بيد أن حقيقة "سيمنز" لم تكن كما بدت عليه.

 

- منذ حقبة التسعينيات الماضية، أرست الشركة نظامًا عالميًا فاسدًا لتضمن من خلاله حصتها السوقية مع زيادة في الأسعار، وهو ما نجحت فيه بفضل الثغرات الكبيرة في النظم القانونية لمجموعة من البلدان على رأسها ألمانيا ذاتها.

 

نزاهة على الورق

 

- على مدى عدة عقود، اتخذ عملاق الهندسة الكهربائية من الرشوة سبيلًا للتجارة، وتم توجيه المدفوعات المشبوهة عبر حسابات مصرفية مخفية ووسطاء غامضين ومستشارين زائفين، وصنف الموظفون هذه الأموال تحت بند "نفقات مفيدة"، والتي كانت معروفة داخليًا بأنها رشى.

 

- ساعد "سيمنز" في ذلك، القانون الألماني الذي يمكن الشركات من احتساب الرشاوى كمصروفات معفاة من الضرائب، لكن هذا الوضع تغير عام 1999 عندما جعلت برلين قانونها متماشيًا مع اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن مكافحة الرشوة.

 

- هذا التعديل التشريعي جعل رشوة المسؤولين الأجانب من قبل الشركات الألمانية أمرًا غير قانوني، وفي نفس اليوم الذي تم تمرير القانون الجديد فيه، جرت مناقشات واجتماعات على قدم وساق داخل الشركة حول كيفية التعامل مع اللوائح الجديدة.

 

 

- في الخامس من يوليو/ تموز عام 2000، أصدرت الشركة تعميمًا جديدًا لوحداتها بالتأكد من وجود بند جديد لمكافحة الفساد في جميع العقود مع الوكلاء أو الاستشاريين أو الوسطاء أو غيرهم من الأطراف.

 

- في عام 2001، أصدرت إرشادات جديدة تقضي بعدم جواز تقديم الموظفين أي منح أو مزايا غير مبررة للآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر، فيما يتعلق بالمعاملات التجارية، لا في شكل نقدي أو غيره.

 

- بعد إدراج سهم "سيمنز" في بورصة نيويورك عام 2001، أصبحت الشركة خاضعة لقانون ممارسات الفساد الأجنبية، ومنذ أواخر 2003، أصبحت خاضعة لقانون "ساربينز أوكسلي" الذي يحدد مجموعة من الأخلاقيات التي ينبغي على كبار التنفيذيين اتباعها.

 

مكاشفة

 

- في يوليو/ تموز من عام 2004، ألقى المدير المالي للشركة خطابًا عن النزاهة، بهدف إظهار تحول مكافحة الفساد إلى أولوية للشركة، وهو كان مخالفًا بالطبع لرأي المدعي العام الألماني الذي قال في وقت لاحق إن امتثال "سيمنز" للقواعد كان حبرًا على الورق فقط.

 

- أُطلقت تحقيقات حكومية حول ممارسات فساد ارتكبتها الشركة في المجر وأذربيجان وتايوان والصين، وأعقبها تدقيق من قبل الهيئات الرقابية في نيجيريا وإيطاليا واليونان وليختنشتاين، وخلص الادعاء العام الأمريكي إلى فشل "سيمنز" في إجراء تحقيقات داخلية وافية لمتابعة هذه الادعاءات.

 

 

- من بنغلاديش وفيتنام وروسيا مرورًا بالنرويج واليونان ونيجيريا والمكسيك، دفعت "سيمنز" رشاوى لمسؤولين حكوميين وموظفين عموميين، وأظهرت التحقيقات إدارتها لنظام رشاوى واسع النطاق وهائل الحجم.

 

- يقول الموظف لدى الشركة "راينهارد سيكازيك": كلنا يعلم أن ما كنا نفعله غير قانوني، لكن دفع الرشوة كان أمرًا معتادًا في جميع وحدات "سيمنز"، باستثناء أعمال مصابيح الإنارة.

 

- اتخذت عدة إجراءات العقابية ضد "سيمنز" في بلدان عدة، لكن بعد انتهاء إجراءات التقاضي في الولايات المتحدة وألمانيا، دفعت الشركة أكثر من 1.6 مليار دولار من الغرامات.

 

الدروس المستفادة

 

- تمثل حالة "سيمنز" رمزًا للماضي يأمل خبراء الإدارة تذكره دائمًا واستخدامه في إعداد برامج حقيقية للامتثال القانوني، فدون التزام فعلي، سيكون هناك خطر حقيقي متمثل في انتشار الفساد كفيروس وستبدأ الشركات نسخ تجارب بعضها البعض.

 

 

- الدرس الآخر، هو أن النظام الوحيد الذي تعامل مع حال الفساد هذه على محمل الجد كان الولايات المتحدة، فوزارة العدل الأمريكية تمكنت من فرض عقوبات كافية على الشركات، لكن لا ينبغي أن يظل هذا هو الحال دائمًا.

 

- وهنا دلالة مهمة أخرى تقر بأنه لا ينبغي للدول الاكتفاء بالقول إن الفساد أمر سيئ، وعلى الحكومات أن تتحرك وتظهر كيف سيتم معاقبة المخالفين.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.