جميعنا يسمع ليل نهار عن تحذيرات المراقبين والمحللين من أزمة مالية أو اقتصادية محتملة، والكثيرون ينتقدون مثل هذه التصريحات باعتبار أن الأزمة لن تكون أزمة إذا كان من الممكن التنبؤ بقدومها، وإلا فمن السهل إذن التصدي لها أو تفاديها من الأساس، ورغم أنها حُجة منطقية وتبدو صحيحة، لكنها ليست دقيقة تمامًا.
يتسم النشاط الاقتصادي بالدورية، حيث تبدأ الدورة الاقتصادية من رحم أزمة وتنتهي بميلاد أخرى؛ هذه الأزمة التي يتوقعها المحللون ويترقبونها باستمرار تعد مصيرًا لا مفر منه لكل دورة اقتصادية -مهما طال أمدها- وعادة ما يكون لها انعكاسات على القطاع المصرفي والأسواق المالية.
ما هي الدورة الاقتصادية؟
- تُعرف الدورة الاقتصادية بأنها تقلب طبيعي للإنتاج والتجارة والنشاط الاقتصادي العام يحدث بين النمو والانكماش (الركود)، ويمكن تحديد المرحلة التي بلغتها الدورة الاقتصادية وفقًا لعوامل مثل الناتج المحلي الإجمالي، وأسعار الفائدة، ومستويات التوظيف، والإنفاق الاستهلاكي.
- وفقًا لـ"إنفستوبيديا" فخلال أوقات النمو، يفضل المستثمرون شراء أسهم شركات التكنولوجيا والسلع الرأسمالية والطاقة، فيما يميلون خلال الانكماش إلى أسهم المرافق العامة والخدمات المالية والرعاية الصحية.
- الدورة الاقتصادية، والتي تُعرف أيضًا باسم دورة "الازدهار والركود"، يكون النمو إيجابيًا خلال فترة الازدهار، وإذا بلغ معدل النمو النطاق الصحي الذي يتراوح بين 2% و3%، فقد يظل عند هذه المستويات لسنوات، ويصحبه سوقًا صاعدة، وارتفاع أسعار المنازل، ونمو الأجور، وانخفاض معدلات البطالة، وقد تمتد هذه الفترة إذا لم يُسمح للاقتصاد بالفوران.
- المُسمى "الازدهار والركود" لا يعني أن الدورة الاقتصادية تنقسم إلى مرحلتين فقط، فالاقتصاديون يقسمونها إلى أربعة مراحل (بغض النظر عن طول أو قصر مدتها)، هي التوسع، والذروة والانكماش والقاع.
- بما أن الاقتصاد يتكون من شركات خاصة وعامة، فإن الأنشطة التجارية تتأثر بمراحل الدورة المختلفة، أو ربما هي من يتسبب في بلوغ إحدى هذه المراحل، وربما هي مزيج من التأثير والتأثر.
- أهم أداة تملكها الدولة للتحكم في الدورة الاقتصادية هي السياسة المالية، فإذا أرادت إنهاء الركود، تنتهج الحكومة سياسة مالية توسعية، وقد تلجأ إلى السياسات الانكماشية لحماية الاقتصاد من الفوران.
- البنوك المركزية تستخدم السياسة النقدية للمساعدة في إدارة ومراقبة الدورة الاقتصادية أيضًا، فعندما تحين مرحلة القاع، يخفض صناع القرار سعر الفائدة ويطبقون سياسة نقدية توسعية، وقد تستخدم السياسة النقدية الانكماشية لمنع الاقتصاد من بلوغ مرحلة الذروة.
مراحل الدورة الاقتصادية
- خلال مرحلة التوسع، ينمو الاقتصاد بوتيرة سريعة نسبيًا كما أشرنا سابقًا وعادة ما تكون أسعار الفائدة منخفضة، ويزيد الإنتاج والضغوط التضخمية، وترتفع معدلات التوظيف.
- في المرحلة الثانية المعروفة باسم الذروة، يصل النمو إلى أعلى مستوى ممكن له، حيث ينتج الاقتصاد بأقصى طاقته ويصل إلى حد التوظيف الكامل، ويترتب على ذلك في النهاية بعض الاختلالات الاقتصادية التي تحتاج إلى معالجة.
- بعد الذروة ومع حدوث التصحيح اللازم للاختلالات فإن مرحلة الانكماش تكون قد حانت، وفيها يبدأ النمو بالتباطؤ، وينخفض معدل التوظيف وتركد الأسعار، حسبما يوضح تقرير لموقع "لومين ليرنينغ" التعليمي.
- تبلغ الدورة الاقتصادية مرحلة القاع عندما يصل الناتج المحلي الإجمالي أدنى نقطة ممكنة بمنحنى النمو تسمح له ببدء الانتعاش مجددًا، أو بقول آخر، السماح بإطلاق دورة أعمال جديدة تبدأ وتنتهي بنفس الشكل، وهلم جرا.
- في الولايات المتحدة، يعد المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، هو الحكم النهائي والأكثر قبولًا، في ما يتعلق بتحديد تواريخ انقضاء مراحل الذروة والقاع للدورة الاقتصادية.
- يعلن المكتب عن انقشاع الركود رسميًا، لكن ذلك يستغرق وقتًا طويلًا، ربما بضع سنوات، ودون تفاصيل كثيرة، لكن هذا الإعلان في النهاية يمنح المستثمرين نظرة أوضح عند اتخاذ قراراتهم.
كيف تتشكل الدورة؟ وما مدتها؟
- تقول المدرسة الاقتصادية النقدية إن الدورة الاقتصادية ترتبط بنظيرتها الائتمانية، حيث يمكن للتغير في أسعار الفائدة أن يحد أو يحفز النشاط الاقتصادي عن طريق جعل اقتراض الأسر والشركات والحكومة أكثر أو أقل تكلفة.
- لكن أنصار المدرسة الكينزية، يقولون إن الدورة الاقتصادية وتشكل مراحلها يتعلق بالتغيرات التي تطرأ على الطلب الكلي، المدفوع بعدم الاستقرار الفطري والتقلبات في الطلب على الاستثمار.
- فيما يقول آخرون مثل "إيرفينغ فيشر"، إن الدورة الاقتصادية تحدث لأن الاقتصاد يمر بمجموعة من الأحداث غير المتوازنة، حيث يستثمر المنتجون بشكل مفرط أو لا يستثمرون من الأساس، والإنتاج المفرط أو غير الكافي، وهي أمور تتأثر بسعيهم لمجاراة طلب المستهلكين المتغير باستمرار.
- وفقًا لموقع "ذا بالانس"، فإن ثلاثة عوامل رئيسية وراء تشكل دورة "الازدهار والركود"، هي قانون العرض والطلب، وتوافر رأس المال، والتوقعات المستقبلية.
- يشرح الموقع في تقرير له قائلًا: الطلب القوي للمستهلكين يقود مرحلة الازدهار، حيث تنفق الأسر أكثر مع توقعات متفائلة بشأن الوظائف في المستقبل، ويصحب ذلك أسعار أعلى للمنازل والأسهم، وبطبيعة الحال يشجع الشركات على تعزيز الإنتاج وفتح باب التوظيف، لكن إذا تجاوز الطلب العرض سيقع الاقتصاد في فخ الفوران.
- قد يتجاهل المستثمرون المخاطر وإشارات السوق لتحقيق المزيد من المكاسب، وهو ما يخفض الثقة في الاقتصاد، وحينها تبدأ الأسهم مسارًا تصحيحيًا، وتندلع موجات بَيْعِيَّة، وتتحول رؤوس الأموال إلى الأصول الآمنة، وتميل الشركات لتقليل الوظائف والحد من المشتريات.
- في النهاية سوف ينتهي الركود من تلقاء نفسه، عندما تهبط الأسعار إلى مستويات منخفضة تشجع المستثمرين الذين يمتلكون نقدية على بدء الشراء مرة أخرى.
- في الولايات المتحدة، وصل متوسط مدة الدورة الاقتصادية الواحدة منذ عام 1854 إلى 38.7 شهر، لكن هذا المستوى يرتفع إلى 58.4 شهر إذ تم احتساب متوسط المدة بدءًا من عام 1945، وفقًا لبيانات المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}