عادة ما يقوم متخصصو الإدارة والتحليل في استحداث وظائف جديدة وكذلك إعادة النظر في تلك الموجودة بالفعل بناءً على أهمية تلك الوظائف ومدى تأثيرها على الربحية والإنتاج بهدف تحسين الأداء، ومن هنا تظهر مهنة "تحليل الوظائف".
والسؤال الأهم فيما يعرف بعملية "تحليل الوظائف" دائماً يتعلق بالغرض من وجود أي وظيفة بالأساس، الأمر الذي يكشف "زيف" العديد من الوظائف الحالية وقلة أهميتها، وفقًا لكتاب "وظائف بلا جدوى" للكاتب "ديفيد جرايبر".
تحليل الوظائف
وتؤثر إضافة وظائف أحيانا بالسلب على عالم الأعمال من حيث الربحية أو حتى تحسين الأداء الإداري، بل ويضيف بعضها خطوات زائدة من شأنها إضاعة المزيد من الوقت، وزيادة التكلفة وتعقيد العمليات البسيطة لتعكس الأداء البيروقراطي غير المبرر لمعظم المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص على حد سواء.
وتنبأ المفكر الاقتصادي البارز "جون ماينارد كينز" في عام 1930 بأن التقدم التكنولوجي سيمكننا من العمل لمدة 15 ساعة في الأسبوع، وسيصبح بعض الناس غير مضطرين للعمل على الإطلاق، ولكن ذلك لم يتحقق في عالمنا المعاصر رغم التقدم التكنولوجي غير المسبوق.
بل يبدو الناس أكثر انشغالًا من أي وقت مضى، حيث يتحمل الموظفون القائمون بالعمل الفعلي في الواقع عبء العمل المتزايد، ويتضاعف عدد البيروقراطيين كما تتضاعف إعاقتهم لدورة الأعمال باللجوء فقط إلى الحلول المجربة، بدلاً من الخروج بأفكار أصلية مختلفة، أو بلورة الحلول والخيارات المناسبة.
ويرى "جرايبر" أن الناس ليسوا كسالى بطبيعتهم كما يعتقد الكثير من علماء الإدارة، حيث كشفت تجربة تم إجراؤها على ألفي شخص تم منحهم أموالًا شهرية تكفي لمعيشتهم وذلك دون مطالبتهم بالعمل أن 83% بدؤوا يطالبون بعمل يقومون به ورفضوا الحصول على إعانة بهذا الشكل.
وظائف لا تضيف شيئا
وكشف استطلاع لمركز "بيو" لدراسات الرأي أن قرابة 37% من البريطانيين يعتقدون أن وظائفهم "لا تضيف معنى" بأي شكل من الأشكال، واعتقدت نسبة 25% أنه من الممكن الاستغناء عنهم كلية دون تأثر دورة العمل في الشركة أو المصلحة الحكومية.
ووفقًا لتقديرات الكاتب فإن الوظائف "الزائفة" تبلغ 40% من الوظائف في الدول المتقدمة، واللافت أن نسبتها تزيد في القطاع الخاص في تلك الدول عليها في الحكومة في ظل اضطرار الكثير من الحكومات لإجراء تخفيض كبير في العمالة الحكومية اتباعًا لبرامج تقشف في النفقات الحكومية غير الضرورية.
والمثير هنا أنه في كثير من الأحيان تقوم الشركات بتسريح 500 عامل من عمالتها "الحقيقية" التي تبذل الجهد، إذا واجهت الشركة صعوبات مالية، مع الإبقاء على "النخبة الليبرالية" أو أصحاب الياقات البيضاء الذين يشكلون النسبة الكاسحة من الوظائف الزائفة.
وتشير غالبية الدراسات إلى أن الأمر لا يقتصر على إيجاد وظائف لا طائل منها، ولكن على عدم اضطرار الكثير من العاملين في بعض الشركات والمصالح إلا العمل لدقائق أو ساعة في اليوم، حتى في دول العالم المتقدم، بينما يضطر آخرون للعمل لأوقات إضافية لتعويض تقصير الآخرين.
الحل
ويعود ظهور الكثير من الوظائف "الزائفة" أو عديمة الجدوى إلى رغبة الكثير من المديرين في التحكم بأكبر عدد ممكن من البشر تحت إمرتهم، وبناء على ذلك ومع بدء الشركة في تحقيق أرباح يبدؤون في تعيين موظفين لا حاجة لهم في واقع الأمر ليزيدوا الطين بلة.
ويشكك "جريبير" في فرضية أن الروبوتات ستقضي على الوظائف التي لا طائل منها ، مدللاً على ذلك بأن نظم الحواسب الآلية تحتاج إلى البشر لتبسيط المهام المعقدة إلى وحدات أساسية يسهل عليها استيعابها، وبالتالي ستبقى الحاجة إلى هؤلاء قائمة.
وإذا كانت التقديرات حول وجود 40% من العمالة في وظائف يمكن الاستغناء عنها تمامًا أو دمجها في أخرى، فإنه يمكن التأكيد على أن الناتج العالمي يفقد الكثير سنويًا، وإنه يمكن الوصول لأرقام إنتاج أكبر كثيرًا مما تحققها كافة الاقتصادات حول العالم بما يسهم في زيادة الرفاهة العالمية.
وختامًا يقترح "جريبير" حتمية وضع نظم علمية لتحليل الوظائف في مختلف الشركات والمصالح الحكومية، فهذا وحده الكفيل بتحسين إنتاجية العنصر البشري بعيدًا عن الوظائف التي لا جدوى من ورائها بما يخدم الاقتصاد ويشعر الأشخاص بقيمتهم معنويًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}